حماس بعد العدوان على غزة: تعقيدات الأسئلة المستقبلية

12 فبراير 2024
من الندوة حول مستقبل حماس بعد الحرب في المنتدى السنوي لفلسطين (المركز العربي)
+ الخط -

رأى باحثون أن مشهداً فلسطينياً تغيب عنه حركة حماس وفصائل المقاومة بعد الحرب على غزة هو فراغ فلسطيني بامتياز، واستبعدوا في ذات الوقت إنهاء وجود الحركة كفاعل رئيسي في النظام السياسي الفلسطيني، فيما كانت مسألة إمكانية انضمام الحركة لمنظمة التحرير محط تباين في الآراء حول جدوى هذه الخطوة.

وخلال ندوة عقدت تحت عنوان "حركة حماس بعد العدوان على غزة"، اليوم الاثنين، ضمن أعمال اليوم الثالث من فعاليات المنتدى السنوي لفلسطين 2024، الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، وضعت مديرة الندوة لورد حبش، مديرة معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية في جامعة بيرزيت الفلسطينية، عدة مستويات في محاولة تفكيك السؤال حول مستقبل حماس بعد الحرب، من بينها نظرة الاحتلال إلى حماس من منظورين خاطئين، الأول باعتبارها حركة إرهابية على غرار القاعدة و"داعش" يمكن القضاء عليها بتجفيف أموالها وضربها عسكرياً، متجاهلاً أنها حركة مقاومة متجذرة بين الشعب الفلسطيني وتخوض علاقة صراعية معه.

والثاني سعي الاحتلال إلى "تشييء" حماس في محاولة لنزع إنسانيتها، بكل ما يحويه هذا الكيان المعنوي من رغبات ومشاعر وتطلعات، وهو المنظور الذي دفع الاحتلال إلى أن يوازي بين ضرب الأنفاق وتدمير الجوامع والجامعات والمشافي على أنه تدمير لحماس.

هذان المنظوران كما تخلص حبش، لن يؤديا إلى حلول جذرية، مضيفة: "حتى لو أمكن إضعاف الحركة وضرب جزء من بنيتها، إلا أن حماس لا يمكن تجاهلها، ولا إنهاء وجودها كفاعل رئيسي في النظام السياسي الفلسطيني".

وفي ورقته، قال معين ربّاني، الباحث والمحلل والمعلق المختص في الشؤون الفلسطينية، إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عبرا بشكل واضح عن مشاركتهما إسرائيل في هدف إزاحة حماس من السلطة في غزة.

ووفق رؤيته، فإن حرب الإبادة تواجه تحديات، حتى مع فارق القوة النارية الفادح لصالح إسرائيل، معتبراً أنه "ما لم يلحق الاحتلال الهزيمة العسكرية بحماس، فلن تزاح عن السلطة".

الصورة
معين رباني (العربي الجديد)
الباحث والمحلل والمعلق المختص في الشؤون الفلسطينية معين رباني (العربي الجديد)

وفي تصوره فإنه لا الإسرائيليون ولا الفلسطينيون سيحققون نجاحاً واضحاً، ولكنّ كليهما يمكن أن يندفع لإعلاء شأن إنجازاته إلى الدرجة القصوى.

وفي الشق المتعلق بمستقبل الحركة وطنياً، قال إنه لعدة سنوات كان يلحّ على أنْ لا مناص لحل الأزمة الفلسطينية من دون مغادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو إزاحته عن السلطة، "لكن النقاش الجاد حول إدماج حماس والجهاد الإسلامي في منظمة التحرير وإعادة إحياء الحركة الوطنية يمكن أن يعجّل في تجديد القيادة، عبر نموذج قيادي جديد يستجيب للتحديات الوجودية التي تواجه الشعب الفلسطيني في هذه اللحظات الحرجة من تاريخه".

ووفق طرحه، فإن الفلسطينيين إذا ما عبّروا عن موقف موحد تجاه الحوكمة في غزة والحوكمة الفلسطينية بشكل عام، فإنهم سيقوون موقفهم أمام القوى الأجنبية التي تعطي لنفسها الحق باختيار وتجريب وتعيين من تشاء.

هذه الحوكمة والخدمات العامة في الظرف الحالي ذات أهمية حيوية، بحسب الباحث رباني، لكنها تبقى جزءاً من الأجندة، "لأن الهدف الاستراتيجي يبقى هو حق تقرير المصير، وما دامت سلطة أوسلو مستمرة لن يكون هناك هذا الحق، مع ما نعرفه من سياسات الضم وتعزيز السيطرة الإسرائيلية وهي في صميم الحمض النووي لاتفاقيات أوسلو".

انضمام حماس لمنظمة التحرير

من ناحيتها، قالت ليلى سورا، الباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن انضمام حماس إلى منظمة التحرير يتطلب مجموعة من التنازلات ليست المنظمة جاهزة للقيام بها.

في السياق ذاته، قالت إن الدخول المحتمل لمنظمة التحرير قد يجعل حماس تعيد التفاوض بشأن انضمامها بناء على مبادئها ووفق شروطها.

واستعادت الباحثة قول إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إن الحرب شكلت فرصة لتوحيد صفوف الفلسطينيين، ومناداته خلال خطاب في مؤتمر "الحرية لفلسطين" الشهر الماضي، بإعادة تنظيم منظمة التحرير لتضم كل أطياف الشعب وتضع كل القضايا على الطاولة، بالاستناد إلى مبادئ ديمقراطية ومحترمة حق العودة وبناء الدولة، مشيرة إلى أنه "لم يقل أي شيء عن سبل النضال، وهي نقطة خلافية بين منظمة التحرير وحماس".

الصورة
الباحثة هبة يزبك (العربي الجديد)
الباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ليلى سورا (العربي الجديد)

وباستحضار النموذج التاريخي لحركة فتح التي أسست الكفاح المسلح في ستينيات القرن الماضي، وأصبحت من بعد تقود منظمة التحرير وتحقق حضورها الدبلوماسي والسياسي، فإن خياراً ترى الباحثة إمكانية تصوره يتمثل في أن القدرة العسكرية لحماس قد تفضي إلى مفاعيل سياسية تجعلها تفاوض مباشرة الأوروبيين والأميركيين دون المرور بمنظمة التحرير ودون تقديم تنازلات لها.

ولفتت في هذه النقطة إلى أن مسؤولين أوروبيين وإن كانوا قلة يشيرون إلى أن حماس يمكن أن تكون شريكاً في السلام.

وخلصت الباحثة إلى التأكيد على أن "حماس في السابع من أكتوبر استخدمت الكفاح المسلح لتوحيد صفوف الفلسطينيين، لكنها تحتاج الآن لأن تجد سبيلاً ومخرجاً من هذه الحرب، وقد يكون دخول المنظمة خياراً مفيداً لها في إطار مشروع وطني مستقبلي، ضمن ما يعرف عن حماس من قدرة على التكيف تبعاً لتطور السياقات".

سؤال اليوم التالي للحرب على غزة

سؤال اليوم التالي للحرب لا يملك أحد الإجابة عليه، كما قال طارق حمود، الأستاذ المساعد في جامعة لوسيل في قطر.

فقد أشار الباحث إلى أن حماس ظهرت فصيلاً براغماتياً وسلطة حكم تؤثر السلامة بحسابات المسؤولية وتتجنب التورط بالمغامرات، أي أنها حتى السادس من أكتوبر لم تكن غير فصيل متورط بحسابات السلطة وبالعبء الهائل لأكثر من مليوني محاصر، وهي حالة تصنع تصورات نمطية في وعي الجمهور والرأي العام بضرورات التغيير والتعديل والرغبة بالانتقال.

الصورة
طارق حمود (العربي الجديد)
الأستاذ المساعد في جامعة لوسيل في قطر طارق حمود (العربي الجديد)

لكن يوم 7 أكتوبر، كما يفصل الباحث، "هو الذي كسر الانغلاق المحكم لأفق القضية الفلسطينية وطرح بقوة إمكانية استمرار تشكلها كقضية تحرر وطني في ظل انهيار منظومة الأمن العربي، بل وإعادة تشكلها في كنف معادلات إقليمية تعتبر الشراكة مع إسرائيل ضماناً رابحاً، فضلاً عن حضورها على مستوى الشعوب العربية التي اندفعت للتعبير عن ذاتها وتأكيد موقع القضية في ضميرها الجمعي".

واعتبر حمود أن حماس هي من فعلت كل ذلك وطنياً وعربياً ودولياً إلى حد بدت فيه -في ظل الحرب- راعية لمشروع الدولة الفلسطينية وليس العكس كما يصوره البعض خاصة الدعاية السياسية في الغرب.

وفي محاولته استقراء مستقبل حماس، قال حمود إن "أول نقاش قد يبدو حتمياً هو الداخلي. فسؤال صناعة القرار والقيادة وهياكل الحركة وتشعبها بين داخل وخارج وضفة وغزة وعسكري وسياسي سيبدو ضرورياً، وخصوصاً أن هذه الحرب تبدو التحول الأكبر في تاريخ الحركة وربما في التاريخ الفلسطيني ويصعب التكهن بمرورها دون أن تعيد حماس ترتيب أوراقها الداخلية بشكل مختلف عن القائم دون أن يعني ذلك أن التحول بتفضيل القديم على الجديد أو العكس".

وذكّر بأن الجذور التاريخية لحماس في غزة تسبق بكثير تاريخ تأسيسها في 1987، "فغزة هي المكان الفلسطيني الوحيد الذي استمر فيه عمل الإخوان المسلمين منذ ما قبل النكبة، وفي سياق العلاقة المتجذرة التاريخية يمكن هنا تصور عدم إمكانية نزع حماس من غزة".

ورأى أن مشهداً فلسطينياً تغيب عنه حماس وفصائل المقاومة هو فراغ فلسطيني بامتياز، "كما أن الحرب بدت تشكل وعياً جمعياً يقضي بضرورة إعادة المشهد الفلسطيني وفق رؤية وطنية لا تستثني أحداً وتنتج آليات من أجل استثمار التضحيات الجليلة التي قدمها الشعب الفلسطيني في غزة وولادة مفهوم التحرر الوطني الذي أنتجته صور المقاومة الباسلة في غزة".