الاحتلال يعيد الحسابات بشأن العملية العسكرية الواسعة بعد مقاومة جنين

20 يونيو 2023
طيران مروحي إسرائيلي في سماء جنين (Getty)
+ الخط -

دفعت المقاومة التي واجهها الاحتلال في مدينة جنين ومخيمها، أمس، المستوى الأمني والعسكري الإسرائيلي إلى إعادة حساباته بين الإقدام على حملة عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية المحتلة، والاكتفاء بحملة محدودة تركّز على جنين ونابلس، وربما تحسين العلاقة مع السلطة الفلسطينية وحثها على تنفيذ اعتقالات، تخفف من حدة تدخل جيش الاحتلال وتوغله في أرجاء الضفة. 

ويبدو أن دولة الاحتلال لم تتخذ قرارها بعد بشأن الخطوة القادمة، فيما تجنّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته الجنود الذين أصيبوا في جنين أمس، الرد حول ما إذا كان الاحتلال سيشن هجوماً واسعاً في الضفة.

العبوات الناسفة التي انتظرت المركبات العسكرية الإسرائيلية في جنين وتسببت بإلحاق أضرار فيها وإعطابها، وإصابة عدد من الجنود، إضافة إلى تبادل إطلاق النار وعدم قدرة الاحتلال على تخليص جنوده وإخراجهم من جنين، إلا بعد 12 ساعة وبغطاء ناري جوي، كل هذا جعل الاحتلال يدرك أكثر من أي وقت مضى أنه أمام واقع جديد في الضفة الغربية المحتلة، وأعاد إلى الأذهان مشاهد من الانتفاضة الثانية، وأخرى من حي الشجاعية في قطاع غزة، حين وجدت قوات الاحتلال مقاومة قوية، على أثر العدوان الذي شنته عام 2014.

عنصر آخر فاجأ الاحتلال، تمثل في أن المقاومين الفلسطينيين كانوا من الشباب صغار العمر نسبياً، بحسب التقديرات الإسرائيلية.

"لا يلاحق الجنود تنظيمات لها قائد وإنما يركضون خلف الكثير من الناس المسلحين"، قال الصحافي المختص بالشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط إيهود يعاري للقناة 12 الإسرائيلية، أمس الاثنين. 

وفي حديث لنفس القناة قال يسرائيل زيف، قائد العمليات الأسبق في جيش الاحتلال: "هناك عدم تنظيم (لدى المقاومين أمس)، وبالمقابل مستوى عالٍ جداً من المقاومة". 

ولفت زيف إلى أهمية تغيير الاحتلال طريقة تعامله مع الأوضاع في الضفة الغربية، محذراً من أن "إدخال عدد كبير من الجنود (في حملات عسكرية مقبلة) قد يؤدي إلى عدد إصابات أكبر ونتائج سيئة.. نحن لا نريد البقاء هناك".

وبينما جرت العادة أن يتجنب الاحتلال شن عمليات برية في قطاع غزة ويكتفي بالقصف الجوي، إلا أن عكس ذلك يحدث في الضفة الغربية، لكون بنية المقاومة في الأخيرة لا تقارن بتلك الموجودة في غزة. 

إلا أن القائد الأسبق شبّه المَشاهد في جنين، أمس، بتلك التي واجهها الاحتلال في حي الشجاعية في قطاع غزة. وقال: "لا بد من إيجاد حل طويل الأمد، وهذا يجب أن يكون من خلال السلطة الفلسطينية لأننا لا نريد دخول رام الله والبقاء في جنين ولا غيرها".

الواقع يتغيّر

وقال المراسل العسكري للقناة 12، نير دفوري، إن الواقع يتغيّر في شمال الضفة على مرأى إسرائيل، وإن جيش الاحتلال كان يواجه عند اقتحامه مخيم جنين إطلاق نار ومقاومة وإلقاء متفجرات، لكنه واجه أمس، "عبوات ناسفة أكبر مخبأة.. الاحتكاكات (مع المقاومين) تتصاعد خلال عمليات الجيش في الأسابيع الأخيرة، وكذلك كمية النيران وقوة المقاومة".

ويرى دفوري أن ما تفعله المقاومة الفلسطينية، هو محاولة "إلحاق الأذى بعمليات الجيش في مدينة جنين، وردعه عن الدخول لاعتقال مطلوبين"، مضيفاً أنها "تطمح إلى فرض معادلة، تجعل إسرائيل تفكّر ملياً إن كان من المجدي لها دخول المنطقة".

استعداد لاستخدام المروحيات الحربية

وفي ظل الواقع الجديد يقول دفوري، إن جيش الاحتلال يجب أن يغيّر أساليبه وأن يكون "خلاقاً" وأن يفاجئ المقاومين بالدخول بقوة أكبر إلى العمليات. وبرأيه، يتطلب ذلك إدخال قوات بأعداد أكبر و"مستعربين" أكثر. 

وقال إن جيش الاحتلال، وأمام التهديد المتصاعد، بدأ منذ عدة أشهر استعداده لاستخدام المروحيات الحربية في منطقة الضفة الغربية المحتلة.

وخلص إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تدرك أن موعد تنفيذ حملة عسكرية واسعة ضد المقاومة في جنين يقترب، "لأن السلطة الفلسطينية لا تجرؤ على دخول المنطقة لمنع الإرهاب" على حد تعبيره، مشيرا إلى أنها انسحبت كلياً من هذه المهمات، وبالتالي "فإن حملة (عسكرية) من هذا النوع مطلوبة من أجل استمرار عمليات الجيش (في الضفة)".

تحفظ على شن هجوم واسع

أما المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، فيرى أنه على الرغم من ضغوطات الحكومة لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة، فإن جيش الاحتلال لديه تحفظات على ذلك، فيما يدعم جهاز "الشاباك" هذا الاتجاه بحذر، في ضوء ترقية مستوى العبوات الناسفة التي استخدمها المقاومون الفلسطينيون في جنين، وخشية امتداد الأحداث إلى جنوب الضفة الغربية.

وتحاول الحكومة الدفع باتجاه عملية عسكرية في ظل الضغوطات عليها من قبل المستوطنين وقياداتهم وممثليهم في الائتلاف الحكومي عقب عمليات إطلاق النار المتكررة ضد أهداف اسرائيلية، والتي أدت إلى مقتل سبعة مستوطنين منذ بداية العام الحالي.

وأشار هارئيل إلى أن المقاومة ضد عمليات جيش الاحتلال في شمال الضفة والمخيمات اشتدت في الآونة الأخيرة وفي تصاعد مستمر. كما لفت إلى استخدام الفلسطينيين عبوات ناسفة متطورة نسبياً وقادرة على إلحاق ضرر أكبر، فيما ردت إسرائيل بنيران أكثر، إلى حد إطلاق نار من مروحية لأول مرة منذ انتهاء الانتفاضة الثانية عام 2006.  

وأضاف المحلل العسكري في "هآرتس"، أن جيش الاحتلال "مدرك لهذه التطورات المقلقة، وأيضاً للصورة الشاملة في الحلبة الفلسطينية: تأثير رئيس السلطة (الفلسطينية) محمود عباس آخذ بالتراجع، وفعلياً تشهد حركة فتح صراعاً بين عدة متنافسين بشأن وريثه.. السلطة تخشى تفعيل أجهزتها الأمنية في نابلس وجنين، ما يؤدي إلى نشوء تنظيمات محلية لسد الفراغ، كتقليد (عرين الأسود) الذي أقيم في نابلس قبل نحو عام".

وادعى هارئيل أن "حماس تضخ الأموال للتنظيمات المحلية المستقلة في الضفة، وتستثمر في التحريض من خلال وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، على أمل الاستمرار في إشعال الوضع".

وقال إنه بموجب هذه المعطيات، فإن جيش الاحتلال غير متحمّس لبدء عملية واسعة، مضيفاً أن الجيش يعمل في جنين عدة أيام في الأسبوع، وأن تقديرات قادته تشير إلى أن الطريقة الحالية كافية للحد من "العنف" وإبقائه بدرجة يمكن احتمالها. 

وبموجب هذا التوجه، فإن "المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي يوفرها الشاباك وشعبة الاستخبارات تسمح بالتركيز على مجموعات مسلحة دون الانجرار إلى عملية لاحتلال المنطقة، والتي يمكن أن تطول وتتعقد"، بحسب هارئيل.

وأضاف: "لن يؤدي احتلال المنطقة والسيطرة عليها إلى نتائج إيجابية، ولكن سيؤدي إلى تفاقم الأزمة، بطريقة قد تكون لها أيضًا عواقب دولية سيئة".

بالمقابل، أشار هارئيل، إلى أن قلق "الشاباك" نابع في الآونة الأخيرة من تطور العبوات الناسفة التي يستخدمها المقاومون الفلسطينيون، ويخشى أن تتسبب في إيذاء الجنود والمركبات العسكرية وحتى المركبات الإسرائيلية التي تمر في شوارع الضفة الغربية المحتلة.

من جهتها، أشارت صحيفة "معاريف" عبر موقعها الإلكتروني أمس الاثنين، إلى أن جيش الاحتلال يستعد لاحتمال قيام منظمات فلسطينية أو أفراد بتنفيذ عمليات انتقامية ضد أهداف إسرائيلية، عقب توغل الجيش في جنين ومخيمها وارتقاء خمسة شهداء وإصابة العشرات.

وتعززت التقديرات الإسرائيلية بهذا الاتجاه، عقب إصابة جنديين، مساء أمس، قال الاحتلال إنهما تعرضا لعملية دهس في شمال الضفة.
 

المساهمون