رئيس البيرو يستنجد بـ"الدول الأميركية": محاولة لإنقاذه من الأزمات

22 أكتوبر 2022
تظاهرة منددة بكاستيو في ليما، 16 أكتوبر (كليبهير فاسكيز/الأناضول)
+ الخط -

منذ يوليو/تموز 2021، تاريخ توليه منصبه، ينتقل الرئيس البيروفي، بيدرو كاستيّو، من أزمة إلى أخرى، وذلك على الرغم من كونه أول رئيس للبلاد من السكان الأصليين.

ومع أن تاريخ الأزمات المتشعّبة في ليما، يوضح مدى تفشي الفساد وغياب العدالة الاجتماعية وتركيز الثروات، المعادن والذهب خصوصاً، بأيدي قلّة، في البلاد، لكن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا ثم الغزو الروسي لأوكرانيا، ساهمت في زيادة التضخّم وارتفاع أسعار المواد الأساسية، ومفاقمة النقمة عليه.

ولا تقتصر مشكلة كاستيّو هنا، بل إن سبل تعاطيه مع إدارة البلاد، كشفت عن قصور في الخبرة السياسية، تحديداً مع منحه مقرّبين منه أدواراً وزارية وإدارية، ما أدى إلى إثارة شبهات الفساد، ثم البدء بمحاولات عزله في البرلمان، فضلاً عن خضوعه لسلسلة تحقيقات متعلقة بالفساد، وارتباطه بأفراد متورطين فيه.

تدخل منظمة الدول الأميركية

ومساء أول من أمس الخميس، أعلنت منظمة الدول الأميركية، التي تتخذ من العاصمة الأميركية واشنطن مقراً، أنها "سترسل بعثة إلى البيرو لتقييم الأزمة السياسية في هذا البلد، بناء على طلب الرئيس بيدرو كاستيو"، الذي يتهم القضاء بالتشجيع على انقلاب.

وذكرت المنظمة أن مجلسها الدائم عيّن خلال جلسة استثنائية "مجموعة رفيعة مكونة من ممثلين عن الدول الأعضاء، وفقاً للميثاق الديمقراطي للبلدان الأميركية من أجل زيارة البيرو وتقييم الوضع".

وكان الرئيس البيروفي قد أعلن الأربعاء الماضي، أنه طلب تدخل المنظمة، مشيراً في رسالة مفاجئة أذاعها التلفزيون إلى أن "حكومتي طلبت من منظمة الدول الأميركية تفعيل وتطبيق الميثاق الديمقراطي للبلدان الأميركية، من أجل الشروع في عملية تشاور مع جميع القوى السياسية وسلطات الدولة والقوى الاجتماعية". واعتبر أن هذا سيكون وسيلة "لتجنب تغيير خطير في النظام الديمقراطي في البيرو".


اتهمت النيابة العامة كاستيو بإنشاء تنظيم إجرامي للفساد

واتهم كاستيو مجدداً القضاء البيروفي بمحاولة التشجيع على الانقلاب، في وقت قدمت النيابة العامة شكوى دستورية في 12 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تتهمه فيها بتشكيل تنظيم إجرامي للفساد، وهو إجراء قد يؤدي إلى تعليق مهماته.

وهذه الشكوى التي أرسلت إلى البرلمان الذي يهيمن عليه اليمين، تستهدف أيضاً وزيرين سابقين في حكومة كاستيو، يُشتبه في استغلالهما النفوذ ويُعتبران جزءاً من المنظمة الإجرامية المفترضة التي يقودها كاستيو.

وهذه أول مرة يُستهدف رئيس حالي بشكوى كهذه. ويتمتع كاستيو حالياً بحصانة حتى نهاية ولايته في يوليو 2026 لكنه قد يخضع للتحقيق. ويرد اسمه حالياً في ستة تحقيقات ويشتبه في أنه يقود شبكة فساد وبغسل أموال وبمنح عقود عامة لصالح أقارب وسياسيين.

وينفي كاستيو كل الاتهامات الموجهة إليه هو وعائلته مؤكداً أنه ضحية حملة تهدف لإطاحته من السلطة. ويُطالب اليمين باستقالته وقد حاول مرتين الدفع باتجاه ذلك.

ويكشف الحكم الصادر في أغسطس/آب الماضي، بسجن ينيفر باريديس، شقيقة ليليا، زوجة كاستيو، احتياطياً لمدة 30 شهراً، في إطار قضية فساد، مدى الأزمات التي تعصف بالرئيس البيروفي ومحيطه.

وجاء القرار بعد تفتيش القصر الرئاسي، في سابقة، إذ إنها المرة الأولى التي يدخل فيها القضاء مقر السلطة التنفيذية بحثاً عن شخص. ومن المقرر أن تبقى ينيفر خاضعة للحكم الحالي حتى صدور حكم نهائي في ملف مشاركتها في شبكة فساد وغسل أموال.

وتواجه احتمال الحكم عليها هنا بالسجن مدة 23 عاماً. كما أوقفت النيابية العامة رئيس بلدية مدينة أنغييا، خوسيه نينيل ميدينا، وهو مقرّب من كاستيو.

كما تم توقيف رجلي الأعمال الشقيقين أوغو وأنجي إسبينو للاشتباه أيضاً في انتمائهما إلى الشبكة نفسها. وفي مؤشر إلى الشكوك السائدة وتدهور المناخ السياسي خفضت وكالة التصنيف "فيتش"، أول من أمس الخميس، توقعات تصنيف البيرو من "مستقر" إلى "سلبي".

وفي أواخر شهر إبريل/نيسان الماضي، عاد كاستيو على وجه السرعة من الإكوادور بالسيارة، تجنباً لإجراء عزل جديد محتمل بعدما حال سوء الأحوال الجوية دون إقلاع طائرته.

وكان رئيس البلاد يواجه احتمال مخالفة الدستور في حال عدم عودته إلى البيرو، لأن تجاوز هذه المهلة كان ليشكل ذريعة للمعارضة التي تتمتع بالغالبية لبدء إجراء عزل جديد بحجة وجود "فراغ رئاسي"، إذ إن الدستور لا ينص على استثناء بسبب رداءة الأحوال الجوية.

وبسبب تعذر إقلاع الطائرة، قطع الرئيس بالسيارة المسافة في رحلة تستغرق خمس ساعات للوصول إلى الحدود البيروفية عند معبر تومبيس.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2017 قدم البرلمان ستة إجراءات عزل تطاول رئيساً في منصبه. وأدى واحد فقط إلى استقالة بيدرو بابلو كوزينسكي (يمين) في عام 2018 وأخرى إلى إقالة مارتين فيسكارا (وسط) في عام 2020.

الميثاق الديمقراطي

وتمثّل استعانة كاستيو بمنظمة الدول الأميركية محاولة للخروج من مآزقه مع البرلمان والمعارضة، على وقع فشله في تطبيق برنامجه الانتخابي، خصوصاً في بنود مرتبطة بإعادة توزيع الثروات، ضمن مفهوم العدالة الاجتماعية.

كما أن مؤيديه في الحملة الرئاسية، خصوصاً السكان الأصليين وسكان الأرياف، بدأوا بالتخلي عنه، ويقومون بتظاهرات احتجاجية على ارتفاع أسعار الوقود والسلع.

والميثاق الديمقراطي للبلدان الأميركية هو نص وقعته الدول الأعضاء في المنظمة في 11 سبتمبر/أيلول 2001، أي في اليوم الذي هاجم فيه تنظيم "القاعدة" الولايات المتحدة. ويؤكد الميثاق أن الديمقراطية "تمثل ويجب أن تكون شكل الحكم المشترك بين كل دول الأميركيتين". وأن على "شعوب الأميركيتين الحق في الديمقراطية، وعلى حكوماتهم واجب تعزيزها والدفاع عنها".

ويحدد الباب الرابع كيف تتصرف المنظمة بعد "انقطاع غير دستوري للنظام الديمقراطي أو تغيير غير دستوري للنظام الدستوري يضعف النظام الديمقراطي في دولة عضو بشكل خطير".

وتنص المادة 19 على أن انقطاعاً أو تغييراً كهذا في إحدى الدول يشكل "عقبة لا يمكن تخطيها أمام مشاركة حكومة تلك الدولة في دورات الجمعية العامة واجتماع التشاور ومجالس المنظمة والمؤتمرات المتخصصة واللجان ومجموعات العمل وغيرها من هيئات المنظمة".


طُبّق الميثاق الديمقراطي في فنزويلا وهندوراس مرة واحدة

وبالتالي، تنص المادة 20 على أنه بعد هذا الانهيار في النظام الدستوري لإحدى الدول الأعضاء، يمكن لأي دولة أخرى أو للأمين العام أن يطلبوا عقد اجتماع فوري للمجلس الدائم للمنظمة لإجراء تقييم جماعي للوضع واتخاذ القرارات المناسبة.

وإذا أثبتت جهود المجلس الدائم عدم جدواها في إعادة إرساء النظام الدستوري، أو إذا اعتُبر الوضع عاجلاً بشكل خاص، يمكن عقد دورة استثنائية للجمعية العامة لمعالجة هذه المسألة. عندئذ قد تقرر تلك الجلسة الاستثنائية، بغالبية ثلثي الدول الأعضاء، تعليق عضوية الدولة المعنية. وما إن تُحل المشكلة التي أدت إلى تعليق عضوية إحدى الدول، يمكن إعادة تفعيل عضويتها بتصويت ثلثي الجمعية العامة.

وسبق للمنظمة أن عملت على تطبيق هذا الميثاق في فنزويلا في إبريل/نيسان 2002 بعد محاولة الانقلاب فيها، التي أطاحت الرئيس هوغو تشافيز مؤقتاً. ولم ينجح الانقلاب وعاد تشافيز إلى السلطة قبل أن يتّخذ الميثاق أي قرارات أو إجراءات. وفي عام 2014 حذّرت واشنطن من تفعيل الميثاق في كاراكاس "إذا لزم الأمر"، بسبب تظاهرات عصفت بالبلاد.

وفي عام 2016، طلبت المعارضة الفنزويلية رسمياً تطبيق الميثاق الديمقراطي، بسبب النزاع مع الرئيس نيكولاس مادورو لكن الأمر لم يحصل. وفي يونيو/حزيران 2009 تم تفعيل الميثاق في هندوراس بسبب حصول انقلاب فيها.

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون