زيارة الأسد إلى الإمارات... تبريرات ورسائل وغضب أميركي

زيارة الأسد إلى الإمارات... تبريرات ورسائل وغضب أميركي

20 مارس 2022
خلال لقاء بشار الأسد ومحمد بن راشد في دبي (وام)
+ الخط -

تحمل زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، أول من أمس الجمعة، في خطوة هي الأولى له منذ اندلاع الثورة قبل 11 عاماً، رسائل في أكثر من اتجاه، إنْ لناحية التوقيت أو لجهة الأطراف المعنية بها.

وجاءت مسارعة واشنطن إلى التنديد بالزيارة وانتقاد محاولات التطبيع مع الأسد، لتعكس مجدداً غياب نقاط تلاقٍ إماراتية - أميركية في هذا الملف ضمن عدد آخر من القضايا. في موازاة ذلك، تتجه الأنظار لمعرفة ما إذا كانت الفترة المقبلة ستحمل زيارات إضافية للأسد إلى دول عربية أخرى.

والتقى الأسد، أول من أمس، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، ونائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، وفق وكالة أنباء الإمارات "وام"، التي أشارت إلى أن الزيارة تأتي في إطار "الحرص المشترك على مواصلة التشاور والتنسيق بين البلدين حول مختلف القضايا".

وتأتي زيارة الأسد للإمارات بعد أشهر قليلة من زيارة وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان لدمشق.

واشنطن: الزيارة محاولة مكشوفة لإضفاء الشرعية على الأسد

تبرير إماراتي لاستقبال بشار الأسد وغضب أميركي

وبرر مستشار الشؤون الدبلوماسية لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، في تغريدة على "تويتر" أمس السبت، الزيارة بالقول إنها "تنطلق من توجّه الإمارات الرامي إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري، كما تأتي من قناعة إماراتية بضرورة التواصل السياسي والانفتاح والحوار على مستوى الإقليم".

ولفت إلى أن "المرحلة تحتاج خطوات شجاعة لترسيخ الاستقرار والازدهار وضمان مستقبل المنطقة ورفاه شعوبها".

وأشار قرقاش إلى أن "الإمارات مستمرة في انتهاج سياسة واقعية تجاه خفض التوترات وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة، إذ إن الظروف الإقليمية المعقدة تستوجب تبنّي منهج عملي ومنطقي لا يقبل تهميش الجهود العربية الساعية لمواجهة التحديات وتجنب شرور الأزمات والفتن".

وفي أول تعليق لها، اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية، ليل الجمعة السبت، الزيارة بأنها "محاولة مكشوفة لإضفاء الشرعية" على الأسد، وفق المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي قال إن الأسد مسؤول عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين وتشريد أكثر من نصف السكان، والاعتقال التعسفي واختفاء أكثر من 150 ألف سوري من الرجال والنساء والأطفال".

وأكد برايس أن بلاده "لا تدعم جهود إعادة تأهيل الأسد. ولا نؤيد قيام الآخرين بتطبيع العلاقات معه، وكنا واضحين في هذا الشأن مع شركائنا".

من جهته، وصف "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، في بيان، بشار الأسد بـ"مجرم حرب"، مشيراً إلى أن الزيارة تُعد "سابقة خطيرة وخروجاً عن قرارات الجامعة العربية، وخرقاً للعقوبات الدولية، ومكافأة له على جرائمه، واستخفافاً بدماء مليون شهيد سوري".

وطالب الائتلاف الإمارات بـ"تصحيح موقفها والالتزام بالموقف العربي والدولي العام، في عزل هذا النظام المجرم، وعدم التطبيع معه أو الانجرار إلى إعادة تدويره".

يحيى العريضي: المنظومة الأسدية تُستَخدَم أداة بيد الدول

وفيما تزامنت الزيارة مع احتفال السوريين بالذكرى الـ11 لانطلاق ثورتهم ضد هذا النظام، رأى المتحدث باسم هيئة التفاوض المعارضة، يحيى العريضي، أن الخطوة الإماراتية "لن تعيد تدوير أو تكرير منظومة استبدادية ارتكبت جرائم حرب بحق شعبها".

وأشار إلى أن روسيا "تلحظ فتوراً في العلاقات بين الولايات المتحدة وبعض دول الخليج العربي، لذا تستخدم المنظومة الأسدية الاستبدادية ورقة ضغط على واشنطن التي تضغط على موسكو في أوكرانيا".

وتابع "كما استُخدِمت المنظومة الاستبدادية الأسدية من قبل الإمارات، للضغط على الولايات المتحدة بسبب التراخي الأميركي حيال الملف النووي الإيراني. وهذا كله يعكس رخص المنظومة الأسدية حيث تُستَخدَم أداة بيد الدول".

زيارة الأسد إلى الإمارات فاتحة لزيارات لدول عربية أخرى؟

ويخشى مراقبون من أن تكون هذه الزيارة فاتحة لزيارات يمكن أن يقوم بها الأسد إلى دول عربية أخرى، مثل سلطنة عمان والجزائر التي تدفع باتجاه إعادة هذا النظام إلى الجامعة العربية التي كانت جمّدت عضويته أواخر عام 2011، بسبب استخفافه بالجهود العربية التي بُذلت في حينه لتطويق الأزمة السورية.

من جهته، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن زيارة بشار الأسد إلى الإمارات "كانت مفاجئة لجهة التوقيت"، مضيفاً أن "الإمارات استغلت اهتمام العالم بالأزمة في أوكرانيا وسمحت بالزيارة، ولذلك انتقدتها أميركا على الفور".

وتابع "يجب على واشنطن فرض عقوبات على الإمارات كي لا تسمح بتكرار هذه الزيارات، وتمنع التطبيع مع الأسد بأي شكل من الأشكال، فهو مجرم يجب محاسبته لا تكريمه".

وعبر زيادة عن اعتقاده بأن هذه الزيارة "يمكن أن تكون فاتحة لزيارات مماثلة إلى دول عربية أخرى، لذلك يجب إدانتها بشكل مبكر ومنع الأسد من الحصول على عوائد الدمار والخراب الذي ألحقه ببلاده".

واستبعد زيادة موافقة الرياض أو القاهرة على زيارة للأسد إليهما "لأن التكلفة السياسية عالية والإمارات قررت دفعها، فضلاً عن أنه ليست هناك عوائد من هكذا خطوة".

وزار العاصمة السورية دمشق خلال سنوات الثورة، القليل من المسؤولين العرب، لعل أبرزهم الرئيس السوداني عمر البشير أواخر عام 2018 قبل اندلاع الثورة وعزله. كما زار دمشق أكثر من مرة يوسف بن علوي، وزير الشؤون الخارجية السابق في سلطنة عمان التي لم تقطع علاقاتها مع النظام كما فعلت باقي الدول الخليجية.

كذلك زار العاصمة السورية مطلع العام الحالي وزير الخارجية العماني الحالي، بدر بن حمد البوسعيدي، إضافة إلى زيارة لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد أواخر العام الفائت.

محمد سالم: زيارة الأسد تأتي استمراراً للسياسة التي تنتهجها الإمارات في التطبيع معه

إلى ذلك، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري"، الباحث محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن زيارة الأسد "تأتي استمراراً للسياسة التي تنتهجها الإمارات في التطبيع معه"، مضيفاً "من ناحية التوقيت يبدو أن الأمر مرتبط بتفاعلات الحرب الروسية في أوكرانيا والمواقف الدولية منها".

وتابع "تقف الإمارات موقفاً محايداً مراعيةً الثقل الروسي، وترفض مع السعودية طلبات الولايات المتحدة لزيادة إنتاج النفط بهدف تعويض النفط الروسي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعاره بشكل غير مسبوق بسبب العقوبات على روسيا والنفط الروسي".

وأعرب سالم عن اعتقاده بأن الزيارة "تلبي رغبة إماراتية خاصة"، مضيفاً أنها "رسالة إيجابية من الإمارات إلى روسيا التي تملأ الفراغ الأميركي في الشرق الأوسط، وتتناسب سياساتها المتشددة مع الربيع العربي بشكل أكبر مع النهج الإماراتي".

كما رأى سالم أن الزيارة "محاولة لإضفاء الشرعية على نظام الأسد، ومناكفة وبالون اختبار لردود الفعل الأميركية بعد التوعد الأميركي بمحاسبة نظام الأسد".

وتابع "يبدو أن الإمارات تريد نيل الرضا الروسي في ظل ضعف إدارة الرئيس جو بايدن وحاجتها للإمارات في موضوع النفط". ولفت إلى أن "الدور الإماراتي يكمن في شرعنة نظام الأسد وفق الرؤية الروسية، مقابل إبعاده عن إيران وفق الرؤية الإسرائيلية".