ماكرون وتكريم الديكتاتورية

ماكرون وتكريم الديكتاتورية

23 ديسمبر 2020
حظي السيسي باستقبال باهر من ماكرون (Getty)
+ الخط -

باريس عاصمة الأنوار التي لطالما أعطت لفرنسا صورة بلد منفتح يقيم وزناً لقيم الديمقراطية والحريات والعدالة، لكنها غالباً ما تطعن هذه القيم في العمق عندما تتعلق الأمور بالمصالح السياسية والاقتصادية.
عندما يحضر إلى باريس رئيس حمله انقلاب إلى سدة الحكم، واسمه مرتبط بملفات القمع والتضييق وأسماء السجون، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويحضر في الوقت نفسه (بغض النظر عن المقام) رئيس حكومة بلد يعيش تجربته الديمقراطية على عثراتها ويتوسع فيها بصورة تقدمية، رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، تصبح المقارنة ممكنة، والامتحان الفرنسي واضحاً في علاقة بالطريقة التي تتعامل بها المؤسسة الرسمية في باريس، مع سلطة انقلابية من جهة، ومع تجربة ديمقراطية من جهة أخرى.

دخل السيسي باريس "حاجاً"، مثقلاً بالخطايا، بعدما تصحرت مصر تماماً من أي رأي مخالف لسلطة الجيش والحكم، وفي فترة كانت تفاعلات قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني تتفاعل، لكن السيسي حظي باستقبال باهر من الرئيس اليافع إيمانويل ماكرون من دون أن ينبس الأخير بنصف كلمة عن "ضحايا الديكتاتورية"، وخرج بتكريم وبوسام جوقة الشرف، وحصل بدعم فرنسي بعد ذلك بأيام على قرار من صندوق النقد الدولي بسحب قرض بقيمة 1.67 مليار دولار.

في الأسبوع نفسه، دخل المشيشي باريس حاملاً معه صورة تونس الديمقراطية التي تتطلع إلى مزيد من التميز في الحالة العربية، وعلى أمل الحصول على مزيد من الدعم من فرنسا كدولة تسوق نفسها راعية لقيم الديمقراطية والحريات، لكنه عاد بخفي حنين، من دون الحصول على أي دعم اقتصادي أو مالي يساهم في فك الخناق الاقتصادي على تونس. لم يحظَ حتى باستقبال من قبل ماكرون، كما جرت العادة في زيارات سابقة لرؤساء حكومات ما بعد الثورة في تونس. لا بد أن باريس تريد معاقبة تونس بسبب موقفها في الأزمة الليبية، ورفضها السماح بمرور دعم فرنسي لقوات خليفة حفتر قبل عام.

يمكن أن تعطينا هذه المقارنة فكرة واضحة عن النفاق الفرنسي والغربي عموماً بشأن مزاعم الدفاع عن قيم الديمقراطية والحريات، وتعطي صورة عن كيف يعتبر الغرب الديمقراطي نفسه معنياً بالحريات والديمقراطية فقط عندما تتقاطع مع خدمة مصالحه، بينما يدير لها الظهر عندما تشوش على مصالحه. وفي الواقع، فرنسا بلد بكل ما تحمله من قيم الديمقراطية والحريات، تحمل أيضاً رصيداً غير محترم في مجال دعم الديكتاتوريات في الوطن العربي وأفريقيا خصوصاً، فمصلحة فرنسا مع الأنظمة الغاصبة ظلت دائماً أوسع من مصلحتها مع الأنظمة الديمقراطية. في الجزائر أيضاً كثيرون مقتنعون بأن باريس لا تريد نجاح الحراك وتحقيق الانتقال الديمقراطي، لكنها مهتمة بنجاح النظام في ترتيب بيته أكثر، والتصريحات الأخيرة لماكرون بشأن الجزائر واضحة.

المساهمون