موسكو.. رهان فاشل

موسكو.. رهان فاشل

27 يوليو 2019
+ الخط -
ما كانت روسيا في ورطة، لو اقتصرت مشكلتها في سورية على الذين يقاتلونها منذ شهر ونيف، من دون أن تتمكن من إنهاء معركتها ضدهم بالانتصار على الذين قاتلتهم في الغوطة وحوران. ليست مشكلة موسكو مع هؤلاء: إنها مع عنجهية القوة كما تمارسها، كدولة ليس لها من مفرداتها غير السلاح، وتعتقد أن في وسعها حل ما تواجهه من مشكلاتٍ بواسطته، ومع رؤية متجبرة تتوهم أنه لا خيار للضعفاء غير الانصياع للقوة.
غزت روسيا سورية من دون قرار دولي، كانت قد جعلته شرط موافقتها على أي دور خارجي في سورية، وسوّغت غزوها بطلب مزعوم قدّمه إليها حاكم فقد شرعيته، لأن أغلبية شعبه تمردت عليه وأعلنت رفضها له. مع ذلك، خالفت موسكو القانون الدولي، الذي يمنع التدخل الخارجي لدعم نظم خسرت شرعيتها الوطنية والشعبية. وقد شجعتها موافقة واشنطن على غزوها، ووجود قوات إيرانية كافية للقتال البري ضد المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة الأسدية، وبالتالي، انتفاء ما يمكن أن يُفضي إلى فشلها، إن هي مارست سياساتٍ تبقي موقف أميركا وديا حيالها، وموقف إيران متسقا مع جهدها لإنجاز حل عسكري، لا ضير عليها إن غطته بألاعيب تستهدف الالتفاف على القرارات الدولية، وتطبيق قراءاتها الروسية بقوة، ما ستنجزه القوة العسكرية من تحولات ميدانية.
باستكمال ما خالها بوتين مقومات النجاح، انقضّ كالثور الهائج على الشعب السوري، واستخدم أسلحة وذخائر، قال جنرالاته الفاسدون الذين يرتشون من الأسديين في سورية، ويسهمون في تهريب القسم الأكبر من آثارها المنهوبة، إنها أسلحة وذخائر لا تصد ولا ترد، لذلك تستطيع، أيها القيصر بوتين، اعتبار انتصارك مضمونا، لأنه لم يبق أمامنا أي عدو غير شراذم ارهابيين سنقتلهم في سورية اليوم، والمنطقة الإقليمية الأمنية الشرق أوسطية التي قرّرت إقامتها لاستعادة مجد السوفييت غدا.
أخطأ بوتين في فهم الموقف الأميركي. وأخطأ في الاتكال على حل عسكري لأزمة وجودية عميقة لنظام استبدادي، رفضه من شعبه أقوى وأعمق بكثير مما خاله بوتين ولافروف. وأخطأ في اعتبار الطرف السوري المقابل مجموعة إرهابيين، وليسوا في معظمهم سوريين يطالبون بحريتهم التي قدّموا تضحياتٍ تجلّ عن أي وصفٍ في سبيلها. وأخطأ، أخيرا، بتوهمه أن في سورية نظاما يمكنه الدفاع عنه وإنقاذه، وأن الأسدية لم تمت تحت وطأة ما ارتكبته من جرائم مرعبة، بدءا بقتل نيف ومليون سوري، مرورا بتهجير وتشريد أكثر من نصف شعب"ها"، وصولا إلى القضاء على معظم القوة البشرية التي استند نظامها إليها، وحكم سورية بواسطتها، وسيطرح زوالها على بوتين معضلةً لا حل لها بما بقي من قاع طائفي لبشار الأسد، ستدرك موسكو عمقها، عندما تكتشف أنه لا هو، ولا قوى الأرض مجتمعة، تستطيع إعادة السوريين إلى ما قبل 15 مارس/ آذار من عام 2011، يوم انطلاق ثورتهم المجيدة. لم يعد في سورية نظام أسدي، وإن أبقت موسكو وطهران المجرم في كرسيه. ولو كان النظام باقيا لوجد من يخوض معاركه في ريفي حماه وإدلب، ولما وقع الروس في ورطة مزدوجة: هي عجزهم عن التقدّم إلى حيث قرّروا فيها، وعجزهم عن إخلاء القرى التي احتلوها، لأن ذلك يعادل الاعتراف بهزيمتهم، وتراجع قدرة الكرملين على فرض نتائج جريمته السورية على العالم، والشعب السوري.
قال بوتين أخيرا إنه غزا سورية للدفاع عن المسيحيين الأرثوذكس. وحسب علمي، لم يطلب أحد من مسيحيي سورية منك الدفاع عنه، فهم ليسوا بحاجةٍ إلى من يحميهم من الذين تكفلوا بحماية حياتهم ووجودهم على مر التاريخ. سيد بوتين: إن كنت تعتقد أن تصريحك سيعرّض المسيحيين لخطر يدفعهم إلى طلب حمايتك، فأنت واهم.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.