استياء من موقف تونس الرسمي من إنشاء مؤسسة مستقلة للمفقودين في سورية

استياء من موقف تونس الرسمي من إنشاء مؤسسة مستقلة للمفقودين في سورية

01 يوليو 2023
اعتبر معارضون لسعيّد أنّ مواقف تونس الرسمية انحرفت عن مساراتها وثوابتها (Getty)
+ الخط -

أثار موقف تونس الرسمي، الامتناع عن التصويت على مشروع قرار لإنشاء الهيئة المستقلة المعنية بالمفقودين في سورية تحت رعاية الأمم المتحدة، حفيظة نشطاء حزبيين ومعارضين للرئيس التونسي قيس سعيّد.

وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس، القرار، بدعم 83 دولة مقابل رفض 11 وامتناع 62 دولة عن التصويت، ومن ضمنها تونس، فيما لم يدعم هذا القرار عربياً إلا دولتا الكويت وقطر.

وشارك في صياغة مشروع القرار كل من لوكسمبورغ وألبانيا وبلجيكا والرأس الأخضر وجمهورية الدومينيكان ومقدونيا، فيما رحب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، بقرار الجمعية العامة.

وقال تورك في تغريدة نشرتها صفحة المفوضية على "تويتر"، إن "المبادرة مطلوبة بشدة، فالعائلات لها الحق في معرفة مصير وأماكن وجود أحبتها بهدف مساعدة المجتمع بأسره على التعافي".

ولحظة تقديمه مشروع القرار أمام الجمعية العامة، أكد مندوب لوكسمبورغ الدائم لدى الأمم المتحدة، أوليفيه مايس، أن "المؤسسة الجديدة ستعمل على التنسيق والتواصل مع كل الأطراف، وستكون نقطة موحدة لجمع ومقارنة البيانات المتعلقة بمصير المفقودين وأماكن وجودهم".

التحاق بمحور الاستبداد

اعتبر معارضون للرئيس سعيّد أن مواقف تونس الرسمية انحرفت عن مساراتها وثوابتها التي كرستها الثورة، الداعمة للديمقراطيات ولحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات والمواثيق الدولية.

وقال وزير الخارجية التونسي الأسبق، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، رفيق عبد السلام، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "موقف تونس سلبي في قضية ذات طابع إنساني، فما الذي يضرّ تونس المبادرة بتشكيل لجنة دولية للبحث عن المفقودين في السجون السورية؟".

وأضاف عبد السلام: "طبعاً الموقف الحقيقي لقيس هو التصويت ضد هذا القرار، ولكن بما أنه يخشى فقدان الدعم الغربي، فقد خيّر الوقوف في المنطقة الوسطى، أي الامتناع عن التصويت".

وشدد على أن "موقف الدبلوماسية التونسية في نهاية المطاف موقف مساند للنظام السوري في التنكيل بمواطنيه اعتقالاً وتعذيباً واختطافاً".

وتابع وزير الخارجية الأسبق بأن "لا تفسير لهذا الموقف إلا كون تونس قيس سعيّد قد التحقت فعلاً بمحور الاستبداد والقمع العربيين، حيث تتضامن أنظمة القمع العربية، ليس دفاعاً عن المصالح العربية المشتركة، ولكن دفاعاً عن قمعها واستبدادها".

وعن علاقة موقف التحفظ عن التصويت بعودة العلاقات مع سورية، قال عبد السلام إنه "بكل تأكيد هناك علاقة، فمزاج قيس سعيّد وتوجهاته لا تختلف كثيراً عن توجهات بشار الأسد في القمع والاعتقال التعسفي مع التخفي خلف شعارات الوطنية والسيادة الكاذبة".

 وأضاف أن "إرجاع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق ليس مجرد إجراء دبلوماسي عادي، بل هو يعبّر عن توجهات قيس سعيّد في معاداة الثورات العربية والتحالف مع القوى التي تقف ضدها".

ورأى أنه "لا شك أن هذا الموقف يعكس تغييراً دبلوماسياً، لقد اختارت تونس بعد الثورة الحفاظ على ثوابت السياسة الخارجية للدولة التونسية مع الانحياز لخيار الشعوب العربية وحقها في التحرر والديمقراطية، ولكن قيس سعيّد بصدد تغيير الدبلوماسية التونسية باتجاه التحالف مع الأنظمة القمعية العربية والقوى الدولية التي تسند هذا التوجه".

 وختم تصريحاته بالقول: "طبعاً، قيس سعيّد يمارس المخاتلة والخداع من خلال التخفي وراء شعارات ثورية، ولكنه في الحقيقة نموذج جديد لديكتاتور عربي مهووس بالسلطة والتسلط، ومستعد أن يفعل كل شيء من أجل حماية قمعه".

من جانبه، اعتبر مقرر لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان السابق، والقيادي بائتلاف الكرامة، زياد الهاشمي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما يفعله رئيس سلطة الانقلاب "يجعلنا نخجل من الانتماء إلى بلاد لم نعد نعرف معالمها، فكل شيء أصبح مسخاً في البلاد بعد الانقلاب، حتى دبلوماسية الدولة".

وأفاد الهاشمي بأن "تخلي تونس عن الثوابت الإنسانية مقابل الفتات من الدعم المالي أصبح سياسة ممنهجة من طرف قيس سعيّد، فقد فعل هذا مع استقبال رسمي لرئيس جبهة البوليساريو (إبراهيم غالي) بعد طلب جزائري، مقابل دعم مالي لميزانية الانقلاب، وفعل الشيء نفسه عندما تملّق لفرنسا ورفض أن يصف استعمارها لتونس بالاستعمار، وقال هي حماية، وكان هذا مقابل دعم فرنسا سياسياً واقتصادياً للانقلاب".

وأضاف: "ثم عندما طبّع العلاقات مع نظام بشار المجرم بضغط جزائري إماراتي، كان أيضاً مقابل الفتات من المال، ومؤخراً فعل الشيء نفسه حيث تعهد لإيطاليا والاتحاد الأوروبي باستيطان المهاجرين الأفارقة في تونس مقابل الدعم المالي".

وأضاف الهاشمي: "اليوم، في انسجام تام مع سياسة بيع المواقف مقابل المال لتفادي الانهيار الاقتصادي وثورة الشعب على سلطة الانقلاب جاء امتناع قيس سعيّد عن التصويت لصالح قرار إنشاء مؤسسة دولية لاستجلاء مصير المفقودين في سورية، وهذا طبيعي جداً ومتوقع منه فلا يمكن أن يدين نظام سفاح سورية".

موقف مؤيد لامتناع تونس عن التصويت

في مقابل ذلك، أكد المتحدث باسم حركة الشعب (مساندة لسعيّد) أسامة عويدات في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "العلاقات الدبلوماسية التونسية السورية عادت لوضعها الطبيعي برجوع العلاقات والتمثيل الدبلوماسي، وبعودتها أصبح هناك تنسيق في عديد النقاط والملفات، وكثير من الملفات ستفتح على غرار التسفير إلى سورية وملف الإرهاب، وسيكون هناك عمل مشترك بين البلدين في هذا المجال".

وبيّن أن "تصويت تونس وموقفها والتحفظ من القرار الأممي لا يعكس تغييراً في مواقف تونس، ولكنه في اتجاه انسجام دبلوماسية تونس مع ما أسست له بعد 25 يوليو 2021، وهو ما يجعل تونس في انسجام مع مواقفها الخارجية وثابتة، وبالتالي إذا أريد فتح هذا الملف فليفتح بين الدولتين".

وتساءل عويدات: "أين كانت الأمم المتحدة من المؤامرة على سورية، وعندما تم تنزيل الدواعش في سورية وما ارتكب من جرائم فيها؟".

ومساء أمس الجمعة، أكد سعيّد في لقائه وزير الخارجية، نبيل عمّار، "ثوابت الدبلوماسية في بلاده" وذكّر بـ"ما ورد في توطئة دستور 25 يوليو 2022 من أن الشعب التونسي يرفض أن تدخل دولته في أي تحالفات في الخارج كما يرفض أن يتدخل أحد في شؤونه الداخلية".

المساهمون