عملية غوش عتصيون تعيد النقاش الإسرائيلي حول قدرات "حماس" بالضفة

10 اغسطس 2019
أدّت عملية غوش عتصيون لمصرع جندي مستوطن(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
أعادت عملية غوش عتصيون، ليل الأربعاء الماضي، التي تمخضت عن مصرع جندي إسرائيلي مستوطن، قرب مستوطنة إفرات، إلى السطح موضوع وجود شبكة مقاومة منظمة تديرها حركة "حماس" في الضفة الغربية، مقابل استمرار العمليات الفردية، على الرغم من أنّ أياً من الجهات الرسمية في إسرائيل لم تبتّ بعد في ما إذا كانت عملية غوش عتصيون من تنفيذ وتدبير خلية محلية مستقلة، أو تبعاً لتعليمات من "حماس"، مع ترجيح أن العملية لم تكن نتاج تخطيط مسبق، مثل عمليات رصد ومراقبة.

ومع ميل الاحتلال الدائم إلى اتهام "حماس" بمحاولة زعزعة الأوضاع "والاستقرار" في الضفة الغربية المحتلة تحت أقدام الاحتلال وتحت أقدام السلطة المحلية، نشرت صحيفة "هآرتس"، أمس الجمعة، معطيات لافتة حول حجم العمليات الفردية في السنوات الأخيرة، مقابل ما يدعيه الاحتلال من خطط لعمليات تمّ إحباطها، كان التخطيط لها بإيعاز من "حماس"، خصوصاً ما يسميه الأمن والإعلام الإسرائيليان "قيادة الضفة الغربية"، التي تنسبها وسائل الإعلام والاحتلال إلى ثلاثة من أسرى صفقة شاليط المحررين ممن تم ترحيلهم إلى قطاع غزة.

وبحسب المعطيات الرسمية التي نشرتها "هآرتس"، يتضح أنّه خلال العام 2019، نُفذت 12 عملية فدائية فردية من دون أي توجيه من فصائل المقاومة، مقابل اعتقال نحو 130 فلسطينياً يتهمهم الاحتلال بأنهم خططوا وسعوا لتنفيذ عليمات فدائية طبقاً لتعليمات من منظمات مختلفة، وبالأساس من حركة "حماس". ووفقاً للمعطيات نفسها، فإنّ هناك تراجعاً في العمليات الفردية وعدد المقاومين الفرديين غير المنتمين لفصيل بعينه، الذين قتلتهم قوت الاحتلال، من 138 أسيراً وشهيداً سقطوا في العام 2015، عام انتفاضة القدس، وما عُرف في الإعلام الإسرائيلي الرسمي أيضاً انتفاضة الأفراد (والتي اندلعت بشكل خاص على خلفية الهجمة الإسرائيلية، بعيد عدوان يوليو/ تموز 2014 على المسجد الأقصى وتكثيف محاولات اقتحام الأقصى وتمرير عملية تقسيم زماني في المسجد الأقصى)، إلى 32 شهيداً في العام 2018 سقطوا أثناء محاولة تنفيذ عمليات فدائية فردية.

ومقابل تراجع النشاط الفدائي الفردي، ترصد معطيات الاحتلال الرسمية ارتفاعاً في عدد الخلايا العسكرية التي توجهها الفصائل. ففي العام الحالي، اعتقلت قوات الاحتلال 130 فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة في عمليات الاقتحام الليلية، بتهمة الإرهاب والانتماء لفصائل المقاومة، أو المشاركة في ما بات يسميه الاحتلال "الإرهاب الشعبي" الذي قد لا يكون أكثر من رشق مركبة جنود بالحجارة. ويُعتبر هذا العدد الأعلى في السنوات الأخيرة، ففي العام 2018 كان عدد النشطاء المعتقلين 90 شخصاً، فيما اعتقل 69 فلسطينياً عام 2017، و124 معتقلاً وأسيراً عام 2016، مقابل 67 معتقلاً في العام 2015.

ومع أنّ المعطيات الإسرائيلية تقف عند العام 2015، إلا أنّ عمليات المداهمة والاعتقال شبه اليومية، بدأت في واقع الحال في صيف 2014. وقد استغل الاحتلال عملية اختطاف وقتل ثلاثة من شبان المستوطنين في غوش عتصيون (كتلة من المستوطنات تقع في قلب المنطقة بين بيت لحم والخليل)، في يونيو/ حزيران من العام 2014، لإطلاق حملة اعتقالات واسعة ضدّ ناشطين وأعضاء في حركة "حماس". وروّج الاحتلال يومها، لفرضية أنّ "حماس" الخارج، وتحديداً تحت قيادة صالح العاروري، الذي كان يقيم آنذاك في تركيا، خططت لعملية واسعة للانقلاب على السلطة الفلسطينية في رام الله، والاستيلاء على السلطة في الضفة الغربية... كما ادعى الاحتلال أنّ "حماس" تخطط لتنفيذ عمليات فدائية داخل الضفة الغربية وضدّ المستوطنات وجنود الاحتلال. وهو ادعاء يتكرر اليوم أيضاً، ولكن تحت صيغة مغايرة تتحدّث إسرائيلياً عن المصلحة المشتركة للسلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال التي تغذي بقاء التنسيق الأمني وعدم وقفه كلياً منذ عقد من الزمن، وفقاً لما قاله أريك باربينغ، المسؤول السابق في جهاز الشاباك الإسرائيلي عن الضفة الغربية والقدس المحتلة، ومسؤول قسم السايبر في جهاز الشاباك.

وتكشف تصريحات باربينغ لـ"هآرتس"، لا سيما قوله إنّ غالبية العمليات الفدائية التي وقعت في السنوات الأخيرة هي عمليات فردية، مصدر تحليلات إسرائيلية نشرتها الصحف العبرية، ومنها "معاريف" و"يديعوت أحرونوت"، زعمت أنّ "حماس" لا تنجح في واقع الحال بتنفيذ استراتيجية إشعال الأراضي المحتلة في الضفة الغربية. إذ إنّ تصريحات باربينغ تبيّن أنّ التحليلات التي نشرتها الصحف، لا تعدو كونها جزءاً من الحرب النفسية للاحتلال ضدّ "حماس" وتنظيماتها، أو ذراعها العسكرية في الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً في ظلّ التعاون الهائل بين أجهزة السلطة الفلسطينية في الضفة وجيش وأذرع الاحتلال الأمنية للكشف عن خلايا أو نشطاء لـ"حماس".

ويقول باربينغ لـ"هآرتس"، إنه في الوقت الذي ينجح فيه الاحتلال في مواجهة العمليات الفردية، (وهو ما يعني عملياً نهج الإعدامات الميدانية للفدائيين الفلسطينيين، حتى بعد إصابتهم بنيران الاحتلال)، تبقى أمام دولة الاحتلال مسألة العمليات المنظّمة، أو ما يسميه بالتهديد التقليدي والقديم. ويضيف أنّ إسرائيل تواجه هذا النوع من التهديد بمنهجية ومثابرة وبتعاون مع السلطة الفلسطينية: "إذ يوجد هنا تقاطع مصالح خفي، يدور على مر سنوات طويلة بيننا وبين السلطة الفلسطينية، وهو يعمل بشكل ممتاز"، ثم يتابع: "إذ إن الجهد الذي تقوم به حماس غزة في القدس والضفة الغربية ينتهي بشكل عام تقريباً من دون أي عمليات".

ومن اللافت في هذا السياق، أن ما يقوله باربينغ بشأن نشاط محرري صفقة شاليط من الضفة الغربية المبعدين إلى قطاع غزة، هو ما كررته مواقع أخرى مثل "معاريف" و"يديعوت أحرونوت".

وكان لافتاً أنّ "يديعوت أحرونوت" لم تقف عند الحديث بشكل عام، بل حددت أربعة أسماء لقياديين وأسرى فلسطينيين، يعتبرهم الاحتلال مسؤولين عن كل "قيادة الضفة الغربية" في حركة "حماس". وعلى رأس هؤلاء يقف القيادي الحمساوي المبعد صالح العاروري الذي يعيش اليوم في لبنان، ثمّ ثلاثة من أسرى الضفة الغربية، وهم بحسب الصحيفة: عبد الرحمن غنيمات، وهو من محرري صفقة شاليط وأبعد عن الضفة الغربية، وتوليه "حماس" المسؤولية عن منطقة الخليل وبيت لحم. والثاني هو الأسير المحرر أيضاً، عبد الله عرار، المسؤول عن شرقي القدس ومنطقة رام الله. والثالث هو فرسان خليفة المسؤول عن منطقة شمالي الضفة الغربية ووسطها، وتشمل مدن جنين وطولكرم ونابلس وقلقيلية.

وفي الوقت الذي أبرزت فيه الصحف الإسرائيلية مثل هذه المعطيات، إلا أنها رددت عملياً المقولة التي تفيد بأنّ "حماس" لم تنجح على الرغم من كل مساعيها في تحقيق هدفها بتنفيذ عمليات عسكرية داخل الضفة الغربية وفي المستوطنات، وأنها تواجه صعوبات في تجنيد أنصار ومجندين جدد.

مع ذلك، يستدلّ من المعطيات الإسرائيلية، وبينها الحديث عن إحباط 300 عملية بحسب الزعم الإسرائيلي، أنّ البنية التحتية والشعبية لـ"حماس" في مدن الضفة الغربية، خلافاً للزعم الإسرائيلي، في تجدد متواصل، بدليل حملات الاعتقال الليلية، والتي تعلن إسرائيل عنها يومياً، مع إشارات مستمرة إلى دور التنسيق الأمني (وهو المسمى الرسمي للتعاون بين أجهزة السلطة الفلسطينية وبين قوات الاحتلال) في تنفيذ عمليات الاعتقال، سواء عبر توفير المعلومات المختلفة، أو مرور قوات الجيش ودخولها، ليس فقط إلى المناطق "سي"، بل أيضاً للمدن الرئيسية التابعة أمنياً ومدنياً للسلطة الفلسطينية، لتنفيذ هذه الاعتقالات من دون أي معارضة أو مواجهة تذكر.

ويمكن الاستدلال من هذه الضجة الإسرائيلية في العودة للنفخ في مسألة سعي "حماس" إلى تشكيل خلايا عسكرية والتخطيط لعمليات فدائية، بأنّ هناك قلقاً من الأوضاع الداخلية في الضفة الغربية وحالة الاحتقان والغضب الشعبيين، سواء ضدّ الاحتلال أو ضدّ السلطة الفلسطينية وسياستها، وكذلك بوجود قلق إسرائيلي حقيقي من أن تنفلت الأمور في الضفة، وتفقد حتى السلطة الفلسطينية، على الرغم من أنها لم توقف التنسيق العسكري، السيطرة على زمام الأمور، بما يهدد بحالة فوضى عارمة في الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً في حال حدوث مكروه للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ودخول الضفة حرب وراثة على الحكم.

المساهمون