بين قلق يساورها في انتظار ما يهدد مصيرها ومصير أبنائها، وترقب بشأن ما سيفضي إليه قرار بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس بهدم مساكنها في بلدة الطور إلى الشرق من البلدة القديمة من القدس، تؤكد عشر عائلات مقدسية رفضها لقرار المحكمة الإسرائيلية التي أمهلتها حتى نهاية اليوم الثلاثاء، لإيداع مبلغ 200 ألف شيكل بالعملة الإسرائيلية (الدولار= 3.2 شواكل) في صندوق المحكمة الاحتلالية.
وفي حال إيداع المبلغ، تقرر المحكمة الإسرائيلية حينها بصورة نهائية مصير أكثر من 80 شخصا تتشكل منهم تلك العائلات التي تقطن بناية مكونة من خمسة طوابق في كل طابق شقتان تقطنهما عائلتان.
قرار الهدم، الذي يستهدف هذه البناية، والتي رفضت بلدية الاحتلال في القدس ترخيصها على مدى السنوات العشر الماضية، يأتي ضمن مخطط مصادرة 45 دونماً من أراضي بلدة الطور لصالح استكمال تنفيذ ما يسمى بـ"الشارع الأميركي"، الذي شرع الاحتلال الإسرائيلي بشقه في المدينة المقدسة في العام 2018، في إطار مخطط "الطوق الشرقي".
ويعد "مخطط الطوق" أكبر مشروع استيطاني يهدف لربط المستوطنات الإسرائيلية الواقعة شمال وجنوب وشرق القدس المقامة على أراضي الفلسطينيين ببعضها البعض، من مستوطنة جبل أبو غنيم جنوب القدس إلى مستوطنة معاليه أدوميم شرق المدينة.
قرار جائر
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، قالت ميسر أبو الحلاوة، من أصحاب تلك البنايات، إن "العائلات العشر تلقت إخطاراً من المحكمة يبلغها بإيداع المبلغ المذكور في صندوقها حتى اليوم، وفي حال لم تفعل ذلك فستصدر قرارها بتنفيذ عملية الهدم وتدفيعها مبلغ مليوني شيكل كغرامة ورسوم عملية الهدم فيما لو نفذتها البلدية".
أبو الحلاوة، التي لم تخف قلقها على مصير عائلتها، أكدت رفض العائلات التعاطي مع قرار المحكمة الإسرائيلية، والذي وصفته بـ"الجائر"، مشيرة إلى أن العائلات المقيمة في البناية حاولت دون جدوى الحصول على ترخيص للبناية، بيد أن بلدية الاحتلال في القدس كانت ترفض دوماً.
"هذا ظلم لا يرضى به لا الله ولا عباده، من بيوتنا ما رح نطلع وخليهم يهدموها على رؤوسنا"، هذا ما أكدته أبو الحلاوة، بيد أن ما تبديه عائلة أبو الحلاوة من إصرار على البقاء في مسكنها لم يمنعها من التهيؤ لوضع تنتزع منه بالقوة، ويدمر الاحتلال محتوياته من الأثاث وغيره، بعد انتقالها إليه قبل عدة سنوات، حيث كانت من أولى العائلات التي أقامت في البناية واستقرت بها. وفي المسكن المهدد بالهدم ذكريات كل عائلة تقيم فيه، حيث بنت آمالها وأحلامها على الإقامة الدائمة.
قرار الهدم هذه المرة لم تصدره بلدية الاحتلال في القدس كما جرت العادة، لكنه صدر عن وزارة الداخلية الإسرائيلية التي تتشارك مع بلدية الاحتلال في تنفيذ عمليات هدم منازل المقدسيين.
تحطيم الذكريات والأحلام
ويقول قاطنو البناية إن "داخلية الاحتلال كانت فرضت في السنوات العشر الماضية غرامات ومخالفات مالية بقيمة 75 ألف شيكل، إضافة إلى ضريبة أملاك بقيمة 82 ألف شيكل فرضت على كل عائلة".
بالنسبة لرانية الغوج، التي تقيم في البناية مع أفراد عائلتها البالغ عددهم 10 أفراد، نصفهم تقريباً من الأطفال، فإن الحصول على مسكن في القدس ليس بالأمر الهيّن، بل إنه من المستحيلات.
وتقول الغوج، لـ"لعربي الجديد": "لقد استنزفنا الحصول على بيت أكثر من عشرين سنة، ووضعنا فيه كل مدخراتنا، واليوم وبجرة قلم يريد الاحتلال هدمه وتشريدنا، وهدم ذكرياتنا".
لقد تشاركت عائلتا أبو الحلاوة والغوج المأساة والمصير الواحد، ومعهما سائر العائلات، خاصة أبناء تلك العائلات التي كانت تنتظر مواليد جددا ينضمون لأسرها، أو أولئك الذين أتموا أخيراً تجهيز مساكنهم ليقطنها أبناؤهم وقد شارفوا على الزواج، مثل الشاب حسام بدر الذي كان يتهيأ مطلع العام المقبل، أي بعد نحو شهرين، للانتقال إلى بيت الزوجية مع عروسه.
ويقول حسام بدر، لـ"العربي الجديد": "حطموا آمالنا، ودمروا أحلامنا، كنت على وشك تجهيز الشقة وتحضيرها ليوم زفافي، الآن كل شيء انتهى، قضوا على كل شيء".
المشهد في مجمله للعائلات العشر يكاد يكون واحداً، تجمعهم المأساة الواحدة والشعور الكبير بالفقد، ولكل من هذه العائلات حكاية تروى، بعضها بدأ قبل اكتمال المسكن والإقامة فيه، والبعض الآخر في هذه الأيام، حيث كل عائلة تتهيأ لتلك اللحظة على طريقتها، بعضها بدأ يلملم أغراض بيته، وبعضها لا يزال ينتظر حتى اللحظة الأخيرة طمعاً وأملاً في ألا يحدث الهدم والتشريد، حتى مع استمرار الاحتلال في شق الشارع الأميركي الذي جلب لعائلات وبلدات بأكملها مصائب لا تعد ولا تحصى.
صعوبات للفلسطينيين وتسهيلات للمستوطنين
وفي شأن "الشارع الأميركي"، يقول خبير الاستيطان خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "إن هذا الشارع يمر على امتداد أحياء الصلعة، وجعابيص، وبشير، وشقيرات، والقنبر، وحي المدارس، وأم ليسون، وصور باهر، وجبل المكبر، بالإضافة إلى مناطق شرق القدس، مثل أبو ديس والسواحرة الشرقية والشيخ سعد".
ووفق تفكجي، فقد كانت سلطات الاحتلال صادرت نحو 1200 دونم من أراضي المقدسيين في تلك المناطق التي اخترقها، وأدى تنفيذه حتى الآن إلى إلغاء كافة الشوارع التي تربط الأحياء الفلسطينية ببعضها لتصبح معزولة، وأوجد صعوبات جمة في حركة تنقل المقدسيين ووصولهم إلى مراكز الخدمات المختلفة، سواء التعليمية أو الصحية، بالإضافة إلى عزله لمساحات من الأراضي الزراعية وحرمان أصحابها من الاستفادة منها.
كما سيؤدي "الشارع الأميركي"، وفق تفكجي، إلى تمزيق أراضي قرى صور باهر، وأم ليسون، وجبل المكبر خاصة، ويحد من تطورها العمراني وتوسعها السكاني، لتتحول كل قرية منها إلى وحدات اجتماعية مستقلة، بينما سيقيم الاحتلال على أطراف الشارع مداخل ومخارج للقرى الفلسطينية التي يمر منها، بحيث يمكن السيطرة والتحكم في حركة الأهالي دخولاً وخروجاً.
إلا أن إقامة الشارع ستسهل تحركات وتنقلات المستوطنين وقوات جيش الاحتلال في محيط القدس المحتلة وباقي مناطق الضفة الغربية، بحيث يحتاج الوصول بين التجمع الاستيطاني (كفار عتصيون) المقام على أراضي الفلسطينيين في الجنوب، إلى التجمع الاستيطاني "معاليه أدوميم" المقام على أراضي الفلسطينيين شرق القدس، إلى 20 دقيقة فقط، بعدما كان ذلك يستغرق أكثر من ساعة.