الانتخابات الرئاسية الجزائرية.. لماذا اختفت الشخصيات المستقلة؟

الانتخابات الرئاسية الجزائرية.. لماذا اختفت الشخصيات المستقلة؟

10 مايو 2024
مركز اقتراع في العاصمة الجزائرية بالانتخابات الرئاسية السابقة، 12 ديسمبر 2019 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الجزائر تتجه نحو الانتخابات الرئاسية بمشهد سياسي يخلو من المرشحين المستقلين، مع ترشح الرئيس الحالي عبد المجيد تبون وقادة الأحزاب السياسية وممثلي التحالفات الحزبية فقط.
- تغير في الديناميكيات السياسية والاجتماعية بالجزائر مع عزوف المستقلين عن الترشح للانتخابات الرئاسية، مما يعكس صعوبات لوجستية وسياسية تواجههم.
- غياب المرشحين المستقلين يعود لعوامل مثل الوضع السياسي والإقليمي، القيود على الحريات، والتجارب السلبية السابقة، مما يؤكد دور الأحزاب السياسية ويشير إلى تحديات تواجه التنوع السياسي في الجزائر.

تتوجه الجزائر إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة بلائحة مرشحين، دون أي مرشح مستقل عن الأحزاب السياسية حتى الآن، بخلاف ما كان يحدث في الاستحقاقات الرئاسية السابقة، وهو ما يرجع إلى عدة عوامل وأسباب ترتبط بطبيعة المشهد السياسي والظروف التي تجري فيها الانتخابات المقررة في السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، إذ وبغض النظر عن الرئيس عبد المجيد تبون الذي يقدم نفسه مرشحا باسم المجتمع المدني، سيقتصر المشهد الانتخابي، على مرشحين هم بالأساس قادة أحزاب سياسية أو يمثلون تحالفات حزبية، ويعتمدون بشكل خاص على هيكل تنظيم حزبي يوفر لهم الإسناد خلال عملية جمع التوقيعات وأثناء الحملة الانتخابية التي ستبدأ منتصف شهر أغسطس/ آب المقبل.

ولم تعد الفترة المتبقية عن الاستحقاق الرئاسي كافية لإعلان المستقلين دخول السباق الانتخابي، خاصة مع ما يستحقه الترشح لهذه لانتخابات من ترتيبات وتجهيز سياسي ولوجيستي مسبق، إذ إن الظروف التي تجرى فيها انتخابات سبتمبر/ أيلول المقبل لا تغري أيًا من الشخصيات المستقلة على التفكير في خوض الرئاسيات. وخلال الفترة الأخيرة تحدثت كتلة من النشطاء عن إجرائها محاولات لإقناع رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور بالترشح، خاصة وأن الرجل كان قريبا من إعلان ترشحه في انتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في إبريل/ نيسان 2019 ، قبل أن يندلع الحراك الشعبي في فبراير/ شباط 2019 قبل موعد الانتخابات، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل لكون الظروف القائمة غير مناسبة لطرح ترشحه.

وخلال أغلب الاستحقاقات الرئاسية التي شهدتها الجزائر منذ عام 1995، كان يسجل بشكل لافت حضور الشخصيات المستقلة وغير حزبية ضمن المشهد الانتخابي. ففي انتخابات عام 2014، شاركت عدة شخصيات في الانتخابات بصفة مستقلين، على غرار رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس (حل ثانيا)، ووزير المالية علي بن واري (رفض المجلس الدستوري ترشحه)، ورئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور وكمال بن كوسة (انسحبا لاحقا احتجاجا على انحياز الإدارة). وفي انتخابات عام 2019، عاد علي بن فليس للترشح كشخصية مستقلة، وقبل تلك الانتخابات كانت قد تشكلت مجموعات مساندة مارست ضغوطا على بعض الشخصيات لدفعها للترشح، كما حدث مع رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش قبل انتخابات عام 2019، كما حاول اللواء المتقاعد من الجيش علي غديري المنافسة في الاستحقاق الانتخابي الذي كان مقررًا في إبريل/ نيسان 2019 قبل تأجيله بسبب اندلاع الحراك الشعبي.

في غضون ذلك، يؤكد المحلل السياسي خالد خلاف لـ"العربي الجديد"، أن "الأمر يتعلق بانتخابات رئاسية، وهذا يعني أن الشخصيات التي تقرر دخول الاستحقاق الرئاسي يجب أن تكون بمستوى سياسي معين، والشخصيات المستقلة المعروفة والمكرسة في الساحة، إما استهلكت فرصها كاملة سابقا في الترشح للانتخابات ولم تنجح في تحقيق نسبة تصويت مقبولة، على غرار رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس الذي ترشح في ثلاث مناسبات 2004 و2014 و2019 أو شخصيات أخرى ترى أن الشروط الموضوعية للانتخابات غير متوفرة وبالتي لا يشجعها ذلك على خوض الانتخابات، أو شخصيات تجاوزها عامل السن، لكني أعتقد أن السبب الأساس هذه المرة في غياب مرشحين مستقلين جدين وقادرين على المنافسة، هو طبيعة الظرف الداخلي والإقليمي، حيث إن هناك شبه إجماع لدى الطبقة السياسية سواء المنتظمة أو المستقلة بعدم إمكانية تغيير في الرئاسة في انتخابات 2024".

وتتقاطع آراء عدد من المتابعين للشأن السياسي في الجزائر، بوجود عدة أسباب تقف وراء عزوف الشخصيات المستقلة عن تقديم ترشحها لرئاسيات 2024، أبزرها طبيعة الظرف الداخلي المحيط بالاستحقاق الرئاسي، والذي يجعل منه استحقاقا مغلقا ومحسوما بنتيجته لصالح الرئيس عبد المجيد تبون المتوجه نحو ولاية رئاسية ثانية، إضافة إلى أن حالة القيد المشدد الذي تفرضه السلطة على الشارع السياسي والإعلامي، لا تتيح أية مساحة لبروز خطاب مناقض لتوجهات السلطة، عدا عن أن غالبية الشخصيات المستقلة التي لعبت أدوار في الاستحقاقات الرئاسية السابقة، عانت من تجارب سلبية لا تشجعها على العودة الى المشهد السياسي أو وضع نفسها في السباق الانتخابي.

وقال المحلل السياسي والأستاذ في جامعة الجزائر عبد الحق بن سعدي  لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع السياسي العام لا يشجع على العمل السياسي، خاصة إذا كانت الأحزاب السياسية نفسها عاجزة عن أداء وظيفتها التنافسية والنقدية والتعبوية، فما بالك بالمستقلين.. أعتقد أن الطريقة التي عولج بها الرأي المعارض جعلت الرأي العام يستقبل رسالة سلبية إزاء الحريات العامة بشكل عام، ما أثار تحفظا وتخوفا من دخول المعترك السياسي خاصة بالنسبة للمعارضة وهو عنصر مهم في فهم حالة العمل السياسي في المرحلة الحالية خاصة وأنه يلاحظ أن الاستحقاق الرئاسي المرتقب يجري على غير العادة".

لكن غياب الشخصيات المستقلة عن الانتخابات الرئاسية المقبلة بالنسبة لقراءات أخرى، تبدو سياسيا في صالح المؤسسة الحزبية في الجزائر، وتعيد بحسب بعض المحللين للأحزاب السياسية دورها في المنافسة وتقديم مرشحين وبرامج، بغض النظر عن مدى قدرتهم على منافسة مرشح السلطة.