لعبة حصر الجريمة في نتنياهو

لعبة حصر الجريمة في نتنياهو

05 ابريل 2024
تظاهرة ضد نتنياهو وبايدن، لوس أنجليس، نوفمبر 2023 (إتيان لورنت/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الاحتجاجات الإسرائيلية ضد نتنياهو والانتقادات الغربية لاستهدافه المدنيين في غزة تسلط الضوء على مسؤوليته الشخصية، مما قد يغير النظرة الدولية تجاه سياساته.
- السياسة الأمريكية، بما في ذلك دعم جو بايدن للصهيونية، ساهمت في تمييع جرائم ضد الفلسطينيين ودعم الاحتلال، مع تحويل اتفاقيات مثل "أوسلو" إلى أدوات لتشريع الأبارتهايد.
- الوضع الحالي يعكس استمرار الدعم الغربي للسياسات الإسرائيلية المتطرفة والتمييزية، مع تأكيد أمريكي على "ضبط النفس" يستهدف غير مباشر الفلسطينيين والعرب، مما يعكس استمرارية الاحتلال الاستعماري والأبارتهايد.

على وقع بعض تحرّكات الشوارع الإسرائيلية ضد بنيامين نتنياهو، وحرجٍ غربي من إصراره على استهداف المدنيين، بمن فيهم نشطاء دوليون في قطاع غزّة، يبدو أن الأضواء ستسلط عليه شخصياً مسؤولاً عن كل ما يجري، وهو ما يُستشفّ من تغطيات إعلامية غربية حديثة.

فخلال جرائم الحرب والإبادة في غزّة، بقي البيت الأبيض يميّع الجريمة، بقيادة جو بايدن الذي يعرف نفسه بأنه صهيوني، ومستشاري الحرص على مصالح الاحتلال، وفق منطق جلب بعض العرب والفلسطينيين إلى شبر ماء، لإشعارهم بأنهم يسبحون في محيط من "النعم الأميركية". وارتفاع نبرة انتقاد نتنياهو جزء من مسيرة تاريخية عرفها الفلسطينيون حق المعرفة. فمنذ اغتالت الصهيونية - الدينية إسحاق رابين (نوفمبر/ تشرين الثاني 1995)، كانت لعبة تبادل الأدوار والطرابيش الصهيونية في ذروتها، لتفريغ الحقوق الفلسطينية من مضامينها، بتملّص الحكومات المتعاقبة من تعهدات سابقاتها.

فـ"اتفاق أوسلو" (1993)، تحوّل إلى نهب الأرض المحتلة، وشرعنة "تشريعية وقضائية" لخطاب وممارسات الأبارتهايد، شاملاً فلسطينيي الـ48 تحريضاً وطلباً لترحيلهم، وتحت سقف ديمومة "الحكم الذاتي المحدود" (للتحكّم بالشؤون السكّانية). ولعقود، غطّت واشنطن لعبة تبادل الأدوار ومرّرتها، وللأسف بمشاركة بعض السياسات العربية، حين رأت أن جزّار صبرا وشاتيلا أرئيل شارون يستحق "مبادرة عربية" (قمة بيروت 2002)، متورّطة في لعبة تفضيل هذا على ذاك في حكم تل أبيب.

تُساق الأوهام نفسها في هذه الأيام، رغم التنافس الصهيوني على جرائم الحرب لكسب الأصوات الانتخابية. فحين يتحدث الأميركي عن ضرورة "ضبط النفس" و"التعقّل والاعتدال"، فالمعني بخطابه هو الفلسطيني والعربي. طُبّقت اللعبة المفضوحة نفسها على الرئيس الراحل ياسر عرفات، وسط حديث عن "عملية سلام" و"معتدلين"، إذ لم تسفر سوى عن مزيد من عنجهية شعور صهيوني بأن القضية الفلسطينية "ماتت". في الاتجاه نفسه تأتي التصريحات الأميركية أخيراً بأن مناقشة الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يجب أن تتم في الأمم المتحدة، لتكشف مستوى الإصرار على خطابات مسكّنة للمنطقة لحماية مشروع الإبادة.

إخضاع مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية لـ"المفاوضات" تريد منه واشنطن، كما فعلت خلال عقود، تفريغه من محتواه القانوني والأممي، سواء حول طبيعة الأرض المحتلة وحدودها، أو حقّ تقرير المصير والاستقلال. أي إخضاع المُحتلين، تحت وقع الجرائم بسلاح أميركي وغربي، لرغبات (ومزاجية) الصهيونية، التي لا يشكّل نتنياهو سوى نقطة في بحر تطرّفها، الممزوج بخرافات دينية، هي في ذروتها اليوم، في محاولة فرض محتواها على الشعب الفلسطيني، والمنطقة العربية عموماً. وكله باسم "الاعتدال" و"استغلال الفرص"، التي داستها الصهيونية عشرات المرات.

باختصار، تذكّر لعبة حصر جرائم الكيان الصهيوني ببعض الشخصيات بوقاحة ألاعيب واشنطن، وتوابعها الأوروبيين. فحين تفرض عقوبات على "بعض المستوطنين"، فهي بذلك تحصر كل ما جرى ويجري في الأراضي المحتلة، كالضفة الغربية والقدس، ببضعة إرهابيين صهاينة مستعمرين، وافدين أصلاً بجنسيات مزدوجة من الغرب نفسه، وليس بجذر المشكلة وجوهرها المتمثل بالاحتلال الاستعماري، الذي يمارس اليوم الأبارتهايد بأدوات تفوق أدوات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً.

وبدلاً من فرض عقوبات على الاحتلال، وإجباره على تطبيق القوانين الدولية ذات الصلة، يجري الإعداد لملهاة إشغال المنطقة وأوروبا بأن الحلّ يقترب برحيل نتنياهو، رغم أنه ليس سوى تفصيل في أركان الجريمة المرتكبة تاريخياً في فلسطين. ونتنياهو وغيره ليسوا في معزل عن إرث صهيوني - تلمودي أعمق وأفدح، ومتناقل عبر أجيال في الاجتماع - السياسي، تعليماً وثقافة وتديّناً ودعاية، وباستعلائية يحتضنها بعض الغرب، في سياق الابتزاز الذي يسأم منه كثيرون اليوم، تارّة باسم "محاربة الإرهاب" وأخرى بحجة "معاداة السامية".
 

المساهمون