تعديلات في أجهزة النظام السوري: مجرمون بدل مجرمين وعلي مملوك مستبعد

تعديلات في أجهزة النظام السوري: مجرمون بدل مجرمين وعلي مملوك مستبعد

19 يناير 2024
كان لعلي مملوك (يمين) دور بارز في قمع السوريين (فرانس برس)
+ الخط -

عيّن رئيس النظام السوري بشار الأسد، أخيراً، عدداً من الضباط المدرجين على قوائم العقوبات الأوروبية والأميركية، ولهم سجل حافل في القمع، بمناصب قيادية في الأجهزة الأمنية المتعددة، كما استبدل رئاسة مكتب الأمن القومي علي مملوك وذلك كما يبدو في سياق محاولات لـ"إعادة هيكلة" هذه الأجهزة المتعددة تحت إشراف روسي.

علي مملوك يغادر رئاسة مكتب الأمن القومي

وقالت مصادر معارضة ومواكبة، وشبكات ووسائل إعلامية تابعة للنظام السوري، بحسب ما كُشف أول من أمس، إن الأسد عيّن اللواء علي مملوك مستشاراً له، في خطوة أبعدت الأخير عن رئاسة مكتب الأمن القومي الذي يشرف على عمل كل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام.

ويُوصف مملوك بـ"رجل النظام القوي"، وكان له دور بارز في قمع السوريين، وهو ما دفع دولاً أوروبية والولايات المتحدة إلى فرض عقوبات عليه. كما صدرت عام 2018 بحق مملوك مذكرة توقيف من قبل القضاء الفرنسي بتهم "التواطؤ مع أعمال تعذيب وتواطؤ مع الاختفاءات القسرية، وأخيراً، التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجنح حرب".

مصدر أمني في دمشق: الجانب الروسي وراء تعيين ملحم، فيما حسن محسوب على الجانب الإيراني

وتدرج علي مملوك المولود في عام 1946 في دمشق، في المناصب داخل الأجهزة الأمنية منذ سبعينيات القرن الماضي، فهو من مؤسسي جهاز الاستخبارات الجوية، الجهاز الأكثر وحشية في التعامل مع السوريين. كما شغل منذ عام 2005 منصب مدير جهاز أمن الدولة، ثم أصبح رئيساً لمكتب الأمن القومي برتبة وزير، بدلاً من هشام اختيار الذي قتل متأثراً بجروح أصيب بها في تفجير بدمشق في 18 يوليو/تموز 2012 استهدف مقر مكتب الأمن القومي.

وعيّن بشار الأسد، اللواء كفاح ملحم، المدرج على لائحة العقوبات الأميركية، رئيساً لمكتب الأمن القومي، خلفاً لمملوك. وكان الملحم رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية (الأمن العسكري) منذ مارس/آذار 2019، ويتحدر من بلدة جنينة رسلان التابعة لمحافظة طرطوس الساحلية غرب سورية، وأدرج في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020 على قائمة العقوبات الأميركية، لدوره في قمع السوريين المعارضين للنظام خلال سنوات الثورة السورية.

وفي السياق نفسه، عيّن بشار الأسد اللواء كمال حسن، المُدرج على لائحة العقوبات الأميركية، رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية خلفاً لملحم. وكان الأسد قد أصدر مرسوماً مطلع يوليو/تموز الماضي يقضي بترقية مجموعة من الضباط في الفروع الأمنية، شملت حسن، الذي جرى ترفيعه إلى رتبة لواء ركن، ونقله من رئاسة فرع المنطقة (227) في دمشق إلى نائب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في سورية.

وينتمي هؤلاء الضباط إلى الطائفة العلوية، التي زُجّ بها في مواجهة الحراك الثوري الذي بدأ في ربيع عام 2011، فقُتل عدد كبير من أبنائها في المواجهات منذ ذلك الحين.

وذكر مصدر أمني في دمشق لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الصحي لمملوك "مترد"، مشيراً إلى أن الجانب الروسي كان وراء تعيين ملحم محل مملوك، فيما حسن "محسوب على الجانب الإيراني"، وفق المصدر.

من جهتها، أكدت شبكة "الراصد" الإخبارية السورية المعارضة أن قراراً صدر بحلّ الفرع الاقتصادي في شعبة الاستخبارات العامة (أمن الدولة)، وتوزيع عناصره على باقي أقسام الشعبة، مشيرة إلى صدور تعميم من مكتب الأمن القومي بعدم دخول أي عنصر من أي فرع أمني إلى أي مؤسسة من مؤسسات الدولة بمهام أمنية.

أسباب الإبعاد

وتعليقاً على إبعاد مملوك عن مكتب الأمن القومي، رأى الرائد الطيار المنشق عن قوات النظام، يوسف حمود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجانب الروسي "يهيئ مملوك للعب دور سياسي إضافة إلى دوره الأمني"، مشيراً إلى أن موسكو تعمل على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لدى النظام منذ أشهر عدة لحصرها في جهاز واحد يتحكم بها.

يوسف حمود: الجانب الروسي يهيئ مملوك للعب دور سياسي إضافة إلى دوره الأمني

وتابع: "هناك صراع خفي بين موسكو وطهران على القرار في سورية، والنظام لم يعد له أي دور عسكري أو أمني في مناطق سيطرته، والتعيينات الأمنية والعسكرية الجديدة كانت بترتيب روسي". وأشار إلى أن "كمال حسن كان ينسّق مع الجانب الإيراني، ولكن من السهل على ضباط النظام تغيير الولاء من أجل مصالحهم الشخصية".

من جهته، وصف الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، التعيينات الجديدة في الأجهزة الأمنية بـ"المفاجئة" ولاسيما بما يتعلق باللواء علي مملوك.

وبرأيه، "علينا الانتظار لمعرفة الدور الذي سيلعبه مملوك في منصبه الجديد في رسم السياسات العامة للنظام"، موضحاً أن "المستشار عادة في النظام السوري شخص لا أهمية له وجرى الاستغناء عنه لكبر سنه أو لوضعه الصحي، ولكن يمكن أن يكون لهذه القاعدة استثناء يخص مملوك الذي كان له مكتبان، الأول في الأمن القومي والثاني في القصر الجمهوري".

وأعرب علوان عن اعتقاده بأن النظام لا يمكنه الاستغناء عن علي مملوك "كونه العقل الأمني المدبر"، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية في كل الأنظمة "تلجأ إلى إجراء تغييرات كي لا يبقى الشخص في منصبه لسنوات طويلة".

وكان الأسد قد عيّن مطلع يناير/كانون الثاني الحالي، قحطان خليل، المعروف بلقب "جزّار داريا"، مديراً لإدارة الاستخبارات الجوية، خلفاً لغسان إسماعيل الذي شغل المنصب منذ يوليو 2019. كما عيّن الأسد أيضاً عدداً من مرتكبي المجازر خلال سنوات الثورة، بحسب مصادر معارضة، في مناصب قيادية في قواته، منهم العميد الركن ثائر أحمد عجيب، الذي أصبح رئيساً لأركان الفرقة الثالثة مدرعات، واللواء أكرم إبراهيم سليمان والذي أصبح قائداً للفرقة 24 دفاع جوي، واللواء الطيار عادل جاد الله قيصر رئيساً لأركان القوى الجوية، واللواء الطيار توفيق أحمد خضور قائداً للقوى الجوية والدفاع الجوي.

وجاءت هذه التعيينات بعد أيام قليلة من تسريبات صحافية حول خطة روسية لإعادة هيكلة أجهزة الأمن والاستخبارات التي يديرها النظام، وتقضي بإنهاء وإحلال بعض الأفرع الأمنية ودمجها ببعضها.

وتقوم شبكة النظام الأمنية على 5 أجهزة رئيسية: الجهاز الأول مكتب الأمن القومي، ويتبع لبشار الأسد مباشرةً، ويشرف على عمل الأجهزة الأمنية جميعاً. الجهاز الثاني إدارة الاستخبارات العامة التابعة (نظرياً) لرئاسة الوزراء، ومعها نحو 10 أفرع رئيسية ذات اختصاص، فضلاً عن أفرعها ومفارزها في المحافظات. الجهاز الثالث إدارة الأمن السياسي، أو شعبة الأمن السياسي، التابعة لوزارة الداخلية، وتتبع لها أيضاً أفرع اختصاصية، فضلاً عن فروعها في المحافظات. الجهاز الرابع إدارة الاستخبارات الجوية، التابعة لوزارة الدفاع، ومعها 6 أفرع رئيسية، إضافة إلى فروعها في المحافظات. والجهاز الخامس إدارة الاستخبارات العسكرية، التابعة لوزارة الدفاع، وينبثق منها الكثير من الأفرع الاختصاصية، إضافة إلى فروعها بالمحافظات، وهذه الإدارة أو الشعبة اعتمد عليها الأسد بشكل رئيسي في مواجهة الحراك ضده.