أكد قضاة تونسيون، اليوم الخميس، أنّ القضاء يعيش أسوأ مرحلة من مراحله، حيث تواصل السلطة التنفيذية التدخل في الشأن القضائي، مشددين على أنه لا بد من تطبيق القانون وإعادة القضاة المعفيين إلى عملهم، مشيرين إلى أنّ الشأن السياسي لا يعنيهم بقدر ما تعنيهم استقلالية القضاء.
جاء ذلك في وقفة احتجاجية أمام المحكمة الابتدائية التونسية وسط العاصمة تونس، بمبادرة من جمعية القضاة التونسيين وهيئة الدفاع عن القضاة المعفيين، حيث رفع المحتجون عدة شعارات منها: "نفِّذ القانون وأعد القضاة"، "حريات حريات لا قضاء التعليمات"، و"يا ليلى جفال (وزيرة العدل) دوام الحال من المحال".
وقال رئيس الجمعية التونسية للقضاة، أنس الحمادي، في كلمة له، "إننا اليوم نحيي ذكرى يونيو 1955 الموافق لعيد النصر، والذي يمثل ذكرى تاريخية، حيث عاد الزعيم الحبيب بورقيبة منتصراً على الاستعمار الفرنسي، ويمثل يوم 1 يونيو 1959 تاريخ إنشاء أول دستور تونسي".
واستدرك الحمادي بالقول: "ولكنها أصبحت اليوم ذكرى أليمة بعد مجزرة القضاء التونسي، ففي 1 يونيو 2022 تم إعفاء 57 قاضياً ليصبح تاريخاً أسود بعد ما تعرض له القضاة التونسيون من ظلم، وهو إعفاء دون مساءلة وبعيداً عن الإجراءات النزيهة، ثم تمت فبركة ملفات ضدهم بتقارير أمنية إلى جانب عدم تطبيق أحكام المحكمة الإدارية، التي أنصفتهم وطالبت بعودتهم إلى مواقعهم".
وبيّن أنّ "قرار إعفاء القضاة لا يتعلق بإصلاح القضاء كما تدعي السلطة التنفيذية، لأنه لو كان الأمر كذلك لتم إصلاح القضاء وتحسين عملهم، وتطوير الخدمات القضائية، ولكن لم يحصل أي شيء من الإصلاحات".
ولفت الحمادي إلى أنّ "السلطة هي التي تعيّن، وهي التي تعزل من تشاء خدمة لأجندات سياسية"، مؤكداً أنّ "القضاة ليسوا في خدمة مشروع الرئيس ولا أعداء الرئيس، بل هم مع قضاء عادل ونزيه، ولكن يمكن تقييم الوضع بعد عامين من مسار 25 يوليو 2021 بأنه وضع سيئ وخطير، والشأن القضائي في تراجع"، مضيفاً أنّ كل ما كسبه القضاء تم محوه والإصلاح الوحيد الذي يحصل هو عدم احترام القانون وعدم احترام الإجراءات".
وفي 9 أغسطس/ آب 2022 قررت المحكمة الإدارية وقف تنفيذ قرار عزل 49 قاضياً من أصل 57 قرر الرئيس التونسي قيس سعيّد عزلهم في يونيو/ حزيران 2022 بتهم بينها "تغيير مسار قضايا" و"تعطيل تحقيقات" في ملفات إرهاب وارتكاب "فساد مالي وأخلاقي"، وهو ما ينفي القضاة صحته.
وفي 14 أغسطس 2022، كان أول تعقيب لوزارة العدل على قرار المحكمة بشأن المقالين، أن "القضاة المشمولين بقرار الإعفاء الصادر عن رئيس البلاد قيس سعيّد ما زالوا محل ملاحقات قضائية".
"خروقات غير مسبوقة"
وقال الحمادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخروقات الحاصلة في القضاء غير مسبوقة"، مبيناً أنّ القضاء "ليسوا طرفاً سياسياً وهم دعاة تطبيق القانون"، مشدداً على أنه "لا بد من تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في خصوص إعادة القضاة المعفيين، ولكن رغم طرق كل الأبواب القانونية وتقديمهم بعدة شكايات جزائية ضد وزيرة العدل للأسف لا يوجد تفاعل".
وأكد أنه "لا يمكننا الصمت أكثر في ظل الظلم الكبير الممارس على القضاة المعفيين"، موضحاً أنه "حتى المجلس الأعلى المؤقت، الذي عيّنه الرئيس، أعد حركة قضائية ولكنها لم تفعّل، ووزيرة العدل تتدخل في التعيينات عن طريق المذكرات دون أي سند قانوني، فعندما تعيّن السلطة التنفيذية القضاة فسيكون الولاء للسلطة، وبالتالي من حقنا التساؤل عن المعايير المعتمدة في ذلك".
وقفة لـ"تطبيق القانون"
من جانبه، قال رئيس لجنة الدفاع عن القضاة المعفيين، العياشي الهمامي، في كلمة له، إنّ "المحامين الأحرار هم أيضاً مقصودون بمحاولات السلطة وضع اليد على القضاء ومحاولة الهيمنة عليه"، مشدداً على أنّ "المحاماة بحاجة إلى قضاء مستقل".
وأشار الهمامي إلى أنّ "الوقوف مع القضاة المعفيين واجب، وأن على وزيرة العدل، ليلى جفال، التي ترتكب جريمة عدم تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية وترفض تطبيق القانون، القيام بمراجعات".
وأوضح أنّ "على النيابة العمومية أن تستمع إلى وزيرة العدل كمشتكى بها لكي تجيب على أسباب خرقها القانون"، مشدداً على التمسّك بالدفاع عن القضاة المعفيين و"ضحايا الاستبداد".
وأكد الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها اليوم جمعية القضاة التونسيين تأتي للاحتجاج على مواصلة خرق القانون من قبل وزيرة العدل ورئيس الجمهورية"، مبيّناً أنّ "على وزيرة العدل تطبيق القانون وإعادة القضاة المعفيين لعملهم، وإلا فهي ترتكب جريمة ينص عليها القانون التونسي".
وقال إنّ "القضاء سلطة وليس وظيفة، ونحن نرفض الدستور الحالي الذي ينص على أنه وظيفة، ونرفض محاولات تدجين القضاء".
"تأديب" القضاة
بدوره، قال الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "السلطة التنفيذية تضع يدها على القضاء، ورئيس الجمهورية يؤدب القضاة مباشرة، وهو الذي يراجع الحركة القضائية ويتدخل فيها"، مبيّناً أنّ "صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الحالي لا تمت بصلة للمجالس التي عملت سابقاً".
ولفت إلى أنّ القضاة يقومون بعدة تحركات للتعريف بعدالة مطالبهم، مؤكداً أنّ من حقهم المطالبة باحترام القانون وتنفيذ الأحكام القضائية ودولة القانون.