الصين في غرب أفريقيا: استغلال سياسي ــ عسكري بكلفة اقتصادية زهيدة

الصين في غرب أفريقيا: استغلال سياسي ــ عسكري بكلفة اقتصادية زهيدة

03 مارس 2024
تملك الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي (Getty)
+ الخط -

تسعى الصين إلى كسب المزيد من النفوذ السياسي والاقتصادي في منطقة غرب أفريقيا، ومنافسة الغرب والولايات المتحدة في الإقليم الزاخر بالثروات. وتركز الصين في غرب أفريقيا جهودها على فتح المجال أمام علاقات متنوعة مع دول المنطقة، التي باتت تبحث عن شركاء جدد وترفض الوجود الفرنسي، وتتوجس من طموحات أطراف أخرى تسعى إلى فرض هيمنتها، كبديل عن فرنسا.

وتتّبع بكين استراتيجيات مختلفة لتعزيز حضورها في هذه المنطقة ومنافسة القوى الدولية، من خلال دعم الاقتصاد وتقديم القروض والإيحاء بالمساهمة في التنمية الاجتماعية. ويشكل التنافس مع الولايات المتحدة على إنشاء قواعد عسكرية دافعاً رئيسياً لاهتمام الصين بمنطقة غرب القارة الأفريقية، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي المهم، بما فيها من ممرات بحرية مهمة، ورغبتها في توسيع نفوذها.

وتملك الصين قاعدة عسكرية واحدة في أفريقيا في جيبوتي، وهي أول قاعدة عسكرية لها في الخارج منذ العام 2017، فيما أكد مراقبون أن بكين تسعى إلى إنشاء قواعد جديدة، وأن الدول المرشحة هي غينيا الاستوائية وموريتانيا والكاميرون. ولدى الصين حالياً نحو ألفي جندي يتمركزون بشكل دائم في قاعدة جيبوتي، التي يمكن لها أن تستوعب نحو 10 آلاف جندي.

وعن الحضور العسكري الصيني في غرب أفريقيا، قال المحلل السنغالي أمادو داود، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الصين كانت تفكر جدياً في إنشاء قاعدة عسكرية بالسنغال أو موريتانيا، لتوطيد حضورها بغرب القارة، ولإنشاء ميناء يشكل قاعدة انطلاق نحو السواحل الشرقية للولايات المتحدة، لكن البلدين رفضا، فبدأت بكين بالتركيز على غينيا الاستوائية، الدولة الواقعة على المحيط الأطلسي باعتبارها الخيار الأفضل".

محمد ديابا: الصين تنظر إلى غرب أفريقيا بوصفها منطقة استراتيجية

وأضاف داود أن "الصين أجرت في السنتين الأخيرتين مناورات عسكرية مع كل من الغابون ونيجيريا وغينيا والكاميرون، وهي الآن تطمح لزيادة صادرات الأسلحة نحو القارة، والتي تبلغ حالياً نحو 13 في المائة من مجموع صادرات الأسلحة الصينية، وهي بذلك تحتلّ المرتبة الثالثة بعد روسيا وأميركا في هذا المجال".

وعن نشاط الصين في غرب أفريقيا اقتصادياً، كشف داود أن حجم التجارة بين بكين ودول هذه المنطقة تضاعف ثلاث مرات خلال العشر سنوات الأخيرة، وسوف يتضاعف أكثر، لأن الصين تعوّل على هذه المنطقة في مبادرة "الحزام والطريق".

فخ القروض الصينية

مقابل ذلك، يتخوف مراقبون من تغلغل النفوذ الصيني وتأثير القروض التي تدين بها الدول الأفريقية لبكين، على عمليات استيلاء الصين على أصول الدول التي تعثرت في سداد ديونها.
وأشاروا إلى أن زامبيا التي فشلت في دفع قيمة قرض قدمته الصين لإنشاء محطة التوليد المائية تركت بكين تستحوذ على 60 في المائة من أسهم شركة حكومية.

أما في كينيا، فقد تعثرت الحكومة في دفع قرض أنفقته في بناء خط للسكك الحديدية، بقيمة 7 مليارات دولار وهو ما يمثل 67.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما دفع الحكومة إلى طلب تمديد مدة السداد والتخلي عن بعض أصولها.

كما وقعت أنغولا، الدولة النفطية على الساحل الأفريقي، في شرك الديون الصينية.

أما جيبوتي، فتعد الأسوأ على لائحة ديون بكين، حيث تدين بثلاثة أرباع ناتجها المحلي لبكين، وتمثل القروض الصينية 70 في المائة من الديون الخارجية لجيبوتي التي تبلغ 88 في المائة من ناتجها الإجمالي المقدر بـ3 مليارات دولار.

أما غانا، فتدين للصين بنحو 85 في المائة من ناتجها القومي الإجمالي، حيث إنها اقترضت على مدى العقد الماضي أكثر من 17 مليار دولار بهدف إنشاء مجموعة من مشاريع البنية التحتية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

في هذا الصدد، قال أمادو داود إن هناك مخاوف حقيقية من تأثير بعض القروض الصينية على اقتصادات دول في طور النمو بغرب أفريقيا، خصوصاً أن بعض القروض لا تتسم بالشفافية في ما يتعلق بالشروط والضمانات وتحمل التكاليف والفوائد.

لكنه أضاف أن "المتفائلين بالصين، والمرحبين بعملها في أفريقيا، يؤكدون أن المنافسين لبكين يحاولون كبح طموحها ويضخمون فخ الديون، بتصورات خاطئة حول القروض والمساعدات المالية، وانعدام الشفافية في تعاملات الصين".

وتابع: "يجب على الدول الأفريقية ألا تنساق لأي فخ قد يقودها للوقوع في المديونية، سواء من الصين أو غيرها، وألا تفتح أبواب الاقتراض على مصراعيها من دون تفكير وتخطيط ودراسة، حتى لا تقع في علاقة تبعية والخضوع لشروط الصين، أو باقي المدينين الذين لا يتوانون عن الضغط على الدول الأفريقية، سواء بالتخلي عن بعض أصولها أو تغيير مواقفها السياسية".

الصين في غرب أفريقيا... شريك موثوق به؟

على الرغم من ذلك، يرى خبراء أن الصين لا تفرض شروطاً سياسية أو اقتصادية على الدول الأفريقية، ولا تتدخل في شؤونها الداخلية، لتصبح الشريك المفضل والموثوق به في العديد من الدول، بفضل السياسة التي تنتهجها ورفضها التدخل في العديد من الأزمات الأفريقية.

في هذا الصدد، قال الباحث النيجيري محمد ديابا إن الصين تعمل بصمت في منطقة غرب أفريقيا، وتركز جهودها على التنمية الاجتماعية والاقتصاد، وتكرس دبلوماسيتها لتعزيز العلاقات السياسية والتعاون الاقتصادي والأمني مع دول غرب أفريقيا.

وأضاف ديابا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الصين تنظر إلى غرب أفريقيا بوصفها منطقة استراتيجية، ممتدة من الصحراء الكبرى إلى الساحل الغربي على المحيط الأطلسي، وهي قريبة جغرافياً بشكل نسبي من الولايات المتحدة ونفوذها في الأطلسي، المنافس الرئيسي للصين".

وتابع: "لذلك فمصالح الصين في غرب أفريقيا استراتيجية". وأكد أن الصين اتخذت منطقة غرب أفريقيا حلقة وصل تربط بين مناطق استراتيجية أخرى في جنوب ووسط وشمال القارة، فضلاً عن منطقة الساحل، ما يسمح لها بتحقيق التوازن مع الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والاتحاد الأوروبي.

ورأى الباحث النيجيري أن عدم الاستقرار الأمني في غرب أفريقيا يمثل فرصة بالنسبة للصين للتدخل في القضايا الأمنية، وتعزيز نفوذها وإثبات قدراتها الدبلوماسية والعسكرية، خصوصاً أنه يمكنها لعب دور الوسيط في المنطقة لتعزيز السلم وفرض الاستقرار والأمن، وهو الأمر الذي سيتم استقباله بشكل إيجابي من قبل المجتمعات المحلية التي تسعى إلى الاستقرار.

انتقد محمد سعيد أحمدو عجز الصين عن مساعدة دول غرب أفريقيا في مجال الدفاع والأمن ومحاربة الإرهاب

وتابع أن "الصين شاركت بشكل فعال في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في غرب أفريقيا، وقدمت الدعم العسكري لدول المنطقة والاتحاد الأفريقي، غير أن اهتمامها بالأمن البحري في غرب أفريقيا بشكل خاص من أجل حماية تجارتها، أثّر على جهودها للعب دور مهم في استقرار المجتمعات في دول كبوركينا فاسو ومالي والنيجر، والتي لا تملك منفذاً بحرياً على الأطلسي".

هل تستغل الصين الفراغ بعد انسحاب الغرب؟

على الرغم من التحذيرات التي يطلقها المنافسون للصين بمنطقة غرب أفريقيا، وخصوصاً الولايات المتحدة التي تتخوف من طموحات بكين في إقامة قواعد عسكرية على الساحل الغربي لأفريقيا، بهدف تعزيز حضورها في الطرق البحرية الاستراتيجية وحماية مصالحها واستثماراتها، لا سيما في السنغال وموريتانيا وبوركينا فاسو، إلا أن بعض الدول الأفريقية تبدي ثقة واطمئناناً لعمل الصين في المنطقة، خصوصاً أن تركيزها ينصب على الميدان الاقتصادي والتعاون الثنائي.

وتحاول الصين بشكل خاص الحصول على دعم الدول الأفريقية في الهيئات الدولية في عدة قضايا، مثل تايوان وهونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي. وتمثل أفريقيا كتلة كبيرة في الأمم المتحدة، بحوالى 28 في المائة من الأصوات في الجمعية العامة.

وتضم غرب أفريقيا وحدها 16 دولة. وتسعى الصين إلى استخدام هذه الكتلة لحماية مصالحها الاستراتيجية في النظام العالمي.

في هذا الصدد، قال الباحث الموريتاني محمد سعيد أحمدو، لـ"العربي الجديد"، إن الصين تملك رصيداً كبيرا من الثقة لدى الشعوب الأفريقية، لكن عليها أن تستغله بشكل أكثر نجاعة، فنموذجها التنموي الذي تحاول تصديره يلقى ترحيباً لدى الدول الأفريقية، والاستثمارات الصينية ومشاريع البنية التحتية فرضت نوعاً من الهيمنة على قطاعات مهمة بغرب أفريقيا، كالاتصالات والمعادن والنفط.

وأوضح أحمدو أن نجاحات الصين في غرب أفريقيا هي الميدان الاقتصادي، وما زالت تطمح للوصول إلى مزيد من الموارد الطبيعية بغرب أفريقيا، مثل النفط والمعادن، والترويج أكثر لبيع منتجاتها في السوق الأفريقية التي يزيد عدد سكانها على مليار نسمة.

لكن الباحث الموريتاني انتقد عجز الصين عن مساعدة دول غرب أفريقيا في مجال الدفاع والأمن ومحاربة الإرهاب.

وقال إن على الصين أن تستغل الفراغ الذي خلفه انسحاب الدول الغربية بمنطقة غرب أفريقيا، وألا تتردد في استخدام قوتها الناعمة والسمعة التي تتمتع بها لتحقيق تعاون ثنائي مع الدول الأفريقية بشكل يحقق لهذه الدول الاستقرار والأمن.

وأضاف أن "الصين لا يجب أن تكتفي بطموحها في السيطرة على الميدان الاقتصادي، بل يجب أن تنافس القوى الدولية التي تملك نفوذاً بالمنطقة، وأن تكثف تدخلاتها في الأزمات الأفريقية، خصوصاً التطورات السياسية والإرهاب والأمن".

وشدّد على أن ردود فعل دول وشعوب المنطقة تبقى إيجابية تجاه وجود الصين في غرب أفريقيا على عكس الوجود الغربي، وهذا ما يحتم على بكين مساعدة الدول الأفريقية في أكثر ما تحتاج إليه، وهو الأمن والاستقرار.