عام من حرب السودان: انقسامات سياسية وتنصل من المسؤوليات

عام من حرب السودان: انقسامات سياسية وتنصل من المسؤوليات

15 ابريل 2024
حرّكت النيابة إجراءات ضد قيادات "تقدم" بقيادة حمدوك (أشرف الشاذلي/فرانسبرس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- السودان يشهد انقساماً سياسياً حاداً بين الأحزاب والتيارات السياسية، مع استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، مما أعاق جهود الوساطة لوقف القتال.
- تحالف "تقدم"، الذي يضم قوى سياسية تسعى للحياد وإنهاء الحرب، ينشط في تقديم مقترحات للسلام والتواصل مع المجتمع الدولي والإقليمي، لكنه يواجه تحديات في إقناع الجيش بالتفاوض.
- جهود "تقدم" لإنهاء الصراع تصطدم باتهامات بالتحالف مع قوات الدعم السريع والخيانة، مما يعقد مساعيها ويجعلها موضع جدل بين الناشطين والأحزاب الأخرى، مما يساهم في تعميق الأزمة.

لم تكن القوى السياسية السودانية بمنأى عن تداعيات الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع طيلة عام كامل، منذ 15 إبريل/نيسان 2023، إذ عمّقت الحرب حالة الانقسام الحاد بينها، ما انعكس عجزاً في إمكانية أدائها أي دور فاعل لدفع طرفي الحرب إلى وقف الحرب أو حتى الجلوس حول طاولة المفاوضات. رغم ذلك، فإن تقييمات بعض القوى تذهب في اتجاه آخر، متحدثة عن جهود تبذل من أجل هذا الهدف، ومتنصلةً من مسؤوليتها عمّا آلت إليه الأوضاع.

اصطفافات في حرب السودان

واصطفت طوال 12 شهراً، العديد من الأحزاب والتيارات السياسية في السودان، بما فيها حزب المؤتمر الوطني المحلول منذ العام 2019، إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، ووصل الأمر ببعضها إلى تعبئة قواعدها للقتال مع الجيش، عدا دعمها السياسي والإعلامي له. كما ضمّت القائمة حركات مسلحة (مثل حركات دارفور) وقّعت على اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية في العام 2020 شاركت على ضوئه في حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، واحتفظت بمواقعها حتى بعد الإطاحة بحكومة حمدوك عقب انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، المدعوم من "الدعم السريع"، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، خصوصاً وأنها أيدت وشاركت في التخطيط للانقلاب.

في المقابل، تمسكت قوى سياسية أخرى، على رأسها أحزاب تحالف قوى الحرية والتغيير، بمبدأ عدم الانحياز والوقوف كلياً ضد الحرب، وازدادت تمسكاً بذلك عقب تشكيلها تحالفاً جديداً بمشاركة نقابات وأجسام مهنية ومنظمات مجتمع مدني تحت لافتة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، تزعمه حمدوك نفسه. ونشطت "تقدم" أكثر من غيرها في تقديم مقترحات لإنهاء الحرب والتواصل مع المجتمع الدولي والإقليمي للغرض نفسه.

نشط تحالف تقدم أكثر من غيره في تقديم مقترحات لإنهاء الحرب والتواصل مع المجتمع الدولي والاقليمي للغرض نفسه

وذهبت "تقدم" أبعد من ذلك بالتواصل مع أطراف الصراع، الجيش وقوات الدعم السريع، ودعوتهما لعقد اجتماعات مباشرة للاتفاق على خريطة طريق نقطتها النهائية التوصل إلى اتفاقات عسكرية تنهي الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين وحمايتهم، ومن ثم الانخراط في عملية سياسية تستكمل خطوات التحول الديمقراطي الذي دشنته ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018. وبالفعل عقدت التنسيقية اجتماعات مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) تُوجت بالتوقيع على إعلان سياسي في مطلع العام الحالي (إعلان أديس أبابا – يناير/كانون الثاني 2024) يشدد على إنهاء الحرب وتسهيل الإغاثة وفتح ممرات آمنة وغيرها من البنود، على أمل لدى تلك القوى بتحويل الاتفاق إلى اتفاق سياسي متفاوض حوله يضم كذلك الجيش.

لكن قيادة الجيش لم تعط حتى اللحظة الضوء الأخضر الواضح لـ"تقدم" للجلوس معها. ولم ترض مواقف التنسيقية، أنصار الجيش، الذين اتهموها بالتحالف مع قوات الدعم السريع وبالخيانة وغضّ الطرف عن انتهاكات "الدعم"، فيما ذهبت سلطات النيابة أخيراً نحو تحريك إجراءات قانونية ضد قيادات "تقدم"، بمن فيهم عبد الله حمدوك، واتهامهم بالمشاركة في تقويض النظام الدستوري وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والابادة الجماعية، وهي الجرائم نفسها التي اتهمت من صنفتها بـ"مليشيا الدعم السريع". وبعيداً عن تلك الاتهامات، تلقي أحزاب وناشطون ولجان مقاومة باللائمة على تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية بالفشل في اختبار الحرب والعجز عن ممارسة الضغط على طرفي الصراع العسكري، وتحول قوى التنسيقية إلى جزء من الأزمة وليس جزءاً من الحل.

لم ترض مواقف تقدم أنصار الجيش واتهموها بالخيانة

لكن عضو الهيئة القيادية لـ"تقدم"، بابكر فيصل، يقول لـ"العربي الجديد"، إن كل يوم مرّ على الحرب يؤكد أن "تقدم" اتخذت الموقف الصحيح طوال عام، برفعها شعار "لا للحرب" مقابل شعارات دعاة الحرب الذين ظنوا أن الحرب سوف تنتهي في ساعات أو أيام أو أسابيع أو أشهر معدودة ليستيقظوا، في 15 إبريل الحالي، ويجدوا أنها أكملت عاماً كاملاً، تحت ركام الدمار والتخريب والموت ومآسي الانتهاكات بحق المدنيين، ولو استمرت لعام إضافي فسوف تتضاعف تلك الآلام. وبرأي فيصل، فإن أي طرف لن يحقق نصراً، وأن هناك طرفا ثالثا هو حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وهما مستعدان لفعل أي شيء لاستمرار الحرب.

وينفي القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، ما يثار من اتهامات لهم بالتحالف مع  "الدعم السريع"، متهماً المؤتمر الوطني، عبر ماكينة إعلامية، "ببثّ تلك الاتهامات التي أرادت الربط بين التنسيقية و"قوات الدعم"، بينما الحقائق تشير إلى أنه في كل مرة تدين "تقدم" ممارسات وانتهاكات "الدعم" أثناء الحرب تماماً كما تدين أي انتهاك من كل الأطراف، وهذا ما تؤكده تصريحاتنا ومؤتمراتنا الصحافية وبياناتنا". ويرى أن الغرض الحقيقي من ذلك "هو ابتزازنا للانحياز إلى طرف، وهو أمر لن يؤدي لنتيجة سوى إطالة أمد الحرب".

لا إجماع على رؤية "تقدم"

وحول فشل القوى السياسية في الضغط على الطرفين، يعتبر بابكر فيصل، أنه وفي ظل الحرب، يصير صوت المدنيين أخفت من صوت المدافع والطيران وزخات الرصاص، مبيناً أنهم استخدموا أدوات ضغط مدنية عبر تبصير الشعب بمخاطر الحرب، والعمل السياسي والدبلوماسي بالتواصل مع الجهات الإقليمية والدولية، وقاموا بذلك الدور منذ اليوم الأول من الحرب. ويضيف: كنا الجهة الوحيدة التي تقدم المبادرات وخرائط طريق للحل والتواصل مع الطرفين، ودعم المبادرات المطروحة، متعهداً بمواصلة "تقدم" للنهج نفسه خلال العام الثاني من الحرب، ووضع الأولويات المتمثلة في حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وفتح الممرات الآمنة. ويشير إلى أن التنسيقية، وفي رؤيتها الأخيرة التي أجازتها في آخر اجتماعاتها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ستعمل على توسيع تحالفها لبناء أوسع جبهة مدنية لوقف الحرب.

حركات مسلّحة عدة أعلنت انحيازها للجيش

والإعلان الموقع بالعاصمة الإثيوبية، بين قوات الدعم السريع و"تقدم"، نصّ على التزام "الدعم السريع" بوقف الاعتداءات بشكل فوري وغير مشروط عبر التفاوض ﻣﻊ اﻟجيش، على أن تلتزم "ﺗﻘﺪم" بالتواصل مع الجيش للوصول معه ﻟﻼﻟﺘﺰام ﺑاﻹﺟﺮاءات نفسها. كما أكد الطرفان في الإعلان، أن الهدف منه هو التوصل إلى اتفاق على إنهاء الحرب ووﻗﻒ الاعتداءات وحماية المدنيين، ﻣﻠﺰم ﻟﻠﻄﺮﻓﯿﻦ ﺑﺮﻗﺎﺑﺔ وطﻨﯿﺔ وإﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ودوﻟﯿﺔ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻋﻠﻰ اﻷرض.

أما القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق، فيؤكد على عدم توقف مسيرة القوى السياسية نحو إنهاء الحرب بكل جهودها السياسية والدبلوماسية. وبينما يقرّ بعدم وجود تأثير لتلك الجهود حتى الآن لجهة وقف الأعمال القتالية، لكنه يرى أن القوى السياسية هي التي فتحت نافذة وحيدة من شأنها أن تنهي الحرب.

ويؤكد الصادق ثقته بذلك "لأن منبر جدة (محادثات بين الجيش والدعم السريع في السعودية بتسهيل من المملكة والولايات المتحدة) ما كان لينشأ، لولا تواصل القوى السياسية مع المملكة العربية السعودية، وهي التي أتاحت الفرصة وهيّأت المناخ للتفاوض"، مبيناً أن "من يتهم هذه القوى السياسية بالفشل، ربما لم يدرك حجم مساعيها بعد".

توجه اتهامات إلى تحالف الحرية والتغيير بتبني وجهة نظر الدعم السريع التي تقول إن الحرب أشعلتها فلول المؤتمر الوطني

ويتوقف القيادي في حزب الأمة القومي، عند الدور الذي أدته القوى السياسية في ثني العديد من القبائل عن الانخراط في القتال، مبيناً أنهم يواصلون الضغوط على الصعيد الداخلي والخارجي ويسعون إلى تنظيم مؤتمرات دولية لإغاثة المتضررين، نافياً كل الاتهامات بموالاة الجيش أو "الدعم السريع". ويوضح الصادق أن المطلوب أولاً بالنسبة لهم هو انجلاء الحرب والتحقيق في حيثياتها والمتسببين فيها. ويضيف: "إذا ثبت تواطؤنا مع قوات الدعم لإشعال الحرب، نقدَّم لمحاكمة رمياً بالرصاص، وإذا تواطأنا مع القوات المسلحة، نحاكم بما يراه الناس، نحن نثق أن كل الاتهامات تتم بدعاية حربية"، بحسب تعبيره.

غير أن الناشط السياسي وأحد أيقونات الثورة السودانية، جعفر خضر، ينتقد في حديث مع "العربي الجديد"، بشدة ضعف أداء كل القوى السياسية خلال العام الأول من الحرب، لاسيما الكتلة الحزبية الأكبر، المتمثلة في تحالف الحرية والتغيير لأنها، بحسب تقديره، تبنت من الوهلة الأولى للحرب وجهة نظر مليشيا الدعم السريع التي تقول إن الحرب أشعلتها فلول المؤتمر الوطني بهجومهم على المدينة الرياضية، وترافق ذلك مع اتجاه صنعته المنظمات الدولية ووسائل الإعلام التي تساوي بين طرفي الحرب، الجيش من ناحية ومليشيا الدعم السريع من الناحية الأخرى، وفق تعبيره.

وبرأي خضر، فإن هذا الوضع قاد إلى إرباك المشهد، وإضعاف إمكانية التعرف إلى طبيعة الحرب التي هي في حقيقتها حرب بين "مليشيا الجنجويد" (نواة الدعم السريع وقوامها الأساسي من القبائل العربية في دارفور) ضد الشعب السوداني بأكمله. ويقدّم دليلاً، برأيه، على ذلك، أن المليشيا استهدفت المساليت (مجموعة عرقية ومن كبرى القبائل السودانية في دارفور خصوصاً، ومتحدرة من أصول أفريقية) في الجنينة (عاصمة ولاية غرب دارفور)، وارتكبت جريمة الإبادة الجماعية وقتلت منهم 15 ألفا على الأقل، وهم ليسوا فلولاً أو جيشاً. كما أن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي استهدفت بها مليشيا الدعم السريع المواطنين في الخرطوم وكردفان ودارفور، وفق اعتباره، والذي يظهر جلياً الآن في ولاية الجزيرة، نهباً واغتصاباً وقتلاً، يدلّل على ذلك بما لا يدعم مجالاً للشك بأن المستهدف هو الشعب السوداني، على حد قوله.

ويشدد الناشط السوداني على أن البروباغاندا (الدعاية) الإعلامية أضعفت من قدرة الأحزاب السياسية على التعامل مع المشهد، كما يتحدث عمّا سماه دور المنظمات الغربية في صناعة الأحداث، من خلال تمويلها للأنشطة الحزبية التي تنسجم مع أجندتها، ما أدى، إلى تضليل قطاعات من الشعب وإرباك الأحزاب السياسية.

ويلفت خضر إلى أنه حتى الأحزاب الأخرى خارج مظلة "تقدم"، لم تستطع أن تعرف الحرب بصورة صحيحة، وتصنع كتلة أخرى تدفع بالبلاد إلى مخرج يليق بها. وما يؤكد على الضعف الحزبي، وفق رأيه، هو أن مصدر المعلومات الآن حول ما يحدث في بقاع الحرب المختلفة، هي بيانات لجان المقاومة، وقد تلاشى صوت الأحزاب في الولايات. ويتوقع، في ختام حديثه، مراجعة وتقييم كل الأحزاب لأدائها في العام الماضي، و"العمل على تحسينه وصناعة كتلة جديدة يكون أهم أهدافها إنهاء الحرب وحلّ مليشيا الدعم السريع وإصلاح المؤسسة العسكرية".

من جهته، يشرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، منزول عسل، واقع القوى السياسية، قائلاً إنها كانت أصلاً منقسمة قبل الحرب ومن الطبيعي ألا تفعل شيئاً أثناء الحرب أو أن يكون لديها أي تأثير على طرفي القتال، وعلى الحرب، بصورة إيجابية لوقفها. ويشير عسل، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أنه وبعد عام من الحرب بقي الوضع سيئاً جداً ويذهب للأسوأ لأنه ليست هناك مؤشرات لتوقف الحرب، خصوصاً أن كل قيادات الجيش تذهب في اتجاه الحسم العسكري. وبرأيه، فإن هذا التوجه لن يقود إلا إلى مزيد من الدمار.

وينوه عسل إلى أن التاريخ السياسي للسودان لم ترصد فيه نهاية لحرب بين القوات المسلحة وحركة، عبر الحسم العسكري، ولن تكون الحرب هذه استثناء. ويعرب عن خشيته من تعقّد المشهد أمام الأحزاب السياسية التي تخطط لوقف الحرب، وأنه في حال لم يتم الوصول إلى اتفاق سلام، ستتكرر سيناريوهات العراق وسورية واليمن وليبيا.

المساهمون