كلُّ عربي يظنُّ نفسه المعتصم بالله!

كلُّ عربي يظنُّ نفسه المعتصم بالله!

21 نوفمبر 2019
+ الخط -
زكّت مدينة هيلدس هايم، اللاجئ السوري هادي إسماعيل، لنيل جائزة الشجاعة المدنية التي تمنحها وزارة الداخلية الألمانية. وللجائزة اسم مقتبس من علوم الرياضة والوراثة هوXY. 
عرض التلفزيون الألماني مقابلة مع البطل الذي أدّى مشهداً تمثيلياً، روى فيه أنه نزح إلى ألمانيا، وظنَّ أنَّ حادثاً في الشارع الذي تعطّل سيره، وعندما ترجّل من الباص، وجد سنغالياً قد جثم على صدر امرأة، وانهال عليها طعناً كأنه ينبش الأرض باحثاً عن كنز، عَرف هادي فيما بعد أنها زوجته، وأنه كان يسوّي معها خلافاً عائلياً بالحسنى. ويُظهر التمثيل أنَّ الهلع أصاب الألمان، وأنهم وقفوا عاجزين، لكنهم يُحمَدون على الأسف الذي أبدوه، ولم يصوّر أحد الحادثة، مع أنهم يحملون هواتف حديثة، وهم عموماً لا يتدخلون في شؤون الآخرين، إلا إذا كان المعتدى عليه حيواناً فهم يفزعون له، حتى إنَّ القانون الألماني سنَّ قوانين تعاقب على فقر المروءة المكتسب. والوحيد الذي هرع إلى نجدة الضحية هو النازح الهادي الذي انقضَّ على الجاني، فدفعه بقدمه، فتوقف الجاني عن الطعن، وارتبك، فكأنه سكران صحا، فانتصب وهمَّ بالعدوان على الدخيل، ثم شاور نفسه وخيّرها بين ثلاثٍ؛ فإما أن يكمل البحث عن الكنز، أو أن يبحث عن كنز آخر في صدر هادي الذي أفسد عليه عمله، أو أن يلوذ بكنز الهرب. فضّل الخيار الثالث بعد أن سكن غضبه، أو أن رؤية الدم أرهبته. ونرى ألمانياً في المشهد التمثيلي، لله درَّه، يغيث الملهوفة بالاتصال بالشرطة، فالألمان يؤمنون بالاختصاصات، ويقول الخبر: إنَّ الشرطة والإسعاف وصلا بسرعة، وأنقذا حياة المرأة، فالكنز وهو قلبها كان ما يزال بخير.
وقد اختصمنا في الجائزة وأحقيّتها، أنا وصديقي نوري الذي يرى أنَّ هادي لا يستحق الجائزة على ركلته الحرّة غير المباشرة، وأنَّه لو كان محلَّه لركل الجاني على وجهه وليس على صدره، ثم نزع منه السكين، وطعنه بعدد الطعنات التي طعنها زوجته، جزاءً نكالاً بما استحق من الإثم، وأنه وإن كان يستحق جائزة شجاعة، فهي جائزة نزوحه من سورية وعبوره البحار السبعة التي غدت أرض شرِّ، فالدولة السورية كانت قد قتلت المروءة في الشعب السوري أو أوشكت، وكانت قد حظرت الأحزاب والاجتماع السياسي لثلاثة أشخاص، ولا يصلح شأن الأمُّة إلَّا بالسياسة، وأنَّ الثورة السورية هي ثورة مروءة وإغاثة ملهوفين، وأنَّ سورية قد هلكت وأمطرت حجارة من السماء، بقبول أهلها الظلم وسكوتهم عنه. فقلت لصاحبي، بعد أن بكى ورأى الدَّرب دونه، إنَّ الجائزة المعنوية في ألمانيا أكبر من المادية وقدرها ثلاثون ألف يورو وهي تمنح لفرسان ثلاثة، وإني كدت أُعتقل بواقعة مشابهة في سورية، وإنَّ هادي يستحق الجائزة، لكن من نوع سمول وليس من XY لارج، فعسى أن يكسب نقطة في رحلة الإياب من النقاط التي خسرناها من جريمة أبي مروان في رحلة الذهاب. وأعدت القول إنَّ ثورات الربيع العربي بدأت بإغاثة ملهوف مثل خالد سعيد ومحمد البوعزيزي وحمزة الخطيب.
ورويتُ له أخباراً من تاريخ العرب، مثل قصة حامي الظعائن، وبطلها ربيعة بن مكدم الذي اشتهر بلقب حامي الظعائن حياً وميتاً، وضربتْ به العرب المثل في الشجاعة والنجدة، فقالوا: أشجع من ربيعة بن مكدم وأحمى من مجير الظعن. وكان يعُقر على قبره في الجاهلية، ولم يُعقر على قبر أحد في الجاهلية غيره. وتلك هي جائزة العرب في الشجاعة، ومثل أبي جهل الذي قيل له: كيف تركت محمّداً يخرج من بين أيديكم ليلة الهجرة ويلحق بصاحبه؟ لِمَ لم تكسر عليه الباب وتأخذه من سريره؟ فأجاب: وتقول العرب إنَّ عمرو بن هشام روّع بنات محمد وهتك حرمة بيته! ومثلها كثير في قصص العرب الذين يعتقل ملوكهم النساء من غير ذنب هذه الأيَّام، أمثال علا القرضاوي وطل الملوحي ورضوى محمد ولجين الهذلول وإيمان النفجان وغيرهن. وأكثر الملوك مروءة هو الذي يقنع بكنز اعتقالهن من غير تحرّش أو اغتصاب، ويستحق جائزة XXXXYYYY لارج. وأنَّ ملوكنا يغارون بشدَّة على شعوبهم، ويريدون أن يكونوا اللاهفين لشعوبهم تحت طعن حرابهم، والملهوفين بغيث الشعوب لهم في يوم البيعة وكأنه يوم عمورية، وكأنَّ واحدهم امرأة وقد صاحت وامعتصماه.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."