متأثرةً بإصابتها

01 يوليو 2019

(Getty)

+ الخط -
فيما تتبنّى الدول المتقدّمة شعار تمكين المرأة، بغية توفير العدالة والمساواة، وإلغاء كل أشكال التمييز ضدها، من خلال سنّ القوانين والتشريعات الضرورية في هذا الشأن، وإحداث فرص التحصيل العلمي والتفوق المهني والانخراط في كل مناحي الحياة، وكذلك المشاركة السياسية، وتقلد المناصب العامّة، إضافة إلى توفير أفضل الظروف الإنسانية أمامها، خلال مزاولتها مهامّها في حقل الأمومة، بما لا يتعارض مع فرص تقدّمها العلمي والمهني، وقد حقّقت المرأة في تلك الدول أعلى مراتب النجاح، ووصلت إلى قمة الهرم السياسي، وقادت بلادها نحو التقدم والنموّ بكل جدارة واقتدار، وانتزعت القبول والاحترام الذي تستحق. 
في الوقت نفسه، أكدت إحصائيات عالمية تزايد أعمال العنف المرتكبة ضد النساء واستمرارها في بلاد كثيرة، وتحتل دول العالم الثالث مرتبة متقدمة في هذا الشأن الشائن. يتخذ العنف المرتكب بحق النساء في تلك البلدان أشكالاً مختلفة، ويعدّ العنف البدني من أبرزها، إذ تتعرّض زوجات مقهورات في بعض المجتمعات المغلقة إلى الضرب المبرّح المقبول اجتماعياً، باعتباره حقاً مشروعاً للزوج في تأديب زوجته، إذا لم تُحسِن التصرّف. نساء مضطهدات مسلوبات الإرادة يتعرّضن للإذلال والمهانة يومياً في نمط حياة مفروضٍ عليهن عنوة. وإذا حدث ولجأن إلى أسرهن شاكياتٍ، فغالباً ما تتم إعادتهن إلى بيت الزوجية، انطلاقاً من أن مكان المرأة الطبيعي هو بيت زوجها، مهما بطش وطغى وتجبّر. وليس مستبعداً أن تتعرّض الضحية للّوم والتقريع، لفشلها في مداراة زوجها، واستفزازه بالشكوى والطلبات، وضجيج الصغار الذي يؤدّي إلى أن يفقد أعصابه فيضربها مجبراً.
وفي هذه المجتمعات المنكوبة بجهلها، ثمّة شكلٌ لا يقل خطورة هو العنف النفسي، حيث تلقّن الأنثى، منذ طفولتها، مفردات خطاب كراهية للأنوثة، بوصفها مرتبة أدنى في السلم الاجتماعي، ما يطاول بنيتها النفسية المهتزّة بالضرورة، فيلازمها إحساس بالدونية واحتقار الذات وانعدام الثقة بالنفس والعجز عن المواجهة والدفاع عن النفس، في ظل ثقافةٍ تُضمر لها العداء، وتتربّص بأخطائها، وتنظر إليها باعتبارها قنبلة عار مؤقتة، قابلة للانفجار في أي لحظة. ومن ثم لا بد من تفادي هذا الاحتمال المعشش رعباً في الرؤوس من خلال الرقابة الشديدة الدائمة، والمعاملة القاسية والقمع ومصادرة الحرية التي هي سبب البلاء! ويجد هؤلاء في الزواج المبكر خلاصاً وحلاً من هذا العبء، وهو في واقع الأمر عدوان آخر يتم على المرأة، فيسلبها حق تقرير المصير، ويؤدي إلى مزيد من العنف، يصل في حالاتٍ معينة إلى حد القتل. وبحسب مصادر رسمية، بلغت جرائم قتل النساء في الأردن منذ مطلع العام الحالي (2019) ست جرائم، أي بواقع جريمة واحده في الشهر. وكان جديد هذه الجرائم قد وقع في مدينة الزرقاء، حين أقدم رجل على طعن زوجته الثلاثينية بأداةٍ حادّةٍ إثر خلافات عائلية، ولاذ بالفرار، وتوفيت متأثرة بإصابتها. وأقدم فتى يبلغ ستة عشر عاماً على قتل شقيقته التي لم تتجاوز الثلاثة عشر عاماً، وأقدم زوج على قتل زوجته العشرينية عن طريق كتم النفس. في العادة، تصرّح الجهات المعنية عن هذا النوع من الجرائم تحت عنوان الخلافات العائلية، حرصاً على سمعة الضحايا، لأن أغلب هذه الجرائم الوحشية تُرتكب تحت ما يسمى اصطلاحاً جرائم الشرف، وهي أبعد ما تكون عن الشرف.
تُغتال تلك الأرواح البريئة ظلماً وعدواناً، يُنتهك حقها في الحياة على يد أقرب الناس ممن يتوهمون أنهم وكلاء الله على الأرض، يملكون حق إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبة، غير عابئين بالأحكام والقوانين، وشرع الله الذي حرّم قتل النفس وعدّها من الكبائر. يخرج القاتل بعد سنوات حبس معدودة، يحدّ منها تنازلٌ عن الحق الشخصي، تقدّمه العائلة بكل سخاء! يخرج الجاني البطل ملوّث اليدين، مشوّه الروح التي غادرتها الإنسانية إلى غير رجعة، فيما الضحية تواصل موتها بصمت متأثرة بإصابتها!
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.