العلاقات السعودية مع باكستان والهند: التوازن الصعب

العلاقات السعودية مع باكستان والهند: التوازن الصعب

21 يوليو 2022
أول رحلة خارجية لشهباز شريف كانت إلى السعودية (الأناضول)
+ الخط -

اهتز أخيراً التحالف بين السعودية وباكستان، الذي تأسس بقوة منذ استقلال الأخيرة عام 1947، بسبب أزمة كشمير وتقارب الرياض مع نيودلهي.

يُذكِّر الرأي الهوياتي الباكستاني أنه بتقسيم عام 1947 الذي فصلها عن الهند بعد انسحاب البريطانيين، كانت باكستان أول دولة حديثة تأسست باسم الإسلام. وفي عام 1949، نشرت البلاد لائحتها حول الأهداف، والتي تنص على ما يلي: "لما كانت السيادة على العالمين لله تبارك وتعالى وحده، ولما كانت السلطة التي منحها لشعب باكستان ليمارسها في حدود ما شرعه أمانة مقدسة".

تتبنّى ديباجة الدستور الحالي، الذي تمت المصادقة عليه عام 1973، هذه الصياغة بالكامل. تغذي هذه الهوية الدينية المؤكد عليها لجمهورية إسلامية، ذات الأغلبية السنّية الواسعة، علاقة قديمة ولكنها غير متكافئة، مع السعودية، التي يعتبر ملكها "خادم الحرمين الشريفين"، في مكة والمدينة.

تلك الشراكة الطويلة

ابتداء من 1954، وقّعت السعودية معاهدة صداقة مع باكستان، وتعززت العلاقات مع الحرب الهندية الباكستانية سنة 1965 ثم حرب يونيو 1967 التي شنّتها إسرائيل. وتم في سنة 1982 خلال عهد الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق (1977-1988)، التوقيع على بروتوكول دفاعي جديد، سمح بإرسال مئات الضباط الباكستانيين في مهام تدريبية لدى القوات السعودية، بينما تم بناء مسجد فيصل في إسلام أباد، كان آنذاك الأكبر في العالم، وسمي تكريماً للملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز.

عززت باكستان والسعودية تعاونهما بعد الغزو الروسي لأفغانستان سنة 1979

عززت باكستان والسعودية تعاونهما بعد الغزو الروسي لأفغانستان سنة 1979، ومشاوراتهما بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة، من دون أن تقنع إسلام أباد الملا عمر بتسليم أسامة بن لادن، كما كانت تريد الرياض ذلك.

شجعت المملكة على مر السنين توسيع المدارس الدينية الباكستانية، من خلال اللعب على القرابة بين الإسلام الديوبندي الباكستاني، العزيز على ضياء الحق، والوهابية السعودية. وهي أيضاً وسيلة لمواجهة النفوذ الإيراني، بعد الثورة الإسلامية في إيران بقيادة روح الله الخميني سنة 1979، في باكستان التي تضم أقلية شيعية ملحوظة. وقامت الرياض، في مواجهة العقوبات التي أعقبت التجارب النووية الباكستانية عام 1998، بتسليم النفط إلى إسلام أباد بشروط ميسرة.

لكن في 2015، رفض البرلمان الباكستاني طلباً سعودياً بإرسال قوات إلى اليمن، ودعا بدلاً من ذلك إلى وساطة إسلام أباد بين الرياض وطهران. في غياب ذلك، أصبح عام 2017 رئيس الأركان الباكستاني السابق، الجنرال رحيل شريف، أول قائد للتحالف العسكري لمكافحة الإرهاب، وهو هيكل دولي مقره الرياض؛ وفي 2018، عززت باكستان دعمها العسكري لحماية الحدود السعودية-اليمنية.

وفي العام نفسه، عرض ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على باكستان أكثر من 6 مليارات دولار لمواجهة خطر جديد من التخلف عن السداد، وأعلن عن استثمارات مقبلة بـ20 مليار دولار في جوادر، المحطة-الميناء النهائية للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، في وقت أطلق فيه الأمير "رؤية 2030" التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد السعودي. اهتز كل هذا الصرح الذي تم بناؤه بصبر على مدى عقود مع أزمة 2020.

خلافات حول كشمير

في نيودلهي، بعد إعادة انتخاب ناجحة، قامت الحكومة القومية الهندوسية برئاسة ناريندرا مودي بالحسم في كشمير في أغسطس/آب 2019. كانت الدولة الأميرية السابقة يدار نصفها من قبل الهند والنصف الآخر من قبل باكستان منذ الحرب الأولى من 1947- 1948.

في جنوب خط السيطرة، شهدت ولاية جامو وكشمير الهندية، حيث ينمو منذ عام 1989 تمرد يُقمع بشدة، إلغاء آخر هوامش حكمها الذاتي؛ وتم تخفيض وضعها القانوني من رتبة ولاية إلى مرتبة "إقليم الاتحاد"، خاضع لسيطرة نيودلهي المباشرة، التي فصلت منه "لداخ"، الجزء الشرقي المحاذي للصين، بينما فُرض جدار من الصمت على وادي سريناغار، مهد التمرد والمعارضة البرلمانية.

في إسلام أباد، نددت الحكومة القومية الشعبوية التي كان يقودها عمران خان، وتريد أن تجعل من باكستان "المدينة المنورة الجديدة"، بالتحرك الهندي، وشبّهت مودي بأدولف هتلر، متحدثة عن وجود إبادة جماعية. ودعت الحكومة الباكستانية منظمة التعاون الإسلامي، الكائن مقرها في جدة وتضم 57 دولة، لتتكفل بالموضوع.

ظلّت المنظمة، التي هي تحت وصاية السعودية، متحفظة كالمعتاد بشأن هذه القضية، مكتفية بالبيانات الصادرة عن مجموعة الاتصال بشأن كشمير ولجنتها الخاصة بحقوق الإنسان. على النقيض من ذلك، دانت تركيا وإيران وماليزيا صراحة سياسة الهند في كشمير. لذا رحبت إسلام أباد بمبادرة رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، لتنظيم "قمة إسلامية" في كوالالمبور، في ديسمبر/كانون الأول 2019، بهدف تناول جميع القضايا التي تمس العالم الإسلامي، بما في ذلك كشمير.

بضغط من الرياض التي رأت في هذه المبادرة خطوة أولى لمنافسة منظمة التعاون الإسلامي، عدل عمران خان في اللحظة الأخيرة عن حضور قمة كوالالمبور، والتي حضرها كل من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني، حسن روحاني، وأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني.

وكون الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير طال انتظاره شهراً تلو الآخر، أصدر في الأخير، وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي، تحذيراً غير مألوف إلى الرياض في أغسطس/آب 2020: إذا لم تستطع منظمة التعاون الإسلامي تنظيم هذا الاجتماع "سأكون مضطراً للطلب من الوزير الأول، عمران خان، أن يدعو جميع الدول الإسلامية المستعدة للوقوف إلى جانبنا في قضية كشمير ودعم الكشميريين المضطهدين".

علّقت الرياض قرضاً بدون فائدة بقيمة مليار دولار كان قد تقرر في 2018 لصالح باكستان

وفي رد انتقامي، علّقت الرياض قرضاً بدون فائدة بقيمة مليار دولار كان قد تقرر في 2018 لصالح باكستان، ولم تُجدد تسليم شحنة من البترول ذات السداد المتأخر. وللخروج من هذه الأزمة غير المسبوقة، توجّه قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا، إلى السعودية في 17 أغسطس 2020، رسمياً لأداء زيارة روتينية تتناول العلاقات العسكرية الثنائية. كانت الزيارة فعالة حيث سرعان ما تراجعت وزارة الخارجية الباكستانية، مشيدة بمواقف منظمة المؤتمر الإسلامي "التي لا لبس فيها" بخصوص كشمير.

المعيار الهندي

لماذا هذا الموقف المتحفظ للسعودية بخصوص كشمير؟ يكمن المفتاح بالطبع في العلاقة التي أقيمت بين الرياض ونيودلهي، والتي تعززت خلال ولاية حكومة المؤتمر لمانموهان سينغ (إعلان دلهي خلال زيارة الملك عبدالله سنة 2006، والشراكة الاستراتيجية الموقّعة خلال زيارة سينغ إلى الرياض في 2010)؛ وهي علاقة تكثفت بشكل كبير في عهد ناريندرا مودي، على الرغم من رهاب الإسلام التي تظهره القومية الهندوسية.

قام مودي بتطوير العلاقات مع كل بلدان الخليج ومع النظام السعودي في المقام الأول. تمثّل السعودية ما يقارب 20 في المائة من النفط الذي تستورده الهند، غير أن البلدين يعتزمان الذهاب إلى أبعد من ذلك: أعلن بن سلمان عن برنامج استثماري بقيمة 100 مليار دولار في الهند، كما كان مودي ضيف الشرف في "دافوس الصحراء"، منتدى الاستثمار السعودي الحامل لمشروع رؤية 2030.

وبلغ حجم التجارة الثنائية 22 مليار دولار في 2020-2021. مقابل مليارين هزيلين للتبادل السعودي الباكستاني. وفضلاً عن ذلك، فإن الشراكة الهندية السعودية التي تعززت في 2019، تنفتح أيضاً على مجال الأمن والدفاع.

للهند عدد من المغتربين في السعودية (حوالي 2,2 مليون) يضاهي عدد المغتربين من باكستان (2,4 مليون). فالهند شريك معترف به في رؤية 2030 لبن سلمان، في حين أن باكستان بلد يعاني أزمة مالية يلجأ إلى الرياض (والصندوق الدولي) طلباً للمساعدة. حتى قبل توتر سنة 2020، قاطعت باكستان مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الذي نُظم في أبوظبي في مارس/آذار 2019، والذي كان ضيفه الشرفي - وهو حدث غير مسبوق - وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج.

التحالف، رغم كل شيء

مع ذلك، تبقى العلاقة بين باكستان والسعودية أساسية بالنسبة لإسلام أباد، وتعتزم الرياض، بعد مرور أزمة 2020، الاحتفاظ بنفوذها على ثاني أكبر دولة مسلمة في العالم بعدد السكان، ناهيك عن الوضع الأفغاني بعد عودة "طالبان" إلى الحكم والتوترات بين النظام السعودي وإيران.

في ديسمبر/كانون الأول 2021، عقدت منظمة التعاون الإسلامي في إسلام أباد اجتماعاً خاصاً بأفغانستان. وبدون أن تنظّم قمة وزارية مخصصة لكشمير، وجدت المنظمة طريقاً للتسوية الدبلوماسية من خلال تنظيم اجتماع وزاري آخر في إسلام أباد في مارس/ آذار 2022، وهو لقاء وزاري آخر دعت إليه باكستان القادة الكشميريين.

تبقى العلاقة بين باكستان والسعودية أساسية بالنسبة لإسلام أباد

يشهد التصريح الإعلامي الطويل للقمة على جدول الأعمال الواسع جداً للقاء (المناخ، كوفيد 19، فلسطين، أفغانستان، البوسنة، أوكرانيا، إصلاح مجلس الأمن...) ولكنه أكثر من الثناء بمُضيف القمة، عمران خان، مبرزاً موضوعاً شديد الاهتمام به: رهاب الإسلام، وعلى الخصوص فهو يتبنّى بشأن قضية كشمير المفردات المعتادة للدبلوماسية الباكستانية: "نجدد تضامننا الثابت مع شعب جامو وكشمير، ونعرب عن دعمنا الكامل لحقّه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره وفقاً للقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وعن منظمة التعاون الإسلامي وبما يحقق تطلعات الشعب الكشميري، وندين الانتهاكات الجسيمة ضدّ حقوقه الإنسانية في إقليم جامو وكشمير الخاضع للاحتلال الهندي غير المشروع".

بعد أسابيع قليلة، فَقَد عمران خان السلطة نتيجة تصويت بحجب الثقة من البرلمان. وفي 11 إبريل/نيسان 2022 انتُخب خلفه، شهباز شريف، رئيساً للوزراء. وبعد أسبوعين من ذلك قام بأول رحلة إلى الخارج إلى السعودية، بدعوة من بن سلمان، حيث جمع بين عمرة في مكة والمدينة واجتماع قمة في جدة.

وذكّر البيان المشترك الذي أعقب ذلك بـ"العلاقات الإسلامية الأخوية" بين البلدين، مؤكداً الرغبة في مزيد من شراكات اقتصادية أكثر كثافة وعلى التقارب حول القضايا الدولية الكبرى (اليمن، فلسطين، سورية، العراق، أفغانستان، أوكرانيا). بخصوص كشمير، تطورت النغمة: "وأكد الجانبان أهمية الحوار بين باكستان والهند لحل المشاكل بين البلدين، وخاصة قضية جامو وكشمير، من أجل ضمان السلم والاستقرار في المنطقة".

يذكر اعتدال الصيغة المتعلقة بكشمير، الرهان الهندي بالنسبة للرياض. صحيح أن السعودية ومنظمة التعاون الإسلامي والعديد من البلدان الأخرى نددت في يونيو/حزيران 2022 بالتصريحات التي أدلت بها متحدثة باسم حزب مودي عن زوجة الرسول وقد سارع بإقالتها. في موازاة ذلك، اعتبرت نيودلهي تعليقات منظمة التعاون الإسلامي بخصوص حظر الحجاب في المدارس، التي أصدرتها ولاية كارناتاكا الهندية، غير مناسبة.

هل يجب أن نرى في رهاب الإسلام المتزايد للقومية الهندوسية خطراً على السياسة الهندية تجاه الشرق الأوسط؟ وبشكل غير مباشر هل هو مكافأة لباكستان وعلاقتها مع السعودية؟ قد تدعو الواقعية السياسية للسلطة السعودية سواء تجاه إسرائيل أو بخصوص مسألة الإيغور، إلى التخمين بأن الرياض ستسعى إلى الحفاظ على توازن بين إسلام أباد ونيودلهي، يخدم في الوقت نفسه طموحاتها الاقتصادية ومصالحها الجيوسياسية.

ينشر بالتزامن مع https://orientxxi.info/ar

المساهمون