حكاية للتسلية من سورية الأسد

17 مارس 2019
+ الخط -
العدو الإسرائيلي الغاشم قريبٌ من حدودنا، لذلك لا يجوز استخدام التقنيات الروائية الحديثة! هذه النتيجة استخرجناها من حادثةٍ قديمة، بطلُها ضابط "روائي" أصلُه من المناطق الشرقية، كان يستغل رتبتَه العسكرية وقُرْبَهُ من النظام للحصول على مساعدة بعض الأدباء العاطلين عن العمل في تأليف رواياته الواقعية. السبب الرئيسي لطلبه المساعدةَ أنه، قبل أن يصبح روائياً، حلف يميناً معظّماً أنه لن يُصدر روايةً يقل وزنُها عن الرطل. وعليه، فإن كثرة مساعديه في الكتابة تؤدي إلى كثرة المُنْتَج الروائي، وسرعة وصوله إلى الأسواق.
عندما اكتملتْ ورشةُ التأليف الروائي عند سيادة الضابط أصبح عملُه يقتصر على وضع الخطوط العريضة للأحداث الروائية المبتغاة أمام "الشباب"، ويذهب هو لقطف ثمار نجاحاته الإبداعية على الصعد، المحلي، والعربي، والعالمي، سيما وأن بعض دول المنظومة الاشتراكية الصديقة اعتمدتْ رواياتِه ذاتَ الوزن الثقيل للترجمة إلى لغاتها، وأصبح يُعْرَفُ، لدى هاتيك الشعوب، بلقب "الروائي السوري الأول"!.. ومن جملة نشاطاته الاحتفالية، على ما رُوِيَ لنا، أنه كان يستقبل زعماء القبائل في المنطقة الشرقية، ويقف وسط مرافقيه، ليسلّم عليهم بطريقة المصافحة، والمخاشمة، والحبحبة على الرؤوس. ولكي تكتمل حالة العز والأبّهة لديه كان يُؤثرُ أن يَحضر مجالسَه الاحتفاليةَ بعضٌ من أدباء المحافظات الشرقية، كالحسكة والرّقة ودير الزور، فهو يريد أن يوصل إلى الناس رسالة واضحة تقول إنه (3 في 1)؛ ضابط عقائدي كبير، وزعيم عشائري بارز، وأديب مُعْتَبَرْ.
ولكن، اتضح فيما بعدُ أن دعوةَ الأدباء المحليين للحضور تنطوي على خطأ فادح، لأن بينهم أناساً يفتقرون إلى الحد الأدنى من الكياسة واللباقة الديبلوماسية، ففي ذات مجلس، بعدما ألقى نبذةً عن مجمل أعماله الروائية والكتابات النقدية الكثيرة التي أشادت بها، واهتمام الرّفاق القراء السوفييت بها، وقف شاعرٌ من الرّقة، أسمر البشرة ذو شعر مكزبر، وقال له ما معناه إنك، يا سيد فلان، ضابط، على راسنا، ووجه اجتماعي في منطقتنا، الله محييك، وروائي، وأعمالك مترجمة للروسية والطاجاكية والأوزبكية والكازاخية، كمان جيد، ولكن أعمالك الروائية، مع الأسف، تخلو من التقنيات الروائية الحديثة.. وهنا مسح سيادتُهُ الموجودين بنظرة بانورامية واسعة، وقال لهم: انظروا، يا سادتي، إلى هذا التفكير الضيق. الأخ هنا (وأشار إلى الأديب الشاب) يريد تقنياتٍ روائيةً حديثة، والعدو الصهيوني الغاشم يتربص بقطرنا الصامد، حيث بنى ثكناتِه ودُشَمَه على بعد خمسين كيلومتراً من دمشق، قلب العروبة الصامد، بلد القائد العربي الكبير حافظ الأسد. يريد تقنيات حديثة وشعبُنا غارقٌ في الفقر والجهل والأمية والتخلف! والتفت إلى الشاعر ذي الشعر المكزبر، فوجده يغالب ابتسامةً عريضة توشك أن تحتل وجهه، وقال له: مِثْلَ مَن تريدني أن أكتب أيها الأخ؟ مثل فرانز كافكا اليهودي؟ أين تعيش حضرتك؟ آ؟ ألم تسمع بهجرة اليهود إلى فلسطين وإقامتهم الدولةَ المسخرة التي تُدْعى إسرائيل، لتكون ثكنة متقدمة للغرب الإمبريالي المعادي لقضايا الشعوب، ورغبتها في التحرّر والانعتاق، أم تريدني أن أكتب مثل..
قاطعه الشاعر قائلاً: عفواً سيادة العقيد، قبل أن تعطينا مزيداً من الأمثلة، أريد أن أسألك سؤالاً محدداً: هل أفهم من سيادتك أنك ضد فرانز كافكا بالمطلق؟
مرة أخرى، التفت الضابط إلى الجمهور، ومسحهم بنظرة بانورامية، شاكياً إليهم غباء محاوره وقال لهم: طبعاً. لست ضده بالمطلق وحسب، بل إنني لن أسمح لنفسي في يوم من الأيام أن أقرأ قصة أو رواية لكافكا.
مد الشاعر الشاب يده إلى حقيبة كبيرة تشبه خرج الحمار، وأخرج منها رواية ضخمة، فتح على إحدى الصفحات الأولى، وأدارها على الجمهور وقال: هذه رواية سيادة العميد الأخيرة وفيها: إهداء إلى الروائي الكبير المعلم فرانز كافكا..
وقال للروائي: ولكن الحق مو عليك. الحق على اللي عم يكتبوا لك!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...