تونس: المحكمة الإدارية توقف قرار سعيّد بإعفاء عدد من القضاة

تونس: المحكمة الإدارية توقف قرار سعيّد بإعفاء عدد من القضاة

10 اغسطس 2022
وصف قرار المحكمة بـ"التاريخي والإيجابي" (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

أكد الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية التونسية عماد الغابري، اليوم الأربعاء، أنّ الرئيس الأول للمحكمة الإدارية قرّر وقف تنفيذ عدد كبير من قرارات إعفاء قضاة.

وكان الرئيس قيس سعيّد قد أصدر أمراً رئاسياً في 1 يونيو/ حزيران الماضي بإعفاء 57 قاضياً، مع التنصيص على النفاذ الفوري.

وأوضح الغابري، في تصريح لإذاعة "أي أف أم" الخاصة، أنّ قاضي توقيف التنفيذ استند في أحكامه إلى نتائج إجراءات التحقيق التي أذن بها، مشيراً إلى أنّ التعاطي مع ملفات الـ 57 قاضياً الذين تم إعفاؤهم، تم بحسب خصوصية كل ملف، ودراسته حالة بحالة.

وأوضح الغابري أنه رُفض هذا القرار لعدد كبير من القضاة الـ57 الذين كان سعيّد أعفاهم من مهامهم، في حين رُفض بعض الطعون الأخرى، من دون أن يوضح عددها.

وبيّن أن المحكمة الإدارية ستعلن اليوم رسمياً عن قراراتها بخصوص الطعون المقدمة في الأمر الرئاسي القاضي بإعفاء 57 قاضياً، وستتولى إعلام محامي أصحاب الطعون رسمياً.

وأعلنت وزارة العدل التونسية، الأربعاء الماضي، أنها استكملت كل الإجراءات بشأن إعفاء 57 قاضياً، بناءً على أمر رئاسي من قيس سعيّد.

واستعجلت الوزارة بإعفاء القضاة، قبل أن تصدر المحكمة الإدارية التونسية حكمها في هذا الملف، بعد أن توجه القضاة بالطعن لديها، في محاولة لإنهاء الموضوع قبل حسمه قضائياً.

ويأتي هذا الموقف لوزارة العدل رداً على موقف القضاة الذين هددوا بالتصعيد إذا لم تحاول السلطة فتح قنوات حوار لإنهاء الأزمة المستفحلة، خصوصاً بعد إضراب الجوع الذي خاضه عدد من القضاة، وتدهور وضعهم الصحي، وانتشار موضوع الأزمة دولياً.

"قرار تاريخي"

واعتبر رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي قرار المحكمة الإدارية "تاريخياً وإيجابياً"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "صدور قرار بإيقاف تنفيذ إعفاء عدد كبير من القضاة المشمولين بالإعفاء بقرار رئيس الجمهورية عدد 516 هو تتويج لمسيرة نضالية دامت أكثر من شهرين على جميع المستويات، بما في ذلك المستوى القضائي، بما أننا لجأنا إلى القضاء وكنا نؤمن بعدالة قضيتنا، ونؤمن بأن القضاء سينصفنا، رغم أن الإجراءات كانت طويلة والآجال القانونية تم تجاوزها، ولكن المحكمة الإدارية كانت وفية لفقه قضائها وأحكامه ومسيرته".

وأكد الحمادي أن هذا القرار "يُعتبر انتصاراً للقضاة الذين ظلمهم الأمر عدد 516، ونسجل ذلك بكل ارتياح وبكل إيجابية".

تقارير عربية
التحديثات الحية

من جهتها، قالت نائبة رئيس جمعية القضاة التونسيين عائشة بن حسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجمعية تعبّر عن عميق ارتياحها لصدور القرار"، مشيرة إلى أنّ "هذا تأكيد أيضاً على المسار الذي ذهبت إليه جمعية القضاة التونسيين بأن هذه القرارات غير قانونية، ولا تستند إلى إجراءات تأديبية قانونية، والدليل أن المحكمة أقرت ببطلان هذه القرارات".

وأوضحت أن "الجمعية تتمسك بإلغاء المرسوم عدد 35 الذي يمنح الرئيس صلاحية إعفاء القضاة مباشرة"، مبينة أن "الإعفاء والإجراءات التأديبية ينبغي أن يستندا إلى القانون وإلى الإجراءات القانونية ومنح حق الدفاع، تماشياً مع الأنظمة والقوانين الأساسية ومعايير استقلال القضاء".

وشددت على التمسّك بأنّ "قرار إعفاء القضاة كان غير شرعي، ولا يستند إلى ملفات حقيقية، وشابته عدة مخالفات، والدليل أن المحكمة أنصفت القضاة وألغت القرار".

لا مجال للاستئناف

من جهته، اعتبر القاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه الخطوة إيجابية، وتؤكد السوابق القضائية في القضاء الإداري، ووجوده كمدافع عن الحقوق والحريات"، مبيناً أنه "على الرغم من الضغوطات والصعوبات التي تعيشها المحكمة الإدارية، فقد كانت منصفة، وهي دائماً تقف لنصرة المظلومين ورفع المظالم".

وبيّن صواب أنّ "الملفات كانت من ناحية ملفّقة، وحصل في الآن ذاته ضغط كبير من قبل فريق الدفاع عن القضاة المعزولين، ومن الهياكل القضائية، والمؤتمرات الصحافية، كشفت في عدة مناسبات أنّ الملفات فارغة، ومبنية على مجرد إفادات أمنية فارغة وغير قانونية"، مؤكداً أنّ "الدعوة كانت ملحّة من أجل استقلال القضاء، وقد تأكد اليوم كلّ ما قيل من قبل الهياكل القضائية والمحامين بأن قرار العزل كان غير قانوني".

وتابع صواب أنّ "المحكمة الإدارية ستكون دوماً ملجأ المظلومين أمام السلطة العمومية، وإدارة "السيف" لا يمكن التعويل عليها كثيراً، وهناك أحكام من ثمانينيات القرن الماضي بيّنت أن القضاء الإداري هو أبرز مدافع عن الحقوق والحريات".

وحول إمكانية استئناف قرار المحكمة الإدارية من قبل السلطة التنفيذية، بيّن صواب أنّ قرارات المحكمة "نافذة ولا مجال فيها للاستئناف ولا للتعقيب"، مؤكداً أنّ "هذه المحاكمة لا يوجد فيها تقاضٍ على درجتين".

وذكّر صواب بأنه "حتى الرئيس السابق زين العابدين بن علي رفض إضفاء تعديلات على قرارات المحكمة الإدارية، ولا الباجي قائد السبسي ولا "النهضة" ولا قيس سعيّد تدخلوا في القضاء الإداري، وبالتالي فإن أحكام المحكمة الإدارية ظلت نافذة".

وأفاد بأنه "بعد 25 يوليو/ تموز، وعلى حدّ علمي، لم تصدر أي قرارات مماثلة"، مبيّناً أن "الظرف السياسي ساعد على هذه الخطوة، وهناك عدة معطيات عن الورطة التي وجد رئيس الجمهورية نفسه فيها جراء هذه الملفات".

خطوة جريئة

وصف سياسيون تونسيون القرار الصادر عن المحكمة الإدارية بالـ"خطوة الجرئية"، معتبرين أنه دليل على أن القضاء صامد في وجه الانقلاب.

وقال الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "قرار المحكمة الإدارية يعتبر خطوة جريئة، وهو قرار صادر عن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية شخصياً".

واعتبر الشواشي "أن القرار أعاد جزئياً الاعتبار للقضاة المعزولين ظلماً خاصة أن ملفاتهم فارغة"، موضحاً أن "لا ملفات لدى وزيرة (ليلى جفال) العدل وهو ما يكشف أن هذه القرارات كانت مجرد تصفية حسابات، ولم يكن هناك ما يدين الأغلبية من هؤلاء القضاة".

وأمل الشواشي، من جهة ثانية، أن "ينفذ قيس سعيد هذه القرارات"، لافتاً إلى أن "المطلوب ليس عودة هؤلاء القضاة إلى العمل، بل إعادتهم إلى المسؤوليات ذاتها التي تقلدوها سابقاً، خاصة أن هناك حركة قضائية على الأبواب".

وأعرب عن مخاوفه "من تسمية مقربين من الرئيس في المناصب الحساسة كوكيل الجمهورية بتونس والوكيل العام لمحكمة الاستئناف، ورؤساء المحاكم، وهي مناصب حساسة".

وشدد في الوقت ذاته على ضرورة "الاعتذار من القضاة المعزولين من قبل رئيس الجمهورية لأن هناك وصماً، وليس سهلاً اتهامهم بمختلف تلك الاتهامات"، مشيراً إلى أن "المعركة مع سعيد لا تزال متواصلة، فما حصل صفعة لقيس سعيد، ولمنظومة سعيد ولوزيرة العدل".

كما شدد على "ضرورة استقالة وزيرة العدل قبل أن تتم إقالتها، رغم أنها لا تتحمل المسؤولية بمفردها بل يتحملها معها رئيس الجمهورية، وعليه تنفيذ قرار المحكمة ولكن هناك مخاوف لأن سعيد الذي ألغى دستور البلاد قد لا ينفذ هذا القرار".

من جهته، قال القيادي في حزب العمل والانجاز، المحامي سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "من الواضح أن غالبية القضاة ليس ضدهم أي تتبعات وليس هناك لدى غالبية هؤلاء أي ملفات أمام التفقدية العامة، وأن أغلبية الملفات فارغة".

وأضاف ديلو أن "توقيف التنفيذ كان منتظراً، وهو انتصار للقضاة المعزولين"، موضحاً أن "هذا القرار غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن، وبالتالي تعود الوضعية لما كانت عليه قبل صدور قرارات الإعفاء، وكل من لديه وظيفة يعود إليها".

وأكد في الشأن، أن "السلطة التنفيذية وأي سلطة أخرى لا يمكنها وقف التنفيذ ويجب التطبيق فوراً بمجرد الإعلام وتصدر هذه القرارات باسم الشعب وتنفذ باسم رئيس الجمهورية". 

وتابع أن "رفض التنفيذ في حد ذاته جريمة"، مشيراً إلى أنه "لابد من فتح تحقيق في ملابسات إعداد قائمة القضاة المعفيين، ولماذا وضعوا ضمن القائمة والمغالطات التي روجت حولهم ومن غالط رئيس الجمهورية لأنه لا يعرفهم شخصياً".

واعتبر أن "المتورط الأول في وضع القائمة وأساساً هي وزيرة العدل التي تتحمل المسؤولية في ما سببته للقضاة وللمرفق القضائي الذي بقي لعدة أسابيع معطلاً بسبب الإضراب وتعرض حياة البعض منهم للخطر جراء إضراب الجوع وما سببته من تشويه لسمعة تونس في انتظار نتائج التحقيق القضائي الذي قد يكشف الحقيقة".

كذاك، قال رئيس حزب التكتل خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "قرار المحكمة الإدارية أنصف جزءا كبيرا من القضاة، وهذا يؤكد موقفهم منذ البداية ببطلان قرار الإعفاء الذي اتخذه رئيس الجمهورية"، مبيناً أن "المحكمة الإدارية رغم أنها لم تبت في الأصل واتخذت قرار وقف التنفيذ أي أن لديها ما يكفي من المؤيدات والقرائن".

واستطرد المتحدث قائلاً إن "هذا مؤشر على أن الملف برمته خاطئ منذ البداية وظلم قضاة وأيضاً القضاء، وأن ما حصل أساء إلى تونس كونها بلد يظلم فيه قضاة"، معتبراً أن "السلطة التنفيذية اليوم وبعد هذا القرار في إحراج كبير" .

أما عضو مبادرة مواطنون ضد الانقلاب، الحبيب بوعجيلة، فقد أكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الخطوة تؤكد بوضوح أن أهم سردية من سرديات 25 يوليو حول فساد القضاء والصلاحيات الواسعة للمستبد بعزل القضاة وبأمر منه وبانطباع ذاتي يحدد من خلاله الفاسد والصالح هذه السردية سقطت".

ولفت إلى أن "المحكمة الإدارية بقطع النظر عن التبريرات التي ستقدمها في تنفيذ هذا القرار، تضع قيس سعيد ووزيرة العدل أمام حرج كبير لمنظومة كاملة، وما مارسه الانقلاب من 25 يوليو مما سماه بتصحيح المسار وهو في الحقيقة يفكك المؤسسات ويستهدف القضاة بتهم باطلة وأيضاً معارضي الانقلاب".

وبين أن "معركة القضاة أكبر وكانت معركة في العمق بين مؤسستين وسلطتين، سلطة تنفيذية تحكم بالمراسيم وبمزاج فرد واحد، وسلطة قضائية استطاعت على امتداد 10 سنوات من الانتقال الديمقراطي أن تكتسب حصانة وتدعم الدفاع عن استقلاليتها"، مؤكداً أن "وقوف القضاة وصمودهم في هذه المعركة التاريخية كان وراء انتصارهم".

المساهمون