أزمة بوراوي.. هل تنتظر الجزائر رداً فرنسياً على مذكرة الاحتجاج؟

أزمة بوراوي.. هل تنتظر الجزائر رداً فرنسياً على مذكرة الاحتجاج؟

13 فبراير 2023
تبون وماكرون في الجزائر خلال الزيارة الأخيرة في أغسطس/آب الماضي (Getty)
+ الخط -

ما زال التريث قائما في الجزائر حيال التوصل برد رسمي من قبل السلطات الفرنسية بشأن مذكرة احتجاج كانت سلمتها الخارجية الجزائرية إلى باريس، لتقديم توضيحات على خلفية ما تصفها الجزائر بأزمة "إجلاء غير قانوني للناشطة الجزائرية أميرة بوراوي من تونس إلى فرنسا"، في ظل تصاعد الاتهامات الجزائرية الرسمية، السياسية والإعلامية، لجهاز المخابرات الفرنسية ولوبيات نافذة في باريس بالتورط في نسف المسار الجديد لبناء العلاقة بين البلدين، وتحييد الرئيس إيمانويل ماكرون في هذه الأزمة.

واعتبرت السلطات الجزائرية اضطلاع المصالح الفرنسية بإجلاء رعية جزائرية مطلوبة للقضاء الجزائري، من تونس إلى ليون الفرنسية، تدخلًا ومساسًا بالسيادة الوطنية، واستدعت على إثره سفيرها سعيد موسي من باريس للتشاور، وأبلغت الجانب الفرنسي مذكرة احتجاج رسمية.

وعلى الرغم من إلغاء اجتماع كان مبرمجا قبل الأزمة بين مسؤولين أمنيين جزائري وفرنسيين، وتجميد أنشطة في داخل الجزائر كانت مؤسسات فرنسية شريكة فيها، كالمركز الثقافي الفرنسي، فإن الجانب الجزائري يدرس في الوقت الحالي تطوير للموقف بما يتناسب مع رد باريس.

وإذا كان الرد الأولي لباريس صدر عن المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فرانسوا ديلماس، الذي قال في تصريح صحافي، الجمعة الماضية، إن فرنسا تصرفت في قضية بوراوي بشكل إجرائي، باستفادتها من الحماية القنصلية مثل جميع المواطنين الفرنسيين، وأن "سحب السفير هو قرار جزائري، لكن بالنسبة لنا، نعتزم مواصلة العمل على توطيد علاقاتنا الثنائية بشراكة متجددة"، فإن الجزائر لا تبدو مستعجلة بانتظار رد عبر القنوات الدبلوماسية من باريس على مضمون المذكرة التي سلمت الأربعاء الماضي إلى السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غوييات، قبل أن تتخذ قرارات جديدة تخص العلاقات مع باريس.

وقياسا على أزمة أكتوبر 2021، والتي تسببت فيها مجرد تصريحات من الرئيس الفرنسي ووزير داخليته، باستدعاء سفيرها للتشاور وإغلاق مجالها الجوي في وجه الطائرات العسكرية، فإن تطور الموقف الفرنسي إلى ما وصفته الجزائر "بسلوك غير ودي وغير مقبول وانتهاك للسيادة الوطنية"، يؤشر على أن الجزائر لن تكتفي بالإجراءات الدبلوماسية المعلنة، ما لم يصلها رد وتفسيرات سياسية واضحة من باريس، على الرغم من أن الرد على مذكرات الاحتجاج في مثل هذه الحالات -بحسب دبلوماسيين تحدث إليهم "العربي الجديد"- "ليس أمرا إلزاميا في العلاقة بين الدول، لكنه يمثل نوعا من مستويات الاحترام بين الطرفين".

ما يفسر هذا التريث الجزائري، هو كون البيانات والمواقف الرسمية الجزائرية، تُحمّل حتى الآن جهاز المخابرات الفرنسية. وفي السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية توفيق بوقاعدة، لـ"العربي الجديد"، "أعتقد أن الموقف الجزائري موجه ضد المخابرات الفرنسية والمجموعات النافذة السياسية والإعلامية التي تستخدمها، في تقديري فإن ذلك هو محاولة من الجزائر لعزل تدخل المؤسسة الأمنية الفرنسية في مسار العلاقات الجزائرية الفرنسية"، مضيفا "هذا يعني أن السلطة الجزائرية تريد أن تقول، نحن على وئام دائم مع السلطة السياسية الفرنسية ممثلة في ماكرون، لكن هناك مؤسسات فرنسية تحاول العبث بالعلاقات، كما أن السلطة الجزائرية تريد بذلك رفع الحرج على ماكرون، لتصبح خصومتها الأساسية مع الأجهزة المتدخلة في السياسات الفرنسية، وهذا يعني أنها توجه رسال واضحة إلى ماكرون تفيد بأن الجزائر لا تريد أن تتراجع عن تفاهمات أغسطس 2022 (التي تم التوقيع عليها خلال زيارة ماكرون إلى الجزائر)، وهذا في حد ذاته إبقاء صريح لمخرج وخط رجعة ممكن للأزمة الجديدة".

وتذهب تفسيرات سياسية أخرى، إلى اعتبار أن الأزمة، وإن كانت أسبابها المباشرة، مرتبطة بحالة فردية ليست ذات قيمة سياسية أو أمنية بالنسبة للجزائر، فإنها تمثل اختبارًا مناسبًا يكشف مدى إمكانية التزام الجانب الفرنسي بالمحددات الجديدة والتفاهمات التي تمت لبناء علاقة جديدة تخدم مصالح الطرفين، وتغيير أسلوب التعاطي الفرنسي مع القضايا ذات الصلة بالجزائر، خاصة في ظرف تغيرت فيه نسبيا موازين التفاوض، وتحولت فيه الجزائر إلى وضع مريح يسمح لها بتعداد شراكاتها، في مقابل تراجع الأهمية الفرنسية بالنسبة للجزائر سياسيا واقتصاديا.

ويقول الكاتب المتخصص في السياسات والعلاقات الدولية علي لكحل، لـ"العربي الجديد": "نظريا الناشطة بوراوي ليست شخصية مهمة بالنسبة للجانب الجزائري، ورغم ذلك، فإن السلوك الفرنسي أعطى دليلا بتصرفه لمصلحتها على حساب احترام العلاقات بين البلدين بأن باريس ليست مستعدة تماما لإنجاز المسار الجديد للعلاقات مع الجزائر، وفقا للمحددات المتفق عليها، وأن هناك أطرافا يمينية كانت مهتمة بتفجير العلاقة الجديدة، لأنها تحقق للجزائر استحقاقات مهمة"، مضيفا "أعتقد أن المسألة تتجاوز القضية الشخصية إلى حسابات مصالح داخل مراكز السلطة والتأثير في فرنسا، وهذا الذي يفسر سلسلة تصريحات مستفزة ضد الجزائر، خاصة من قبل السفير الفرنسي السابق في الجزائر والمدير السابق لجهاز المخابرات الفرنسية، والتي قال فيها إن الجزائر ستقود فرنسا إلى الانهيار".