ارتباك وسط فريق الوساطة الدولية لحل أزمة السودان بعد تصريحات بلعيش

ارتباك وسط فريق الوساطة الدولية لحل الأزمة السودانية بعد تصريحات بلعيش

22 يونيو 2022
تظاهرات منددة بانقلاب البرهان (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

أربكت تصريحات رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي في الخرطوم محمد بلعيش، أمس الثلاثاء، بشأن انسحاب الاتحاد من الوساطة الدولية، المشهد السياسي في السودان، خصوصاً جهود حل الأزمة التي خلقها انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رغم أن البعثة عادت ونفت انسحابها.

ونفت بعثة الاتحاد الأفريقي، اليوم الأربعاء، انسحابها من الآلية الثلاثية لتيسير الحوار الوطني في السودان، وذلك بعد ساعات من إعلان انسحابها.

وكان بلعيش قد تحدث خلال مؤتمر صحافي مشترك، الثلاثاء، عقده مع "قوى الحرية والتغيير - مجموعة التوافق الوطني" عن توجهات لدى الاتحاد الأفريقي لتعليق مشاركته في الآلية الثلاثية لتيسير الحوار الوطني في السودان، بسبب "الإقصاء وعدم الشفافية".

ووجدت تلك التصريحات رواجاً كبيراً كما أثارت جدلاً واسعاً، ففيما احتفى بها الحلفاء السياسيون للانقلاب العسكري لجهة أنها تمثل ضربة قوية للمفاوضات التي تجرى بين المكون العسكري وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير برعاية أميركية سعودية، وتستبعد فيها كل القوى السياسية الأخرى، استنكرها آخرون واعتبروها محاولة من الاتحاد الأفريقي لقطع الطريق أمام الدعم الدولي والإقليمي الهادفة إلى إرغام العسكر على إنهاء الانقلاب.

ومن بين الذين عبروا عن ارتياحهم لهذا التصريح رئيس حركة تحرير السودان، وهي إحدى الحركات المسلحة المشاركة في السلطة الحالية، ميني أركو ميناوي.

وكتب ميناوي في تغريدة على "تويتر"، اليوم الأربعاء، قائلاً إن "انسحاب الاتحاد الأفريقي من الآلية الثلاثية، هو انعكاس واضح للموقف من الحوار الثنائي الغامض والذي سيفرض مخرجاته على الشعب".

وأضاف: "الحذر ثم الحذر من إدخال السودان في نفق يستعصي الخروج منه مما يؤثر على كل المنطقة الأفريقية".

في السياق، أشاد مبارك أردول، الأمين العام لقوى الحرية والتغيير، قوى ميثاق التوافق الوطني، وهو تحالف منشق عن الحرية والتغيير وقريب من الانقلاب، بما عده "موقفاً مشرفاً" من الاتحاد الأفريقي.

وقال في تدوينة على "فيسبوك"، معلقاً على تصريح بلعيش، إنه "يشبه أفريقيا التي ظلت تناضل من أجل احترام الإرادة والسيادة الوطنية لدول الاتحاد"، مستنكراً ما سماه "المحاولات المكشوفة لتزوير إرادة السودانيين في الحوار، وخلق منابر موازية لن تقود إلا لمزيد من تعقيد الأزمة السياسية في البلاد".

واستطرد "تعطيل الحوار الشامل الذي يجمع كل الأطراف والانزواء في حوار دكاكيني لن يفلح من يرعونه في أن يفرضوه على شعبنا".

وبخلاف التحالفات القريبة من الانقلاب، فقد وجد الموقف استهجاناً واسعاً واعتبره كثيرون محاولة من الاتحاد الأفريقي لقطع الطريق أمام الدعم الدولي والإقليمي الهادف إلى إرغام العسكر على إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة لحكومة مدنية.

تحالف قوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي المناهض للانقلاب، من جانبه، أصدر بياناً دان فيه تصريحات محمد بلعيش وأعلن رفضه لها، مطالباً الاتحاد الأفريقي بتصويبها.

وجاء في البيان أن "بلعيش ظهر في الزمان والمكان الخطأ، ولم يراعِ حيادية واستقلال الاتحاد الأفريقي كواحد من مسهلي العملية السياسية".

وأضاف "في حين تحدث بلعيش عن ضرورة عدم الإقصاء فإن المنصة التي تحدث منها أحاطت بها شخصيات معلوم دورها في دعم الانقلاب"، متسائلاً "فعن أي إقصاء يتحدث السفير بلعيش؟".
 
وأكد البيان على أهمية الآلية الثلاثية والدور الذي يلعبه الاتحاد الأفريقي ضمنها، وعلى أهمية البلدان الأفريقية والعربية والمجتمع الدولي في دعم مجهودات السودانيين للوصول لحل سياسي ينهي الانقلاب ويحقق غايات الثورة.

وتأتي ردود الفعل هذه رغم أن البعثة الأفريقية عادت ونفت انسحابها من الآلية الثلاثية التي تشرف على عملية الحوار في السودان.
 
وأوضحت في بيان لها أن رئيس البعثة محمد بلعيش أشار في مؤتمره الصحافي، أمس الثلاثاء، إلى أن الاتحاد الأفريقي لن يحضر بعض الأنشطة فقط بسبب عدم الشفافية، وأن حديثه لم ينقل بالدقة الكافية.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي عبد الله رزق أن مواقف الاتحاد الأفريقي الأخيرة تأتي في سياق مواقف سابقة داعمة للانقلاب العسكري ومحاولة لشرعنته بما يخالف حتى المبادئ التي تأسس عليها الاتحاد.

وأضاف رزق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاتحاد صمت على الانقلاب العسكري في السودان، ولم يفرض أي عقوبات مثلما تجاهل الانقلاب العسكري في تشاد المجاورة، مشيراً إلى أن تلك المواقف تخالف مواقف بلدان المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا التي فرضت عقوبات على 3 انقلابات عسكرية في كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري.
 
وأشار إلى أن الاتحاد قلق من الضغوط الأميركية على عسكر الانقلاب في السودان لتسليم السلطة لقيادة مدنية، لا سيما أن الاتحاد يريد أن يفرض بقاء العسكريين كشركاء في السلطة مثلما فعل في العام 2019 حينما بعث بمحمد الحسن ود لباد ليكون جزءا من التفاوض.

وذكر أن الاتحاد صمت أثناء الخلافات بين المدنيين والعسكريين خلال الفترة الانتقالية السابقة ولم يتخذ إجراءات صارمة بعد انقلاب 25 أكتوبر، وتدخل فقط بعدما شعر بتدخلات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الآونة الأخيرة. 

في غضون ذلك، تواصلت اليوم، الأربعاء، التظاهرات السلمية المنددة بحكم العسكر بعدد من أحياء العاصمة الخرطوم. وفي منطقة بري، شرق الخرطوم، شهدت المنطقة مواجهات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين أدت إلى وقوع عدد من الإصابات فضلاً عن احتراق 5 منازل بسبب عبوات الغاز المسيل التي ألقتها الشرطة.

في المقابل، أصدر تجمع المهنيين السودانيين بياناً جدد فيه رفضه المطلق للعملية السياسية وللتسوية مع العسكر، مستنكراً ما سماه الحركة المحمومة من جهات دولية وإقليمية ممثلة في الولايات المتحدة والسعودية والآلية الثلاثية لإيجاد حلول تغيير تضمن حماية مصالحها في السودان والمنطقة.

وقال إن "شركاء اللجنة الأمنية من أحزاب التسوية الخاضعة للإملاءات الدولية والإقليمية والمحاور قد اختاروا الجلوس على مائدة التفاوض مع العسكر وتجاوز الشارع الرافض للتفاوض المباشر وغير المباشر".

وعد التجمع ما يجري على الساحة الآن أنه يمثل طريق الخذلان والتجاهل المتعمد لأهداف الثورة ومطالبها الواضحة، وأن أحزاب التسوية قبلت بشراكة الدم مع العسكر، مراهناً على وعي الشارع المتقدم بكشف ألاعيب إيقاف الثورة عند محطة التسوية مع العسكر. 

وفي 8 يونيو/ حزيران الحالي، انطلقت في الخرطوم عملية الحوار المباشر برعاية أممية أفريقية، لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، وفي 12 من الشهر ذاته أعلنت "الآلية الثلاثية" تأجيل جولة الحوار الثانية إلى موعد يحدد لاحقاً.

ومنذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي وترفض إجراءات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الاستثنائية التي يعتبرها الرافضون "انقلاباً عسكرياً".