الجزائر... في الاستقلال والدولة

الجزائر... في الاستقلال والدولة

07 يوليو 2021
الإخفاقات بسيطة أمام المنجز الكبير وهو الاستقلال (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

يحدث أن يلتفت الجزائريون إلى الماضي، إما بحثاً عن ذاكرة مرصعة بالمجد الثوري والمواقف الخالدة والرموز التاريخية الجديرة بالاحترام، أو أحياناً لمناوشة الماضي السياسي ومحاكمته خارج سياقاته التاريخية، وفي الغالب يثير ذلك الجدل ويشعل المواقف التي يستعر فيها فعل الخصومة الذي يتخذ منطلقات مختلفة؛ سياسية وأيديولوجية ومناطقية أحياناً.
لهذه الخصومات الماضوية أيضاً ما يفسرها ويذكيها في الواقع الجزائري بإكراهاته متعددة الأبعاد. لم يتحقق للجزائريين ما يتطلعون إليه من حرية وديمقراطية وعيش كريم بالقدر الذي يصرفهم عن ذلك. لم تنجز الدولة الوطنية بعد ستة عقود من الاستقلال، مدرسة تكفل تعليماً صحياً للناشئة، أو جامعة تنتج المعرفة، ولم تنجح في تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح والحليب. لم تصنع الدواء ولم تنتج سيارة، ولم تقدم تجربة ديمقراطية ناجحة، بحيث ما زال التزوير الانتخابي فعلاً وفاعلاً في الواقع، لتنتهي الأمور بالنتيجة إلى دفعات من الشباب اليافع الذي يرمي بنفسه إلى البحر بحثاً عن خط هجرة سرية.

كل ذلك حقيقة لا تُنكر، هناك إخفاقات وإخفاقات كبيرة في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نتيجة الخيارات الخاطئة للدولة في مختلف المحطات والمراحل، وبسبب التمركز الخاطئ للقوى الحيوية المحركة لدواليب الدولة، إضافة إلى سياقات وعوامل أخرى. ومع ذلك كله، لا ينبغي إنكار منجزين كبيرين تحققا على مدى تجربة ثورية متراكمة؛ وهما الاستقلال أولاً، وثانياً كينونة الدولة الجزائرية واستعادتها من غياهب التاريخ وموضعتها في الجغرافيا مجدداً، على الرغم مما اعترى ذلك من مصاعب، وتحويلها في ظرف عقد ونصف العقد من الاستقلال إلى دولة تلعب أدواراً متقدمة في الشأن الدولي والإقليمي، خاصة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

فكل تلك الإخفاقات تبدو بسيطة أمام المنجز الكبير وهو الاستقلال. في السياقات التاريخية المعروفة، وبالنظر إلى طموحات المستعمر الفرنسي وخطط التجهيل والتقتيل التي نفذها على مدار 132 سنة، وبالقوة التي كان يتوفر عليها، يصبح استقلال الجزائر معجزة حقيقية وإنجازاً خارقاً، بفضل ثورة تعطي عمقاً تاريخياً مستمراً للدولة الجزائرية، ويصبح وجود الدولة، وهو المنجز الثاني الذي تحقق للشعب الجزائري، بالمعنى الزمني، ليس سهلاً على بلد تعرض للمسخ والتجهيل لأكثر من قرن وربع القرن. فليس سهلاً أن يستعيد البلد في عقود قليلة، قيمه الدينية التي غذت صموده ضد المسخ، ويسترد بالصعوبة التي كانت، اللغة العربية، ويحدث التصالح الحتمي مع الهوية الأمازيغية، وينشئ البنى التحتية الضرورية للتعليم والنقل والصحة والسكن، على ما اعترى ذلك من خلل في التدبير، وينظم القطاعات الحيوية للدولة كالإدارة والقضاء والأمن والجيش، بكل الخلل الكامن فيها، ويتقدم ولو ببطء في مجالات الصناعة والزراعة والثقافة والمعرفة على الرغم من سوء التخطيط وهندسة المستقبل.

منجزان يجب عدم التفريط فيهما؛ الاستقلال والدولة. حدثت الكثير من الأخطاء في ذلك نعم. ما زال عامل الحرية كقيمة عميقة في مشروع الاستقلال، والفعل الديمقراطي كركن أساس في مشروع الدولة وتركيز قيم المواطنة، أموراً مغيبةً في الجزائر بلا شك، ومع ذلك فإن ثمة وصية يجدر استدعاؤها في هذا المقام، آخر وصية للمناضل القومي الكبير الراحل لخضر بورقعة، رجل الثورتين الذي سحلته دولة الاستقلال وسجنته سلطة ما بعد الحراك الشعبي، أن "لا تكرهوا بلدكم مهما كانت الظروف، وتحت أي دافع".