إشارات قلق وبلبلة أميركية حول تطورات حرب غزة ومشتقاتها

15 يناير 2024
تزايد سقوط الضحايا وارتفاع منسوب المجاعة في غزة بعد عودة بلينكن إلى واشنطن (Getty)
+ الخط -

عادة عندما تحصل استقالات أو تتسرب معلومات عن مغادرة قريبة لمسؤولين كبار وسط أزمة خطيرة مثل الحرب على غزة، يكون ذلك بمثابة مؤشر على وجود خلافات داخلية تعذّر حلها، وربما انتهى إلى الاستقالة.

غالبا لا يغادر كبار المسؤولين مواقعهم في ظروف حرجة، كما هو في الوقت الراهن، ما لم يكن بين صنّاع القرار فجوة واسعة يستعصي سدّها، سواء في مقاربة الأزمة أو في صياغة السياسات المتعلقة بها، وإلى حد يستدعي الانصراف.

أمس الأحد، سرت معلومة عن استقالة المبعوث الخاص لشؤون المعونات الإنسانية في حرب غزة، دافيد ساترفيلد، في غضون "الأسابيع القادمة". كما كشفت مصادر أخرى عن أن المبعوث الخاص لشؤون المناخ، الوزير السابق جون كيري، ينوي هو الآخر ترك منصبه خلال "الأسابيع القريبة". وفي الحالتين لم يصدر أي نفي حتى كتابة هذه السطور. كما يبدو أن تزامنهما لا يبدو صدفة وفي هذا الوقت بالذات.

 قضية ساترفيلد يمكن التوقف عندها أكثر، لجهة أن خطوته تأتي مترافقة مع التحذيرات التي ما برحت تطلقها الأمم المتحدة بأن غزة باتت تواجه المجاعة بسبب شح المعونات الإنسانية والبطء في توزيعها. وليس خافياً أن ذلك يعود إلى العراقيل المفتعلة على المعابر بحجة تفتيش الشاحنات. وهذه مسألة تتعاطى معها الإدارة منذ أسابيع بأقل من الجدية اللازمة. فهي طالما اكتفت بتكرار نفس الوعود المملّة بأنها "على تواصل يومي مع إسرائيل لتسريع وصول المساعدات إلى غزة". تماماً كما يتكرر خطابها بشأن "حماية المدنيين وضرورة انتقال إسرائيل إلى مرحلة أخف ناريا" في عملياتها العسكرية في غزة.

 تأكيدات الإدارة على هذا الخطاب الخاوي صارت مفضوحة؛ بحيث صارت تبدو وكأنها تخفي التواطؤ الضمني مع حكومة نتنياهو. في كل محطات زيارته الأخيرة إلى المنطقة، وعد الوزير بلينكن بالعمل على ترجمة هذه الوعود. لكنه عاد قبل يومين من غير جديد بشأنها.

 التقارير وخاصة الدولية تحدثت بعد وصوله إلى واشنطن، عن تزايد سقوط الضحايا واشتداد العمليات العسكرية الإسرائيلية وارتفاع منسوب المجاعة. واقتصر رد الإدارة على تعبيرات من نوع أن الرئيس بايدن "بدأ صبره ينفد من نتنياهو"! في حين أن صبر البيت الأبيض على حرب إسرائيل لا حدود له. ليس فقط لتمكينها من ممارسة "حق الدفاع عن نفسها"، بل أيضا من القيام "بواجبها في مواصلة عملياتها العسكرية لضمان عدم تكرار 7 أكتوبر". وبذلك أعطيت إجازة بسقف زمني مفتوح استقوى به نتنياهو في خطابه أمس بمناسبة مرور مائة يوم على الحرب، ليعلن أن إسرائيل ماضية في الحرب "ولن يوقفها أحد" عن مواصلتها.

والإدارة الأميركية من جهتها أعطت إشارات في هذا الاتجاه. الوزير بلينكن أصدر بيانا مساء أمس الأحد بهذه المناسبة، اقتصر على قضية الأسرى الإسرائيليين فقط، من دون أي إشارة ولو عن الأوضاع الإنسانية في غزة. كما عمد هو وغيره من المسؤولين إلى التقليل من أهمية دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، باعتبارها "غير بناءة وبلا جدارة" كما وصفها الناطق جون كيربي، وأنها "غير جديرة بالاهتمام" على حد تعبير بلينكن.

 بيد أن المسألة استأثرت بأضواء لا يستهان بها واحتلت العناوين في الصفحات الأولى، كما في بعض الردود التي توقفت عند "حيثياتها المتماسكة"، التي أبرزتها مرافعات الفريق القانوني لجنوب أفريقيا.

لكن الإدارة تتصرف من موقع الإنكار، ليس فقط في موضوع الدعوى فحسب، بل أيضا بخصوص الوضع في البحر الأحمر، والذي بدا أقرب إلى المواجهة منه إلى الردع، الذي حصرت دورها في حدوده منذ بداية الأزمة.

 من المآخذ أن الضربة أعطت الحوثيين المزيد من التأييد في اليمن والمنطقة. إضافة إلى أنها دفعت بالوضع أكثر نحو حافة الهاوية. وثمة من يستبعد أن تكون للعملية مردودات رادعة، باعتبار أن "القصف الجوي لم يقو طوال العقد الماضي على إضعاف الوضع العسكري للحوثيين".

لكن في المقابل، حظي قرار التصعيد بدعم جهات كثيرة، خاصة في أوساط الصقور، الذين يشددون على وجوب التعامل مع الحوثيين "كتهديد استراتيجي" يفرض التعاطي معه على هذا الأساس ومن باب أنه "جزء من المحور الإيراني" (كينيث بولاك - أميركان انتربرايز انستيتيوت) وغيره من الأصوات في خندق المحافظين الذين يأخذون على الرئيس بايدن "مراهنته الواهية على الدبلوماسية" في العلاقة مع طهران، وبالتحديد ملفها النووي. 

تحذيرات من عقاب بايدن في الانتخابات بسبب العدوان على غزة

تمادي إسرائيل في غزة وامتناع الإدارة الأميركية عن كبحها ودفع الردع الأميركي إلى حدود تمديد مسرح الاشتباك ولو المتقطع، أثارا الجدل حول الاحتمالات بقدر ما حملا قيادات محسوبة على الرئيس من الديمقراطيين وغيرهم، على لفت البيت الأبيض إلى مخاطر هذه السياسات على حملته الانتخابية.

 السناتور بيرني ساندرز تولى، أمس الأحد، تذكير بايدن وبلغة التحذير من تبعات ابتعاد شريحة واسعة من "الجيل الصاعد عنه، والميل إلى امتناعهم عن التصويت في الانتخابات ردا على دعمه غير المحدود لإسرائيل" التي تخوض حربا "غير قانونية ولا مشروعة" على حد تعبيره.

ويذكر أن الأضواء تسلطت على هذا الاحتمال في الردود التي تناولت التظاهرة الحاشدة، السبت، في واشنطن، والتي شارك فيها آلاف من العرب والأميركيين ومنهم يهود جاؤوا من ولايات عديدة، وبالتحديد من تلك التي ستلعب دور بيضة القبان في هذه الانتخابات، مثل ولاية ميشيغن، والتي رفعت فيها يافطات ضد بايدن مع التوعد "بمحاسبته" في 5 نوفمبر القادم. والتلويح بهذا الموقف الجدّي ولا يتحمله وضع بايدن الانتخابي المتثاقل. وما أعرب عنه السناتور متداول في أوساط الديمقراطيين وعلى نحو لا يخفى معه الهلع في صفوفهم. بايدن ذهب إلى المنطقة لتطويق الحرب فصار مطوقا بها.

المساهمون