تطالب أحزاب سياسية جزائرية فائزة في الانتخابات النيابية المبكرة التي جرت في 12 يونيو/حزيران الجاري، بتشكيل حكومة سياسية بخلاف الحكومات التي كان يغلب عليها طابع التكنوقراط، والتي يُعتبر أنها لم توفق في حلّ أزمات البلاد، وخصوصاً أن تجربة الحكومة المستقيلة بقيادة عبد العزيز جراد، أظهرت بشكل واضح عجزاً كبيراً في التعاطي مع الأزمات الداخلية.
وعزز التقييم السلبي بالنسبة لمجموع الأحزاب السياسية لأداء حكومة جراد، والإخفاق اللافت للوزراء التكنوقراط الذين استند إليهم الرئيس عبد المجيد تبون في تشكيل أول حكومة له، من دوافع الأحزاب السياسية للمطالبة بحكومة سياسية.
ويدفع حزب "جبهة المستقبل"، الذي حلّ خامساً في الانتخابات، في اتجاه تشكيل حكومة سياسية موسعة. وقال المتحدث باسم الجبهة رؤوف معمري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحزب يتبنى فكرة تشكيل حكومة سياسية يكون فيها دور للرجل السياسي الحامل لتصورات تتجاوز طريقة عمل التكنوقراط، ويكون فيها للأحزاب والسياسيين دور أكثر فعالية في صياغة الخيارات والحلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مقارنة بالحكومات التكنوقراطية التي جربتها الجزائر خلال العقود الماضية، من دون أن تحقق أي نتائج للتنمية.
وأكد معمري، الذي حصل حزبه على 48 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، أن "الجزائر جربت الحكومات التكنوقراطية في الفترة السابقة، ولم تكن لها الفعالية المطلوبة في الواقع الجزائري، وهذا ما يفرض الذهاب إلى حكومة سياسية موسعة، قادرة على إيجاد الحلول ومواجهة الأزمات الحادة التي تستدعي مشاركة كل القوى السياسية لتجاوزها وخفض تعقيداتها"، معتبراً أن الوجود الحيوي للكوادر والكفاءات السياسية داخل الحكومة مهم وضروري، لأنها تعطي للأحزاب فرصة تحمل المسؤولية السياسية المنبثقة عن الانتخابات، وإسناد عمل الحكومة واقتراح البدائل الممكنة.
عزز التقييم السلبي لأداء حكومة جراد، والإخفاق اللافت للوزراء التكنوقراط الذين استند إليهم تبون في تشكيل أول حكومة له، من دوافع الأحزاب السياسية للمطالبة بحكومة سياسية
وإضافة إلى موقف "جبهة المستقبل"، دعا أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، حركة "مجتمع السلم"، أمس الخميس، إلى تشكيل حكومة موسعة تشارك فيها كل القوى السياسية، تحقق مطلب التوافق الوطني، بعنوان الوحدة الوطنية، يتوفر لها حزام سياسي واجتماعي واسع، يمكّنها من تحقيق الاستحقاق الأهم للمواطنين والبلد، المتعلق بالتنمية الوطنية. وتتبنى حركة "البناء الوطني" فكرة حكومة سياسية بديلة لما يوصف بحكومات الكفاءات، وخصوصاً أن الحركة تُعدّ من أكثر الأحزاب انتقاداً لأداء الحكومة الحالية، منذ تشكيلها في يناير/كانون الثاني 2020.
وقال رئيس حركة "البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة، في آخر تصريح صحافي له عقب إعلان نتائج الانتخابات النيابية، إن الحركة تدعم فكرة تشكيل حكومة كوماندوس سياسي موسع، يتولى تنفيذ برنامج أولويات سياسية واقتصادية.
ويبدأ الرئيس عبد المجيد تبون، غداً السبت، جولة مشاورات مع قادة الأحزاب الفائزة في الانتخابات النيابية المبكرة بشأن الحكومة الجديدة، حيث سيستقبل الرئيس تبون توالياً أمين عام "جبهة التحرير الوطني" أبو الفضل بعجي، ورئيس حركة "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، ومنسقاً عن كتلة المستقلين، وأمين عام "التجمع الديمقراطي" الطيب زيتوني، ورئيس "جبهة المستقبل" عبد العزيز بلعيد، ورئيس حركة "البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة.
وبرأي بعض المحللين، فإن رغبة الأحزاب في تشكيل حكومة سياسية غير تكنوقراطية مرتبطة بمسألتين، الأولى رغبة هذه الأحزاب في ضخ المزيد من كوادرها داخل الجهاز الحكومي بما يتيح لها تدريب كوادرها على تسيير القطاعات الحكومية، ومن جهة ثانية الاقتراب أكثر من مصادر صنع القرار والمشاركة بفعالية في إدارة شؤون البلاد.
لكن المحلل السياسي عبد الحكيم مسعود يعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحالة الجزائرية جاهزة لتشكيل حكومة سياسية بمفهوم المشاركة بحكم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، ولكن ليس بمفهوم الشراكة الحقيقية في الحكم وصياغة الخيارات الحكومية.
وقال مسعود إن "السلطة ليست جاهزة في الوقت الحالي لتسليم الحكومة والوزارات الحيوية للأحزاب السياسية، حتى ولو توفرت لديها الكفاءات السياسية القادرة على إدارتها بشكل أكثر فعالية، وظروف ومعطيات إدارة الحكم في الجزائر ما زالت غير ناضجة لتشكيل حكومة سياسية بالمعنى الواسع الذي يعطي للأحزاب الفائزة حق تقاسم الحقائب الوزارية، لذلك سوف نشهد قيام حكومة مختلطة، يحاول فيها الرئيس تبون المزاوجة بين التمثيل الحزبي والسياسي وبين الكفاءات المستقلة، وأعتقد أن هذا فقط ما تسمح به الحالة الجزائرية".