يخشى الاحتلال الإسرائيلي وقوع المزيد من العمليات في الضفة الغربية المحتلة، وحتى في العمق الإسرائيلي، ضد المستوطنين وأهداف إسرائيلية، على غرار عملية أمس الثلاثاء، قرب مستوطنة "عيلي" الواقعة بين مدينتي نابلس ورام الله، والتي أدت إلى مقتل أربعة مستوطنين، وإصابة أربعة آخرين، واستشهاد المنفذين.
وجاءت هذه العملية بعد يوم واحد من توغل جيش الاحتلال في جنين ومخيمها، وقتله ستة فلسطينيين وجرح العشرات، ودفعت قائد هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي إلى الإيعاز بتعزيز قوات الاحتلال في أرجاء الضفة الغربية بوحدات عدة، مستدعياً كتائب إضافية، بحيث بدأ الجنود بالانتشار على عدة محاور وفي عدة مناطق ابتداءً من الليلة الماضية، فيما يدرس الاحتلال خطواته المقبلة في الضفة، وسط انقسام بالرأي بشأن الشروع في عملية عسكرية واسعة، أو اعتماد خطط أخرى.
وأوعز هليفي، في جلسة لتقييم الوضع أمس، بممارسة الضغط على الأماكن التي يوجد فيها ناشطون فلسطينيون، من خلال الاعتقالات وزيادة المراقبة على الشبكات الاجتماعية، التي شهدت دعوات فلسطينية لتنفيذ المزيد من العمليات.
بالإضافة إلى ذلك، أوصى جيش الاحتلال بتعزيز قوات الشرطة في نقاط التماس بالضفة الغربية، بما في ذلك عند العديد من المفارق وفي منطقة حوارة، جنوب نابلس، التي شهدت الليلة الماضية اعتداءات من قبل مستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم.
وفي هذا السياق، يرى المحلل العسكري والأمني في موقع "والا" أمير بوحبوط، أنّ "القلق الإسرائيلي لدى الجهات الاستخباراتية يكمن في المخاوف من عمليات فردية أخرى، تحاكي العملية التي نُفذت أمس"، كاشفاً أنّ "هذا ما طرحته الأجهزة الأمنية على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال الجلسة التي بادر إليها لتقييم الأوضاع". كما حذرت أجهزة الاستخبارات من أنّ "الجريمة القومية في الضفة الغربية قد تشعل الوضع"، في إشارة إلى اعتداءات المستوطنين المتكررة على الفلسطينيين، على غرار ما حدث الليلة الماضية في حوارة.
ووفقاً لبوحبوط، عرض مسؤولو المخابرات على نتنياهو الطريقة الجديدة لعمل حركة "حماس"، "وكجزء من ذلك، لم يعد القادة الميدانيون والمسؤولون في المقرات الرئيسية في غزة وخارجها يبذلون جهداً لتجنيد النشطاء، بل يقومون بدلاً من ذلك بتمويل مجموعات محلية، من دون أن يطلبوا منها الالتزام أو اجتياز عملية تدريب. طريقتهم بسيطة: التمويل وتزويدهم بالأسلحة والذخيرة - مقابل القيام بعمليات. هذه الطريقة تزيد الصعوبات أمام أجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية)، في تعقب الأفراد، مثلما حدث في عيلي".
تهدئة موقتة
من جهته، يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل إنّ أي عملية عسكرية في الضفة ستقود إلى تهدئة موقتة أيضاً في صفوف اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ويرى هرئيل أنّ العملية قرب "عيلي" هي "عملية مباشرة من قبل حركة حماس، التي وجهت هدفها نحو الخاصرة الرخوة، نحو الحركة في الشوارع بين المستوطنات"، ويشير إلى أنّ المستوى السياسي يحاول الدفع باتجاه ردّ واسع على أحداث جنين الأخيرة، التي تورط فيها جنود الاحتلال، لكن الأجهزة الأمنية تفضل عملية محدودة، حتى لو سوّقتها للجمهور على أنها "حارس الأسوار 2".
ويقدّر هرئيل بأنّ الأجهزة الأمنية ستطلب الاكتفاء بعملية محدودة، تهدف إلى تهدئة موقتة في الميدان، وأيضاً إلى تهدئة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يطالب أقطابه بعملية عسكرية واسعة.
ويلفت هرئيل إلى أنّ معظم العمليات التي وقعت في الضفة الغربية وداخل مناطق الخط الأخضر لم ينفذها أعضاء في منظمات ولكن أفراد أو أعضاء في "خلايا محلية"، مثل "عرين الأسود" في نابلس، و"أبناء المخيم" في جنين.
ويزعم المحلل العسكري أنّ "هذه التنظيمات تتلقى دعماً من الخارج، من حماس وأحياناً من إيران وحزب الله. وهذه المرة تبدو كعملية لحماس ذاتها".
ويضيف أنّ نتنياهو يجد نفسه في وضع غير مريح، من جهة بسبب الضغوطات التي يمارسها عليه شركاؤه في اليمين، أمثال الوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، للخروج في عملية عسكرية واسعة، وقد صرّحوا بذلك في أكثر من موقف، ومن جهة أخرى تذكّره المعارضة بتصريحاته ضدها حين كانت هي التي شكّلت الحكومة ووقعت عمليات في فترتها.
وفي الوقت عينه، يقول هرئيل إنّ قيادة جيش الاحتلال "تمكّنت عدة مرات من إقناع الحكومتين، الحالية والسابقة، بالاكتفاء بحملات اعتقالات تستند إلى معلومات استخباراتية من أجل منع انتشار العنف. ولكن الآن وعلى خلفية تصاعد الإرهاب والتوتر في الحلبة السياسية، يبدو أن ثمة حاجة لشيء مختلف"، على حدّ تعبيره.
ويخلص المحلل العسكري في "هآرتس" إلى أنه "في نهاية المطاف، حتى لو قُتل مسلحون واعتُقل مئات المشتبهين الآخرين، فإنّ ما يمكن لقوات الأمن أن تتمناه هو تهدئة موقتة. مزيج الظروف الحالية، من حكومة يمينية متطرفة تعتمد على المستوطنين ومقابلها نظام فاشل وضعيف للسلطة الفلسطينية، لا سيما في شمال الضفة الغربية، لا يمكن أن يؤدي إلى الاستقرار".
أما الصحافي يوآف ليمور، فيعتبر في تقرير لـ"يسرائيل هيوم"، اليوم الأربعاء، أنّ مبادرة نتنياهو أمس لعقد جلسة تقييم أمنية بعد العملية، مع قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، "ليست وليدة الصدفة، ولكنها مؤشر إلى أنّ الحديث (هذه المرة) لا يدور عن تقييم عادي، وإنما جلسة طارئة من أجل اتخاذ قرارات لعملية ميدانية".
ويشير ليمور إلى أنّ الأجهزة الأمنية تفحص منذ أشهر طويلة احتمالات تنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، ويوضح أنّ أسباب ذلك تعود إلى العمليات المتكررة ضد أهداف إسرائيلية، وكميات السلاح الكبيرة المنتشرة في الضفة، وفقدان السلطة الفلسطينية السيطرة عليها.
ويوضح ليمور أنّ الأمر الوحيد الذي يحول حالياً دون تنفيذ حملة واسعة، هو نجاح جيش الاحتلال وجهاز "الشاباك" بإحباط 375 عملية ضد أهداف إسرائيلية منذ مطلع العام.
انقسام بالرأي
بدورها، ذكرت الصحافية للشؤون العسكرية والأمنية في "يسرائيل هيوم" ليلاخ شوفال، اليوم الأربعاء، أنّ قضية تنفيذ عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية موجودة على طاولة وزير الأمن يوآف غالانت، ولكن يوجد في الأجهزة الأمنية انقسام بالرأي بشأن الحاجة لها أو جدواها.
وترى المحللة أنّ الضغوطات تزداد للقيام بمثل هذه العملية، وأنه "لا بد منها في نهاية المطاف، ويُفضل القيام بها قبل ازدياد عدد المصابين في إسرائيل"، مشيرة إلى أنّ بعض الجهات في الأجهزة الأمنية والعسكرية تدعم هذا التوجه.