كيف سيختار التونسيون رئيسهم المقبل؟

كيف سيختار التونسيون رئيسهم المقبل؟

12 ابريل 2024
من الانتخابات المحلية في تونس، فبراير الماضي (Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تونس تستعد لانتخابات رئاسية حاسمة بين سبتمبر وأكتوبر، يهدف الرئيس قيس سعيّد من خلالها لتعزيز حكمه بعد تراجع شعبيته إثر تحركاته في 25 يوليو 2021، بينما تسعى المعارضة لاسترداد الديمقراطية وتقديم "الخيار الثالث" كبديل.
- الأجواء المحيطة بالانتخابات مشحونة بالتوتر، مع تزايد الاعتقالات السياسية والقيود على الحريات، وسط أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة، ووعود متكررة من سعيّد بمكافحة الفساد دون تحقيق تقدم.
- النقاش الانتخابي يفتقر للتركيز على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، مع تركيز المعارضة على النتائج السياسية لسعيّد، وتحول الانتخابات إلى استفتاء على شخصية الرئيس في ظل مناخ شعبوي يضعف المعارضة.

أشهر قليلة تفصل التونسيين عن انتخابات رئاسية مفصلية، لم يتحدد موعدها بعد بوضوح ولا يعرفه غير الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي يمسك وحده بكل خيوط السلطة. بين شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول المقبلين، من المفترض أن تجرى الانتخابات الرئاسية التي يعلّق عليها سعيّد آمالاً كبيرة ليوطد حكمه بشكل نهائي ويستعيد شرعية شعبية فقدها خلال سنوات حكمه، خصوصاً بعد انقلابه على الدستور في 25 يوليو/ تموز 2021، حين هجر تونسيون كثر الشأن العام وقاطعوا بشكل كبير كل الانتخابات التي دعا إليها سعيّد، محلية وتشريعية واستفتاء على الدستور، بينما قام كل برنامجه على شعار "الشعب يريد". في المقابل، تراهن المعارضة على هذه الانتخابات لاستعادة الديمقراطية كما تقول، وإنهاء ما تصفه بحالة العبث. ويسعى مرشحون آخرون لطرح ما يمكن تسميته بالخيار الثالث، غير خطَي سعيّد والمعارضة التي تتشكل غالبيتها من أحزاب وتيارات ما قبل 25 يوليو 2021.

غير أن السؤال الذي لم يطرح إلى حد الآن هو من سيختار التونسيون، وعلى أي أساس وأي برامج، خصوصاً بعدما فشل الجميع، سعيّد ومن قبله (الأحزاب التي حكمت منذ الثورة) ومن قبلهم (منظومة ما قبل الثورة) في تحقيق مطالب التونسيين الأساسية: شغل، حرية، كرامة وطنية. ويقول المحلل السياسي محمد القوماني، لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات الرئاسية في تونس تقترب في مناخ عام مشحون تطفو فيه الاعتقالات ذات الطابع السياسي، ويتم فيه التضييق على المعارضة والإعلام والمجتمع المدني، وتتفاقم فيه مؤشرات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وينتاب فيه عموم التونسيين شعور بالغموض والقلق". ويضيف: "في الأثناء يستمر الرئيس قيس سعيّد في تكرار المقولات التي أعلنها منذ 25 يوليو 2021، حول مقاومة الفساد وتطهير الإدارة والمحاسبة واسترجاع الأموال المنهوبة وتحقيق العدالة الاجتماعية، من دون تحقيق نتائج ملموسة في الواقع".


محمد القوماني: لا شيء يؤشر حتى الآن إلى إقبال محتمل على الرئاسيات

ويرى القوماني أن "الرئيس فشل في تحقيق وعوده قبل 25 يوليو وبعده، وفشل مساره التصحيحي المعلن يوم فرض الإجراءات الاستثنائية. وتشي عمليات سبر الآراء بتراجع كبير في شعبية سعيّد، كما لا يصعب على أي متابع التقاط مشاعر خيبة الأمل في أوساط عموم التونسيين". ويشير إلى أنه "من قبل 25 يوليو 2021، فشل مسار الانتقال الديمقراطي الذي أعطى الأولوية للإنجازات السياسية، ولم يحقق أهداف الثورة في الشغل والكرامة والتنمية العادلة والمتوازنة، وكان غضب التونسيين على عموم الطبقة السياسية أهم استثمار لقيس سعيّد في وضع حدّ لذلك المسار".

ويشدد على أنه "مع تكرار الفشل يتعمّق الشعور العام بخيبة الأمل في السياسة، ولا أدلّ على ذلك من العزوف الواسع عن المشاركة في الأحزاب ومقاطعة المحطات الانتخابية التي لم تعد تعني سوى حوالي عشرة في المائة من الشعب". ويتابع: "كما تأكد ذلك في الانتخابات التشريعية والمحلية في دورتين. ولا شيء يؤشر حتى الآن إلى إقبال محتمل على الرئاسيات على الرغم من أهميتها واختلاف رهاناتها. والواضح أنّ أولويات عموم المواطنين اقتصادية واجتماعية بالأساس. ولم تعد المطالبة بالديمقراطية والحريات أولوية إلا لدى بعض النخب التي تعاني من أزمة تواصل مع الأغلبية وتتعمّق الهوة أكثر فأكثر بين المجتمع المنظم والمجتمع المهمش".

ويعتبر القوماني أن "النخب السياسية التقليدية والوجوه المستهلكة استنفدت رصيدها الشعبي. ولا عودة إلى الوراء، كما يقول الرئيس سعيّد. ولكن بالتوازي مع ذلك يتنامى الشعور بعجز الرئيس المباشر عن حلّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من أهمية بعض العناوين التي يعمل الإعلام الرئاسي على نشرها. ولم يعد خافياً على الأغلبية المأزق المالي بسبب المواقف الخارجية السلبية من سياسات الرئيس سعيّد. كما لم يعد مجدياً الاستثمار في الترذيل وتقسيم التونسيين وملاحقة رجال الأعمال، بل صار ذلك خطراً على مستقبل البلاد". ويعرب عن اعتقاده بأن "عموم التونسيين يتطلعون في رئاسيات 2024 إلى شخصية مقتدرة وجامعة، أي إلى مرشّح ذي كفاءة اقتصادية وسياسية في آن، وقادر على تهدئة الاحتقان وتوحيد الجهود في أفق وطني. وهذا أراه مفقوداً الآن في انتظار أن تتوضح الصورة أكثر في مقبل الأسابيع بتأكد الترشحات الجدية والفعلية. وفي غياب البديل بالطبع يستفيد القائم في الاستمرار".

من جهته، يقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي عدنان منصر إنه "من المفترض أن تدور كل انتخابات حول رهانات موضوعية، تتلخص عموماً ونظرياً في تقييم أداء الحكومة مقارنة بالأفكار والبرامج التي انتخبت على أساس الوعد بإنجازها". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك في السياق التونسي الحالي نوعاً من المفارقة، وهي تقوم على نوع من التضاد المغلوط، فالسلطة الحالية التي وصلت للحكم عبر انتخابات 2019، احتكرت كل السلطات عبر انقلاب مؤسساتي في 25 يوليو 2021، هي سلطة ترفض أن يتم تقييم أدائها بناء على نتائج سياساتها في الميدان الاقتصادي، وهذه السلطة تعتبر حكمها نوعاً من حرب التحرير الوطني، وتعتقد أنه من المبكر الحكم عليها، خصوصاً إذا جاء الحكم من طرف خصومها".

ويضيف: "في المقابل، وهذا القسم الثاني من المفارقة، فإن المعارضة لا تقترح بديلاً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتكاد تقصر تحفظاتها وانتقاداتها على الحصيلة السياسية والمؤسساتية والحقوقية لسلطة سعيّد، وهي من منظورها كارثية، وبالتالي هناك نوع من الاتفاق غير المخطط له على إنكار أهمية أن يكون الصراع على البرامج الاقتصادية والاجتماعية".


عدنان منصر: المعارضة لا تقترح بديلاً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية

ويشير منصر إلى أن "هذا ما يجعل السؤال عما سيحدد تصويت التونسيين، إذا غاب النقاش في المواضيع الاقتصادية والاجتماعية، سؤالاً موضوعياً، فالبلاد لا تزال تعيش على وقع موجة شعبوية عالية، وهذه الموجة تتوازى مع تغييرات مؤسساتية عميقة دمرت كل مقومات دستور 2014 فعلياً، وهي في طريقها لتدمير أي أسس لحياة سياسية ديمقراطية، بما فيها مقومات الانتخابات النزيهة ومبدأ الفصل بين السلطات".

ويوضح منصر أن "قوة هذه الموجة الشعبوية تكمن في عنصرين، الحكم القاسي وغير القابل للتنسيب في أوساط واسعة من الرأي العام على العشرية السابقة، والدعاية التي تقوم بها السلطة الشعبوية ضد تلك العشرية لإخفاء عجزها عن إنجاز أي تقدم في الملفات الاقتصادية والاجتماعية". ويعتبر أن "الانتخابات سيلعب فيها تقييم الشخصيات المتنافسة في الدور الأول، بل ستكون انتخابات على شخص قيس سعيّد نفسه، ما ينزع كل موضوعية وعقلانية عن التنافس السياسي. وهذه هي البيئة المثالية للحكم الشعبوي، أي منع تطور النقاش العام نحو تقييم السياقات الموضوعية لأداء منظومة الحكم الحالية".

ويرى منصر أنه "لا يمكن للمعارضة أن تتلافى سؤال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ذلك أنه سؤال يلخص إحدى أهم نقاط ضعف قيس سعيّد، وهذا الملف هو الذي يمثل الكسر الحقيقي لمصداقية سعيّد الأخلاقية التي على أساسها تم انتخابه بنسبة تصويت عالية في 2019"، لكنه يشير إلى أن "قدرة المعارضة على حسم التنافس محدودة جداً بحكم السياق الشعبوي المهيمن على البلاد والرأي العام. وعندما تكون موجة الشعبوية مرتفعة، فإن المسألة الديمقراطية وموضوع حقوق الإنسان يتذيلان قائمة اهتمامات الرأي العام، وهذا ما يسبب ترسيخاً لعزلة المعارضة وضعف تأثيرها".

ويشرح أن "الشعبوية التي يمارسها قيس سعيّد هي شعبوية نموذجية، وتقوم على الفصل بين اهتمامات النخب وتشويهها تمهيداً لعزلها عن الجمهور، وفي الوقت نفسه التعمية على المنجزات الهزيلة أو المنعدمة تماماً للسلطة باستعمال الدعاية وافتعال نقاط اهتمام أخرى لشغل الرأي العام عن تقييمها". ويؤكد أن "هناك استغلالاً أقصى للمزاج الشعبوي للجمهور، واستثماراً واعياً فيه، واستثارة مستمرة له من أجل مواصلة الحكم من دون مراقبة أو محاسبة أو تقييم موضوعي. والقضية إذاً قضية قدرة على توجيه الدعاية، ومن الواضح أن الرأي العام لا يزال شديد التشرب بالدعاية الشعبوية للسلطة الحالية".

المساهمون