غياب القانون في الشمال السوري يرسخ الفوضى

غياب القانون في الشمال السوري يرسخ الفوضى

11 مارس 2024
عناصر من "الجيش الوطني"، شمالي سورية، أغسطس 2023 (بكير قاسم/الأناضول)
+ الخط -

أعاد تعرّض شرطي مرور في الشمال السوري الخاضع لفصائل المعارضة، لاعتداء "وحشي" على يد عناصر من الفصائل، الفوضى الأمنية المستشرية في المنطقة إلى الواجهة، بسبب عجز سلطة الأمر الواقع الموجودة عن تطبيق أدنى القوانين التي تحفظ حقوق الناس. وأعلن فصيل "الجبهة الشامية" المنضوي في صفوف "الجيش الوطني" المعارض، أمس الأول السبت، اعتقال أفراد في جهازها الأمني اعتدوا بالضرب على شرطي في مدينة أعزاز، شمالي حلب، بعد أن حاول تطبيق القانون عليهم. ووصفت الجبهة في بيان تصرّف هؤلاء الأفراد بـ"الشنيع"، مشيرة إلى أنها ستسلمهم إلى جهاز الشرطة العسكرية في "الجيش الوطني".

وذكرت مصادر محلية أن الشرطي إسماعيل عتيق تعرّض، السبت، لضرب "وحشي ومبرح" من قبل مجموعة عسكرية، بعدما طلب منها تخفيف سرعة السيارة العسكرية التي تستقلها، على إشارات المرور، عند دوار الساعة، بمدينة أعزاز، معقل المعارضة البارز في ريف حلب الشمالي. وبحسب المصادر، فإن هذه المجموعة تتبع للقيادي في فصيل "عاصفة الشمال"، جهاد عبيد.

وتسبب الحادث في حالة من الاستياء في الشمال السوري إلى الحد الذي اعتبره مفتي المدينة محمود الجابر "وصمة عار"، داعياً إلى معاقبة الفاعلين "ليكونوا عبرة لغيرهم". وأكدت الحادثة أن الاستقرار الأمني في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، ما زال بعيد المنال، في ظل عدم وجود جهات أمنية وعسكرية وقضائية قادرة على تطبيق القوانين في حال وجودها.

الفصائل في الشمال السوري

ويعج الشمال السوري بعشرات الفصائل المختلفة من حيث الرؤية والهدف، وهو ما يعزز النزعات الفصائلية والمناطقية في منطقة تضم ملايين السوريين من مختلف المناطق. وفشلت الحكومة السورية المؤقتة التابعة لـ"الائتلاف الوطني السوري" المعارض في إدارة المناطق الخاضعة للفصائل في الشمال السوري، سواء غربي نهر الفرات أو شرقه، في ظل تحكم "أمراء حرب"، وقادة فصائل محليين في كل مفاصل الحياة.


الفاروق أبو بكر: ما لم تتم معاقبة هكذا مجموعات سنرى حوادث مشابهة

وتعليقاً على حادث الاعتداء على الشرطي في مدينة أعزاز، السبت، اعتبر القيادي في "الجيش الوطني" السوري الفاروق أبو بكر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما جرى "جريمة مؤسفة ومستنكرة ومعيبة بحق الجيش الوطني"، مضيفاً أنه "ما لم تتم معاقبة هكذا مجموعات عند الوقوع في مثل هذه التجاوزات سنرى حوادث مشابهة".

ودعا إلى "إنزال العقوبات بحق مرتكبي مثل هذه الجريمة"، معتبراً أن "عدم حصول ذلك سيعطي المجال لغيرهم من غير المنضبطين للقيام بتجاوزات وجرائم أخرى". كما دعا أبو بكر إلى تجريد المجموعة التي اعتدت على الشرطي من سلاحها و"حرمانها من الانتساب لأي تشكيل عسكري، لأن ما جرى جريمة بشعة، والعقاب سيكون رادعاً لكل من يفكر في أن يتجاوز القانون".

من جهته، رأى الناشط السياسي معتز ناصر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حادثة ضرب الشرطي الأمين في عمله تبدو طبيعية جداً بالنسبة لسياق ريف حلب الشمالي الذي يعاني من ظاهرة فوضى السلطة، والتي تحتها تندرج كل السلوكيات المسيئة وتعتبر طبيعية في سياقها".

وتابع: "هذه الحادثة تظهر أنه حتى في وجود عوامل الحضارة والضبط المادية كإشارات المرور، إلا أن العقلية العصاباتية المنفلتة هي نفسها لم تتغير". وأعرب ناصر عن اعتقاده أن مشكلة ريف حلب الشمالي الخاضع لفصائل المعارضة السورية "ليست في الأدوات والموارد بقدر ما هي في الشخصيات التي صنعت الفوضى، وتحاول تكريسها عبر تسليط الأجنبي على القرار الوطني، وعبر صنع أشباه مؤسسات كرتونية تمارس السلطة قهراً على الضعيف، وتعين الظالم على انتهاكاته".

وضعية الشمال السوري

ويسيطر "الجيش الوطني" السوري على منطقة "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، والتي تضم العديد من المدن والبلدات، أبرزها الباب وجرابلس ومارع. كما ينتشر في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، التي تحتضن العديد من مؤسسات المعارضة السورية، وعلى منطقة "غصن الزيتون" التي تضم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، فضلاً عن كونها تحتضن عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين من العديد من المناطق السورية.


معتز ناصر: العقلية العصاباتية المنفلتة لم تتغير

وشرقي نهر الفرات، يسيطر "الجيش الوطني" المعارض على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً، وهو ما بات يُعرف بـ"منطقة نبع السلام"، ويضم منطقتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين، شمال غربي الحسكة. ولطالما شهدت هذه المناطق احتراباً داخلياً بين الفصائل، وتجاوزات بحق المواطنين الذين لا جهات قانونية أو أمنية تدافع عن حقوقهم وتضع حداً لمجموعات منفلتة تتنافس على النفوذ في مناطق محدودة الموارد.

وكان "الجيش الوطني" السوري قد تأسس بدفع ودعم من الجانب التركي في عام 2017، في محاولة يبدو أنها لم تنجح في تشكيل مرجعية عسكرية واحدة تتحكم في القرار العسكري والأمني في الشمال السوري. وحافظت الفصائل على بنيتها الإدارية والأمنية والعسكرية، ما يعني أن الانضواء في "الجيش الوطني" كان إعلامياً أكثر من كونه اندماجاً كاملاً في هذه المؤسسة التي تتبع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.

ويتألف هذا الجيش من فيالق عدة، كل واحد منها يضمّ العديد من الألوية، أُتبعت بها شرطة عسكرية. وكانت جرت محاولات عدة خلال السنوات السابقة لإعادة هيكلة "الجيش الوطني" وإنشاء مرجعية عسكرية واحدة لفصائل المعارضة السورية، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح، حيث استمرت النزاعات على النفوذ بين الفصائل.

ويحتفظ الجانب التركي بقراري الحرب والسلم في الشمال السوري، إلا أنه لا يتدخل في تفاصيل الخلافات بين الفصائل على الأرض، ولم يسع إلى فرض الأمن أو الحد من فوضى السلاح، على الرغم من كون هذا الشمال منطقة نفوذ بلا منازع للأتراك.

ويكتفي الجيش التركي الذي ينشر آلاف الجنود على امتداد الشمال السوري، بالتدخل فقط عندما تخرج النزاعات عن نطاق محدد، أو حين تهدد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) مناطق سيطرة الفصائل، كما حدث أواخر عام 2022 عندما سيطرت "تحرير الشام" على منطقة عفرين شمال غربي حلب، ما جعل كل المناطق التي تقع تحت سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الشمالي تحت خطر الاجتياح العسكري.

المساهمون