قلعة سلفيّة

13 نوفمبر 2014

سلفيون أردنيون يتظاهرون في العاصمة عمان (13مارس/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

كانت الحركة الإسلامية في الأردن تنقسم، تقليدياً، بين إخوان مسلمين، وهم الغالبية العظمى، و"تحرير"، الذي ظل حزب أقلية لا تزيّد ولا تنقص، تقريباً، غير أن هذا التقسيم لم يعد ساري المفعول، مذ خرجت من رحم القوى الإسلامية "التقليدية" حركات "جهادية" راحت تتّسع وتنقسم، بدورها، وتضمر وتكبر، حسب الظرف السياسي العربي، حتى صارت على ما هي عليه اليوم من "قوة" منفوخة، كبالون، على وشك الانفجار.
لا يختلف الأردن عن غيره من البلدان العربية، كثيراً، في ما يخص بروز الظاهرة السلفية في الحياة العامة، إلا من زاوية توفره على بعض منظّريها الكبار، وقربه، الآن، من "ساحات" الجهاد التي ليس من بينها فلسطين بالطبع. فقد كان على مؤسس الإسلام السياسي المقاتل، عبد الله عزام، ابن فلسطين، أن يسافر، شرقاً، أكثر من ألفي ميل ليدشّن "الجهادية" الإسلامية ضد الشيوعيين "الكفار"، تاركاً فلسطين لـ"أصحاب الكتاب".. اليهود!
أعرف أن في الأردن حركة سلفية، تحوّلت تدريجياً إلى "جهادية"، وأعرف أن "الجهاد" الأفغاني دشَّنه عبد الله عزام الذي كان ينتمي الى الإخوان المسلمين في الأردن، ولكنني لم أكن أعرف أن هذه الحركة أمدَّت "داعش" و"النصرة" بآلاف الكوادر والمقاتلين. كنت أسخر من أرقام المقاتلين الأردنيين في صفوف هذين التنظيمين التي تطالعنا في الصحافة العربية والدولية، ولكني لم أستطع أن أفعل ذلك، بعد زيارتي أخيراً للأردن التي جعلتني أرى "حقائق" تتعلّق بهذه الظاهرة، لم أكن أظن أنها على هذا القدر من التمكُّن والقوة. فوجئت، في حديثي مع زميل متابع لهذه الظاهرة (أتحفَّظ عن ذكر اسمه)، بأنَّ ما اعتبرته تضخيماً صحافياً، وأمنياً، في حجم الظاهرة السلفية الأردنية المقاتلة، ليس إلا الحقيقة عينها.. أو قريباً منها.
دعوني، أولاً، أبسط هذه "الحقيقة" التي تعكس "خلفية" أردنية خالصة، قد لا يعرفها كثيرون خارج الأردن، فالإخوان المسلمون هم، إلى حد كبير، حركة سياسية واجتماعية، قاعدتها الأساسية الأردنيون المتحدّورن من أصل فلسطيني، بينما تتمتع الحركة السلفية، إلى حد كبير أيضاً، بقاعدة اجتماعية شرق أردنية. ثمة قيادات وكوادر مختلطة هنا وهناك، ولكن هذا التقسيم، التقريبي، صالح لوصف جماهير الحركتين.
كنت أتصوَّر أن معقل الحركة السفلية الأردنية المقاتلة، مدينة معان في جنوب الأردن، والتي تعرف علاقة سيئة بالنظام الأردني، وقريبة جغرافياً، وتأثراً مذهبياً، من السعودية. ولا تزال هذه العلاقة، حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها المقال، حيث تشهد المدينة توتراً أمنياً، سيئة مع النظام، ولا يبدو أن هناك طريقة لتحسينها قريباً.. فالمدينة الصغيرة تحتاج إلى "إعادة تأهيل" تنموي شامل، وفكّ طوق عزلتها الثقافية التي تمعن في رميها في أحضان التطرف. أقول إنني كنت أتصوّر أن معان هي معقل هذا النوع من السلفية. كنت مخطئاً. كان ذلك أيام زمان. الآن تنافسها، أو ربما تبزّها، مدينة مفاجئة بكل المقاييس: السلط. كيف أمكن لمدينة عرفت أول مدرسة ثانوية في تاريخ الأردن، وعلى بسطة من العيش، أن تكون قلعة للسلفية المقاتلة؟
السلط تكسر التصوّر النمطي القائل بأن السلفية المقاتلة ابنة الأرياف وعشوائيات المدن، والمناطق الأقل تمديناً وتعلّماً. هذا لا ينطبق على السلط التي رُشحت، لدن تأسيس إمارة شرق الأردن، أن تكون عاصمة للكيان الجديد، قبل أن تحصل عليه عمان.
لا يعطي المتابعون للحركة السلفية الأردنية جواباً على المثال السلطي، الذي يؤكد أن السلفية المقاتلة لم تعد ابنة الأرياف ولا المناطق الأقل حظاً تنموياً وتعليمياً. هل يعني هذا أن الأردن يقدِّم، من دون أن يدري، سلفية تنتمي إلى شرائح الطبقة الوسطى، على عكس الفهم الشائع؟ ربما. لكن الأكيد أنه يقدِّم، في هذا السياق، بعلم أو من دون علم، آلافاً من المقاتلين في سورية والعراق.. سيكونون مصدر رعب قادم للمجتمع والدولة الأردنيين.

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن