العداء للثورات.. ولوم الضحايا

العداء للثورات.. ولوم الضحايا

15 مارس 2019
+ الخط -
منذ بداية هذا العام (2019)، ومع استعادة ذكرى بداية حراك الربيع العربي، تصدرت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تصريحات عدة، لشخصيات مختلفة، تهاجم النهوض الشعبي الذي هدف إلى التغيير. وبدا فعلياً أن على الشعوب العربية أن تعرف بواطن مواقف الأنظمة التي دعمت الثورات المضادة، من خلال أقوال صغار مسؤوليها، أو السابقين منهم، إذ لا يمكن التغاضي، على سبيل المثال، عن هجوم وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، على ثورات الربيع العربي، ودعوته المسلمين إلى "الاتعاظ من الشعب السوري الذي أصبح "ذليلاً" يجوب بلدان العالم"، فبحسب هذا الرجل، تقع المسؤولية على عاتق الشعب السوري ذاته "لأنه سمح لدعاة الفتن والشر والمتاجرين بعواطفهم، أن يحرّكوا هذه الشوارع ويحصل ما حصل منهم"! 
وبالاستدلال المنطقي الذي يحلل بواعث هذا الكلام، يمكن، ببساطة، تبرئة نظام بشار الأسد من الجرائم التي ارتكبها، طالما أن الشعب هو من سمح للفتنة أن تستيقظ، وهو من تجرأ وخرج على الحاكم، ما يؤدي، في المحصلة، إلى قلب القصة السورية رأساً على عقب. في وقتٍ يتهامس المتابعون فيه عن وجود مشروع غير معلن لدى غالبية دول الخليج العربي، يسعى إلى استعادة العلاقة مع سفاح دمشق ونظامه، بحجّة احتضانه عربياً، بدلاً من تركه في المعطف الإيراني، وهذا ما رد عليه رئيس النظام، حينما زار إيران، وتصدرت صورته في حضن خامنئي الشاشات.
وفي مكان غير بعيد عن السعودية، حفلة التنديد بالربيع العربي، وجدت صدىً لها في بلدٍ بدأت فيه عجلة التطبيع مع النظام السوري، بشكل واضح ومن دون تورية، حيث ادعى رئيس وزراء الأردن الأسبق، عبد الله النسور، أن "الربيع العربي كان نكبةً على الأمة العربية"، كما أن "السنوات الثماني الماضية كانت سوداء في تاريخ الأمة".
المعادلة التي يجب التفكير فيها هنا لا تتعلق برفض فكرة الثورة، والتنديد بالحراك الشعبي في أي مكان، فقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا خلال السنوات الثماني الماضية لآلاف الشخصيات التي قامت بالفعل ذاته، واحتوت آراؤها أفكارا شتى تجاه الحدث غير المسبوق؛ تبدأ باعتباره مؤامرة (صهيو أميركية) ضد الأمة العربية بشكل عام، وصولاً إلى تلك الآراء الانتقائية التي أيدت الثورات في عموم البلدان العربية، ورفضتها حينما وصلت إلى سورية، واعتبرتها مؤامرةً 
واضحةً ضد محور المقاومة والممانعة.
بل يتصل الأمر، ومن دون شك، بفكرة إعادة تأهيل النظام السوري، ومحاولة تبرير الأمر أو التغطية عليه، عبر الدفع ببطلان فكرة التغيير، وأن مسؤولية الجرائم التي وقعت في هذا البلد إنما ترجع إلى أن الشعب أخطأ، وعليه تحمل تبعات قراره!
الأنموذج الذي اجتهدت الدول الراعية للثورات المضادة خلال السنوات الماضية، لإحلاله في البلدان التي ثارت شعوبها، هو النموذج الأسوأ والأشد بشاعة من الأنظمة السابقة، فنظرة سريعة إلى أوضاع الجمهوريات التي حكمتها العسكرتاريا تكفي للخروج باستنتاج أن الثمن الذي توجب على الجماهير دفعه لا يرتبط بلحظة الثورة والضحايا الذين سقطوا فيها، بل يتعدّى ذلك إلى المستقبل الذي قام الحراك كله من أجل ضمان أن يكون مشرقاً وبهياً متوافقاً مع طموحات قوى المجتمع، فعلى يد قوى الثورة المضادة، وعلى يد نظامٍ مجرم أفلت من العقاب، طوال الفترة الماضية، كالنظام السوري، لم يعد هناك أي أمل في تحرّي آفاق المستقبل. حيث بات يمكن لأي فئةٍ قاتلةٍ مجرمة أن تصلي الشعب الحديد والنار، من دون أن يحاسبها أحد، ومن دون أن يُقاد مجرموها إلى محاكم العدالة الدولية. لا بل إن الختام يظهر كيف أن العمل يجري على قدم وساق لمكافأة كل من ساهم في تدمير وإخماد الثورات التي غدرتها أنظمةٌ ادّعت، في الظاهر، دعمها، وعملت، في الباطن، على إفسادها وتدميرها.
يعتقد كثيرون أن قدرة الديكتاتوريات العربية على الاستمرار في سياساتٍ تقمع، وتكتم أنفاسا، تناسبت طرداً مع مدّ الأنظمة العربية، والدول الإقليمية والدول الكبرى، جسور العلاقات بينها وبينهم، وفي حال قيام الثورات، يصبح التنصل من هذه العلاقات سياسة واضحة. ومع الوقت، ومع تبدل الموازين التي تختل، بسبب الدعم غير المعلن الذي يقدم للقتلة، تصبح وقاحة لوم الضحية أمراً عادياً، لا بأس من تمريرها عبر تصريح هنا، ورأي هناك، قبل أن تصبح سياسةً رسمية، واضحة وعلنية.