جنّيات "ألف ليلة" يهزمن "جوكر"

جنّيات "ألف ليلة" يهزمن "جوكر"

16 ديسمبر 2019

أنجلينا جولي في عرض "ملافسينت 2" في لندن (9/10/2019/Getty)

+ الخط -
خطف فيلمٌ جديد، بدأ عرضُه منذ فترة في صالات السينما، العربية والعالمية، الأضواء، واستطاع أن يوقف فيلماً آخر لاقى شهرةً وإقبالاً كبيريْن، هو "جوكر". يتعلق الأمر بفيلم "ملافسينت 2" الذي أدت دورَ البطولة فيه (كما في الجزء الأول) النجمة أنجلينا جولي، وأخرجه روبرت سترومبرغ، وهو من إنتاج "والت ديزني".
يتضح في هذا الفيلم، بجزأيه، تأثير سحر الشرق وثقافته، وتحديداً "ألف ليلة وليلة". ونعاين ذلك من خلال مجموعة من المشاهد، خصوصاً في ما يتعلق بـ"الجنيات المجنحة"، ففي أحد المشاهد تتّخذ الجنية هيئة طائر عنقاء كبير، فتتحوّل إلى رماد، ثم تنبعث منه، ما يحيلنا مباشرة على طائر العنقاء في "ألف ليلة وليلة"، الطائر الخرافي كبير الحجم إلى درجة أنه يطعم صغاره بما اصطاد من فيلة.
ويكفي أنّ الشريط من إنتاج سلسلة "ديزني" الشهيرة، لنستحضر كيف "استنسخت" هذه الشركة كثيراً من أحداث "ألف ليلة وليلة" وشخصياتها وأجوائها، هذا الموروث الغنيّ والحافل بالمواقف والعبَر والدلالات الذي لم يهتمّ به العرب، مع الأسف، بل همّشوه و"استعرّوا" منه حتى اللحظة، حذرين منه ومتوجّسين، فيما يواصل الغرب النهل من معينه الذي لا ينضب.
وفي الوقت الذي ما فتئ الغرب، منذ ترجم أنطوان غالان (1717 - 1646) هذه الحكايات تحت مسمّى "الليالي العربية" (في 1704) إلى الفرنسية، يمتح منها، في شتّى المجالات، من السينما إلى الأدب فالفن، مروراً بالديكور والتصميم والعمران، وليس آخراً استلهام الكاتبة ج. ك. رولينغ، مؤلفة سلسلة "هاري بوتر"، مفردات الخوارق والخيال المجنّح وصياغتها صياغة جديدة. وعلى سبيل المثال، يتحوّل "بساط الريح" إلى سيارة عصرية طائرة. كذلك تأثر الإيطالي جيوفاني بوكاشيو، بوضوح، بأجواء "ألف ليلة وليلة" وليالي الشرق، خصوصاً في روايته "ديكاميرون". وتأثر بهذه الأجواء الإيرلندي، جوناثان سويفت، ولا سيما في "رحلات جلفر الأربع" التي استلهمت أجواء رحلة "السندباد البحري".
وفي العصر الحديث ما أعرب عنه ماركيز في روايته الشهيرة "مئة عام من العزلة". وحتى لو لم يذكر ماركيز ذلك في اعترافاته "عشتُ لأروي"، سيلاحظ القارئ بسهولةٍ تامةٍ تأثره بكتاب الليالي العربية، وتحديداً في العوالم الخارقة التي يأتي بها الغجر، حين كانوا يحلّقون بالبساط السحري، وغيرها من الخوارق التي تثير جماهير الرواية الشهيرة.
بخلاف الغربيين، ما زال العرب يديرون ظهورهم لهذه التحفة، ولا يستفيدون منها حتى في أدب الأطفال، فضلاً عن صناعة الدراما. يركّزون على جوانب يرونها سلبية، بينما يغضّون الطرف عن قوة الخيال العالية في كتاب الليالي الذي عُدّ، في وقت ما، منافياً للأداب العامة. ففي 1985 رُفعت قضية على صاحب مكتبة في القاهرة بتهمة الاتجار في مطبوعاتٍ مخلّةٍ بالآداب العامة وتوزيعها وعرضها، مطبوعات خادشة للحياء ومنافية لأخلاق المجتمع المصري! على الرغم من أن الكتاب ينتمي إلى عالم الخيال المحض.
يقوم فيلم "ملافسينت 2" على إعادة تخيّل لفيلم "والت ديزني" للرسوم المتحرّكة "الجمال النائم" الذي عرض في 1959، ويصوّر القصةَ من وجهة نظر الخصم. تدور أحداث الشريط حول "ملافسينت"، الجنّية الصغيرة التي تربّت في إحدى المدن مع مخلوقاتٍ غريبةٍ وثلاث جنّيات.
تتصارع في الفيلم قوتان: واحدة إنسية تقودها زوجة الملك الشريرة، فيما تنتمي الثانية إلى عالم الجن، تقودها الجنّية المجنحة ملافسينت. تتقابل الملكة إنغريت التي أدت دورها ميشيل فايفر، مع الجنّية "ملافسينت" (أنجلينا جولي) بعد أن طلب "الأمير فيليب" (هاريس ديكنسون) يد الأميرة "أوروا" (إيلي فانينغ). في الفيلم صراعٌ بين عالمين، جني وإنسي، ولكن الطريف فيه أن عالم الإنس يطبعه الحقد والكراهية، الذي مثلته نيّات الملكة إنغريت، بينما عالم الجن، على غير العادة، يأخذ موقع الدفاع ضد شرور الإنس.
ربما تماهياً باستلهام أجواء الليالي العربية، لن يجد المشاهد صعوبةً في ملاحظة أن الفيلم تميّز، كذلك، ببذخ الألوان وبتقنياتٍ عصريةٍ في إبراز عوالم الخيال الشرقي، في مختلف جوانبه وتمظهراته، مستلهمين من معين كنوز أدبنا التي كنا نظنّ أننا الأقرب إليها، وليس الغربيون، فيما الحقيقة الملموسة تقول، "بالصوت والصورة"، عكس ذلك.
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي