روحي في عالم الأشرار

02 ابريل 2018
+ الخط -
عندما حل القحط على قلبه، وجفت آخر مياه الحب في قاع ذلك الفؤاد الحزين، كتب إلي مقالة لأصححها لغويا، وقلبه الكئيب يتقطر وجعا. قال صديقي متألما: تهت كثيرا في دروب الحب والهيام، كأنني بين الأرواح الشريرة في عالم يسوده الظلام الممزوج بالرغب. حاولت أن أعود حيث كنت في البداية، لكنني لم أجد أي صدى بشري بريء من الحب، لأتبعه وأخرج من ذلك العالم الرهيب. تشبه قصة الحب هذه، إلى حد كبير، أحداث ذلك المسلسل الإنجليزي، حيث ينام الأطفال الصغار فتصعد أرواحهم إلى العالم الأقصى، ثم تتيه هناك بعيدا بين الأرواح الشريرة. تلك الأرواح التي كان قدرها أن تعذب بعد الموت.
تتيه روح الطفل الجميل الوسيم، فتحاول الأرواح الشريرة استغلال جسده الذي فارقته الروح، لتنعم بالحياة من جديد. هكذا تغير كل شيء، لكنني لا أستطيع اليوم أن أقنع أحدا بهذه القصة، لأنها مجرد فيلم، اللهم إلا إذا بدلت أحداثها قليلا وقلت بنوع من الأسف المقيت: ضاعت روحي عندما أحببت وتاهت بعيدا في عالم العشق، ذلك العالم الذي تسكنه القلوب التي عذبها الهيام وتلك الأرواح التي فارقت أجسادها بسبب الحب.
في ذلك العالم الحزين، مرت على جنبات طريقي روحا امرئ القيس وجميل بثينة، وهي تبكي على الأطلال، رأيت عنترة الشجاع الفارس الذي لم يهزمه يوما سوى الحب، تدمع عيناه وهو ينشد شعرا متغزلا بابنة عمته. رأيت كل تلك الأرواح في صورة مرعبة شريرة، وهي تحاول استغلال ذلك الأنا الروحي الذي ترك جسدي الوسيم. في ذلك الوقت، بالذات توقعت أن تدخل روح أحد أولئك الشعراء جسدي، أو ربما روح أحد النهضويين الأوربيين، تلك الأرواح التي غادرت عالمنا في الحروب العالمية من دون أن تنعم بنجاح علاقاتها وتحقق أحلامها العاطفية.
في الحالتين، لن يستطيع الشاعر العربي الجاهلي والرومانسي النهضوي أن يدخل إلى جسدي ويعيش حياة طبيعية في واقعنا اليوم، لأنه، وبكل بساطة، تغير رأسا على عقب، سوف يجد أحدهم زماننا كما حدث لأصحاب الكهف، فيختار الموت. أرى من الآن قيسا وهو يسلمني جسدي منحنيا بعدما جرب العيش فيه، ويرشد روحي إلى الباب الحقيقي، كي تعود إلى جسدي في هذا الواقع. لا أدري لماذا يرفض أولئك الشعراء العيش في هذا الجسد، ومن طبيعة الأرواح الشريرة أنها تكون دوما في الحاجة إلى جسد يمكنها من الاستمتاع بلحظة، ولو لثوان على هذه الأرض، فحتى أهل النار يتمنون ثانية يسجدون فيها لله ندما وتحسرا على ما فاتهم".
قد أخاطر قليلا فأقول: كان الشعراء في زمانهم يتنافسون على جواهر النساء، والبحث عن المرأة هو الذي يجعل الحب في ذلك المستوى الجمالي الذي تذوقه الشعراء، فكيف يعيش جميل وقيس في زماننا والدنيا كلها نساء.. آلاف من النساء أصابتهن العنوسة، لأن آلاف الشباب أصابتهم البطالة، وهذه الأعداد الكبيرة من النساء ينتظرن بفارغ الصبر عودة قيس وجميل. نشرت إحداهن يوما: لا تحزني، يا حبيبتي، فيوما ما سيعود قيس، وتظهر البسمة على وجنيتك. قلت لها في نفسي: سيعود ليأخذ روحك إلى عالم الأشرار، أو يعود في حلم تستيقظين بعده لتجدين نفسك بين جدران الخراب بعد ثورات الشعوب العربية على طغاتها، سيعود قيس، يا صغيرة بلادي، حينما تقرأين قصائده في مقرراتنا الدراسية التافهة.
عذرا سيدتي، أيتها المرأة الجميلة التي تسللت إلى مقالتي، تقرأ كلماتي فتغيب بسمتها وتظهر في آن واحد، اعلمي أن قيسك يوما ما سيعود، وأنك بثينة زمانها وجميلك قريبا سيقف بالباب، كل ما عليك هو أن تكونين بثينة حتى لا يصطدم فيختفي من جديد. أما أنا فقد اخترت أن أتيه عمدا لأني وجدت عالم الأرواح الشريرة أفضل بكثير من عالمنا اليوم.

مصطفى العادل
مصطفى العادل
مصطفى العادل
باحث في اللسانيات العامة بكلية الآداب، جامعة محمد الأول-المغرب. باحث بمركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية. الأمين العام للمركز العربي للبحوث والدراسات المعاصرة. رئيس قسم الأدب واللسانيات البينية بمركز مفاد.صدر له كتاب "المدارس اللسانية وأثرها في الدرس اللساني بالمغرب". يعرّف عن نفسه بالقول "كل لحظة تأتيك فكرة، يلهمك الله نورا لتعبر به عن معنى، فكن دوما مستعدا بسيف القلم كي لا تهزم في معركة الإبداع".
مصطفى العادل