بوتين في بكين: جبهة موحدة لحماية مصالح روسيا والصين

بوتين في بكين: جبهة موحدة لحماية مصالح روسيا والصين

18 مايو 2024
بوتين في هاربين شمال شرقي الصين أمس (ألكسندر ريومين/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اختتمت زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى الصين بتوقيع وثائق تعاون بمناسبة 75 عامًا على العلاقات الدبلوماسية، مؤكدة على الوحدة والشراكة الاستراتيجية في مواجهة التحديات الدولية وتعزيز التعاون في الدفاع والاقتصاد.
- البيان المشترك أكد على الدعم المتبادل ومعارضة التدخلات الخارجية، مع انتقادات للولايات المتحدة بتبنيها منطق الحرب الباردة، وشدد على بناء عالم متعدد الأقطاب.
- بوتين زار هاربين، مشيرًا إلى أن الزيارة عززت موقف روسيا الدولي وسط الأزمة الأوكرانية، وأكدت على التعاون الوثيق مع الصين في مواجهة الضغوط الغربية وتعزيز العلاقات الثنائية.

أسدل الستار، أمس الجمعة، على زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين، التي حرص الطرفان فيها على إظهار وقوفهما في جبهة موحدة لحماية مصالح روسيا والصين حيث شهدت الزيارة، أول من أمس الخميس، توقيع وثائق وبروتوكولات تعاون بين البلدين لمناسبة الذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، حضرها بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ. كما تخلل الزيارة لقاءات ثنائية على أعلى المستويات بين الجانبين، حيث أحضر بوتين معه وفداً رفيع المستوى، بما في ذلك وزير الدفاع المعين حديثاً أندريه بيلوسوف، وأمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، وكذلك يوري أوشاكوف مساعد الرئيس والمسؤول عن السياسة الخارجية، بالإضافة إلى وزير المالية أنطون سيلوانوف، ومحافظة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا.

في المقابل، انضم إلى شي جين بينغ عضوان من اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، هما رئيس أركان الجيش تساي تشي، ونائب رئيس مجلس الدولة دينغ شيانغ. أيضاً شارك في الاجتماعات المسؤول عن النظام المالي خه لي فنغ، بالإضافة إلى تشانغ قوه تشينغ الذي يشرف على قطاع التصنيع في البلاد. وفي أعقاب هذه الاجتماعات، أصدر الجانبان بياناً مشتركاً مطولاً، نُشر في وسائل الإعلام الرسمية الصينية، (وصل إجمالي كلمات البيان في نسخته الصينية إلى أكثر من 12000 كلمة) حرصا فيه على إظهار الدعم بعضهما لبعض كجبهة موحدة لحماية مصالح روسيا والصين عبر التأكيد أن كل دولة هي "الشريك ذو الأولوية" للآخر. ووصفا العلاقة بين البلدين بأنها "تجاوزت نموذج التحالف العسكري السياسي في حقبة الحرب الباردة"، وأنها "في أفضل مستوى من العلاقات في تاريخهما".

ليو تشوان: يجرى الحديث الآن عن شراكة استراتيجية شاملة بين الصين وروسيا

وفي عرض قوي للتحدي والتحالف، قال الرئيسان في البيان إن الصين وروسيا مصممتان على الدفاع عن حقوقهما ومصالحهما المشروعة، ومقاومة أي محاولات لعرقلة التطور الطبيعي للعلاقات الثنائية، والتدخل في العلاقات والشؤون الداخلية للدولتين، أو الحد من الإمكانات الاقتصادية أو التكنولوجية، أو في مسار السياسة الخارجية التي ينتهجها البلدان. كما وجها انتقادات إلى الولايات المتحدة، وألقيا باللوم عليها في عدة ملفات وقضايا، بدءاً من "توسيع الردع النووي" مع حلفاء أميركا، بما في ذلك أستراليا، إلى تطوير أسلحة غير نووية عالية الدقة، وكذلك المشاكل الاقتصادية في أفغانستان واستفزاز كوريا الشمالية.

أميركا تفكر بمنظور الحرب الباردة

وجاء في البيان أن الولايات المتحدة لا تزال تفكر من منظور الحرب الباردة، وتسترشد بمنطق المواجهة بين الكتل، وتضع أمن "المجموعات الضيقة" فوق الأمن والاستقرار الإقليميين، ما يخلق تهديداً أمنياً لجميع دول المنطقة. وقال البيان: "يجب على الولايات المتحدة أن تتخلى عن هذا السلوك"، وأنه في عالم متعدد الأقطاب تنبغي إعادة توزيع الموارد والفرص على الأسواق الناشئة والبلدان النامية. وتابع البيان: "باعتبارهما قوتين مستقلتين في عملية بناء عالم متعدد الأقطاب، فإن الصين وروسيا سوف تستغلان إمكانيات علاقاتهما بالكامل، وتعززان تحقيق عالم متعدد الأقطاب وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية بطريقة عادلة ومنظمة، وتوحيد جهودهما من أجل تحقيق بناء عالم عادل وعقلاني متعدد الأقطاب".

تقارير دولية
التحديثات الحية

كما جرى التأكيد على مصالح روسيا والصين المشتركة. ودانت بكين، في البيان، بشدة، الهجوم الذي وقع في 22 مارس/آذار الماضي في قاعة للحفلات الموسيقية في العاصمة الروسية ودعمت الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب والتطرف. في المقابل، أكدت موسكو مجدداً اعترافها بأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، مشددة على أنها تعارض استقلال الجزيرة بأي شكل من الأشكال، وتدعم بقوة تصرفات الصين لحماية سيادتها وسلامة أراضيها، وكذلك سعيها لتوحيد البلاد. هذه التصريحات وتأكيد المؤكد في السياسة الخارجية لكل دولة طرحت تساؤلات حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والرسائل التي تريد موسكو وبكين توجيهها إلى القوى الغربية التي تقودها واشنطن.

أعرب تشاو يين عن اعتقاده أن بوتين حقق ما أراده من زيارته إلى الصين

وأمضى بوتين، أمس الجمعة، يومه في مدينة هاربين شمال شرقي الصين، التي تقع على بضع مئات من الكيلومترات من الحدود الروسية وتعدّ محورية في التبادلات بين الجانبين. وقال، في مؤتمر صحافي، إن القوات الروسية التي تتقدم في منطقة خاركيف الأوكرانية تقيم "منطقة عازلة" بهدف حماية المناطق الحدودية الروسية، لكنه شدد على أن السيطرة على مدينة خاركيف ليست جزءا من خطة روسيا في الوقت الراهن. وأضاف: "بالنسبة لما يحدث في منطقة خاركيف، فهذا خطأ (أوكرانيا) لأنها تنفذ هجمات وتواصل ذلك، وللأسف، تقصف أحياء سكنية في المناطق الحدودية من بينها بيلغورود". وتابع: "المدنيون يموتون هناك. ومن الواضح أنهم يقصفون وسط المدينة بشكل مباشر فضلاً عن المناطق السكنية. وقلت علناً إذا استمر هذا الأمر، فسنضطر إلى إنشاء حزام أمني أو منطقة عازلة. هذا ما نفعله الآن". وعما إذا كانت القوات الروسية تعتزم السيطرة على مدينة خاركيف، قال بوتين: "بالنسبة لخاركيف، لا توجد مثل هذه الخطط في الوقت الحالي".

وفي تعليقه على اختتام زيارة بوتين إلى بكين ودلالاتها السياسية، قال الأستاذ في جامعة صن يات سن، ليو تشوان، لـ"العربي الجديد"، إنه يجرى الحديث الآن عن شراكة استراتيجية شاملة بين الصين وروسيا لعصر جديد يشهد فيه الجانبان تحديات كبيرة. لكنه لفت إلى أن ذلك لا يعني أن هذا التحالف يستهدف قوى بعينها، بل هو مصمم لحماية مصالح روسيا والصين الخاصة وتحقيق العدالة وصيانة الحقوق وضمان تعزيز مسار التنمية والتعددية بعيداً عن الهيمنة والأحادية.

شراكة لخدمة مصالح روسيا والصين

وقال ليو تشوان إن الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين ليست جديدة، لأنه أعلن عنها قبل الحرب الأوكرانية، لكن الاضطرابات وتداعيات الأزمة حالت دون تثبيت دعائم الشراكة، غير أن البلدين وجدا في الذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما فرصة لتوثيق وتشبيك أواصر التعاون بما يخدم مصالح روسيا والصين المشتركة.

من جهته، قال الباحث في معهد جيانغ شي للدراسات السياسية لين وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الجانبين نجحا في إظهار جبهة موحدة تمثل أقوى قوتين غير غربيتين في مواجهة الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة. وأضاف أن قوة الرسالة تكمن في أنها جاءت بعد أيام قليلة من جولة شي جين بينغ الأوروبية، والتي تعرض فيها لضغوط كبيرة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، من أجل وقف بيع الأسلحة لروسيا، والسيطرة على تدفق البضائع ذات الاستخدام المزدوج إلى الجيش الروسي. واعتبر أن الإعلان عن توثيق الشراكة بين الجانبين بهذا الزخم الإعلامي والسياسي رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن العلاقة بين بكين وموسكو لا يمكن أن تهتز تحت أي ظرف أو ضغط، ما دامت قائمة على الاحترام المتبادل ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وصيانة حقوق ومصالح روسيا والصين المشتركة.

بوتين الرابح الأكبر

في المقابل، أعرب الخبير في العلاقات الدولية المقيم في هونغ كونغ تشاو يين، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن بوتين حقق ما أراده من هذه الزيارة. وأوضح أنه حصل على رافعة دبلوماسية وسياسية من الحليف الأوثق، في ظل العزلة الدولية التي يعاني منها بسبب حربه في أوكرانيا، إذ إنه استُقبل بشكل مبالغ فيه من الجانب الصيني باعتباره زعيماً كبيراً على غرار ستالين، حيث عزفت فرقة عسكرية صينية أغنية شهيرة من الحقبة السوفييتية، هي "منتصف الليل في موسكو"، وذلك عندما كان الزعيمان يستعرضان حرس الشرف أمام قاعة الشعب الكبرى في بكين.

وأشار تشاو يين إلى أن بوتين كان يبحث عن ضمانات أو تأكيدات صينية بعدم الرضوخ للضغوط الغربية بشأن مصالح روسيا والصين والتبادلات الاقتصادية بينهما، حيث كانت تقارير اقتصادية قد تحدثت عن تراجع شحنات الصين إلى روسيا للمرة الأولى منذ عامين، إذ إنها انخفضت بنحو 16 في المائة على أساس سنوي في مارس/آذار الماضي، و13 في المائة في إبريل/نيسان الماضي، وذلك وسط تهديدات بفرض عقوبات أميركية ثانوية على البنوك والشركات الصينية التي تساعد المجهود الحربي الروسي. واعتبر أن بوتين حصل على ما يريد من خلال التوقيع على حزمة كبيرة من اتفاقيات التعاون في عدة مجالات، منها الطاقة والزراعة والتكنولوجيا. وبالتالي، فإن الزيارة خدمت مصالح بوتين، حسب قوله، أكثر مما خدمت بكين التي قد تجد نفسها مجدداً عرضة للضغوط والعقوبات الدولية ما دامت مصرة على المضي قدماً في دعم حليفتها موسكو المتورطة في حرب يعارضها المجتمع الدولي.