الأردن وتدابير الثقة الحكومية الجريحة

الأردن وتدابير الثقة الحكومية الجريحة

04 مارس 2018
+ الخط -
لم يفلح التعديل الحكومي في الأردن، يوم 25 فبراير/ شباط الماضي، في امتصاص الغضب الشعبي على الحكومة التي ذهبت، في قرارات جديدة، نحو فرض واقع اقتصادي جديد. لم يبتعد هذا الواقع في حلوله عن جيوب الناس، ومحاولة ترقيع المشهد القديم الموروث مالياً، واقتصادياً، لصالح تسويات المرحلة التي تنبئ عن واقع معقد، عنوانه إفلاس المجتمع من ممثليه النواب، وفقدان الأمل من لحظة إصلاحية، ولو متخيلة، ينجح فيها مجلس النواب بإسقاط الحكومة التي صوتت أخيرا على الثقة بها، إذ فازت الحكومة بثقةٍ جريحة قيمتها 67 صوتاً، من أصل 122 نائباً حضروا جلسة الثقة في 18 فبراير الماضي، من مجمل أعضاء المجلس (130 نائبا)، إذ صوت على حجب الثقة 49 نائبا، وهو عدد يعكس نمو المعارضة وفقدان الثقة بالحكومة التي نالت عند التشكيل، وقبل خمسة عشر شهرا، 84 صوتا.
وكان لافتا في جلسة الثقة، عدد الغائبين وأصوات الامتناع في التصويت، إذ يُفسّر الأمران على أنهما ميل لصالح الحكومة، التي فاجأ رئيسها هاني الملقي الجميع، حين أصرَّ مساء يوم الخميس الذي سبق جلسة الأحد، حيث التصويت على الثقة، بأنه طالب رؤوس البرلمان والدولة بضرورة الحصول على ثقة تقارب الرقم 80 مشابهة لثقته السابقة على البيان الوزاري، ومماثلة لما حدث مع سلفة عبدالله النسور الذي حصل على تجديد للثقة بحكومته بواقع 81 صوتاً، في 19 مارس/ آذار 2014، يوم كان التصويت على الثقة بها بعد حادثة استشهاد القاضي رائد زعيتر.
لكن ما الذي حدث ورفع أصوات الحجب، وراوح بعضهم موقفه بين خياري الغياب والامتناع، 
لتكون النتيجة النهائية ضد رغبات الملقي الشخصية بالحصول على تأييد جديد؟ كان مشهدا بالغ التعقيد، وهو الذي حوّل نوابا من ضفة الامتناع والغياب، إلى ضفة الحجب، ومنهم الذين انهالت عليهم المكالمات الهاتفية، تطلب تأييد الحكومة بثقة كبيرة تنافس حكومة النسور، بعدما تمّ الاتفاق مع بعضهم على الحجب، لحفظ ماء الوجه أمام الشعب، لكن العودة بالاتصال والضغط مع "نواب الألو" بضرورة منح الثقة باعتبارها مطلبا شخصيا للرئيس الذي حاول بعضهم الاستثمار في مسألة مرضه لتحقيق تعاطف برلماني معه، إلا أنّ الأمر لم يمر، ما جعل بعض النواب يتمرد ويغيب عن التصويت أو يمتنع، ومع أنّ هذا كله كان يحتاج لتدبير الأمر من رئيس مجلس النواب، المهندس عاطف الطراونة، الذي قاد الانتصار للملقي كما يروج محيط الطراونة ومحبوه في تصويره جزءا من الحل لأزمة الملقي، إلا أن ثمة فاعلا مهما أسهم بإنقاذ الحكومة، وهو الوزير المخضرم ممدوح العبادي الذي "دبّر" بعض الأصوات بحكم علاقاته وقدراته، ولكن ما لبث أن خرج من الحكومة بعد أسبوع في التعديل الوزاري الذي جاء بتسعة وزراء جدد، رافعاً نسبة ممثلي محافظة الكرك إلى خمسة وزراء، وجاء بوزيرين من البلقاء، فيما ثمة حراكان في الكرك والسلط (حاضرة البلقاء) يتجاوز كل منهما مقولة امتصاص الغضب بالتوزير.
وبغض النظر عن السير التي جاءت إلى الوزارة، في التعديل غير الأخير والسادس على حكومة الملقي، فإن بعضهم مهنيّ وجيد السمعة، وله من رصيد العلاقات على الأرض مع المجتمع، ويُشهد له بالكفاءة، لكن المشكلة أن الموقف العام الذي ساد البلد هو النظر إلى أن الحكومة تشتري صمت الشارع  في المحافظتين الوازنتين وطنياً بالتوزير، وهو أمر رفضه حراك المدينتين، وبعض نوابها، وجاء بنتائج سلبية، حيث حرّك نواب محافظات الشمال للاجتماع والمطالبة بالمعاملة بالمثل بين الشمال والكرك.
معنى هذا الواقع أنّ الحكومة وصلت إلى حدّ الإفلاس السياسي، والاقتصادي، فثمة ملف مجتمعي يتدحرج، عنوانه الفقر والبطالة، وهناك صورة سلبية للحكومة، وفقدان للقدرة في التواصل مع الناس، وإفصاح عن القضايا التي تثار وباتت مربكة للدولة، وخصوصاً ما يدور على شبكات التواصل الاجتماعي، ومنها قضية رجل الأعمال "البليط" كما عرفت، وأثارها النائب خالد الفناطسة، ويبدو أنها كيدية محضة، بعدما رفع الرجل قضية وطالب بفتح سجلاته.
كل هذا يحدث في ظلّ محاولة الملك عبدالله الثاني لملمة الأمور، ومعالجة أخطاء الحكومة،
 وتجنب إقالتها، فقد زار محافظة معان قبل أسبوعين، والتقى عشائر بني صخر المعروفة بتأييدها المطلق للحكم، مُجدداً إصراره على الإصلاح ومحاسبة المسؤولين، لكن مضي الحكومة في العجز عن إيجاد حلول وطنية، واستيعاب الحراك العائد بأثر رجعي عنوانه "الفساد والفقر وغياب العدالة"، وهو ما أظهرته بيانات مناطقية وعشائرية، ونخبوية، ما هو إلا تأكيد على أنّ الحكومة عاجزةٌ في تمرير أي إنجاز، خصوصا بعد انتشار أكثر من حالة للسلب والاعتداء على الأفراد والممتلكات في الآونة الأخيرة، وهو ما أدّى إلى تغيير مدير الأمن العام، اللواء أحمد الفقيه، والمجيء برجل من متقاعدي الجهاز هو اللواء فاضل الحمود.
لأجل هذا يسأل بعضهم عن مستقبل الحكومة والحراك في الأردن. والأرجح أن العجز السياسي سيستمر، وستكون حجة الحكومة أنها أنجزت إنجازاً كبيراً، تمثل في عدم زيادة الدين العام، وهو أمر لم يعد يلقى اهتماماً كبيراً عند الناس، في ظلّ اتساع فجوة الثقة والفقر والبطالة، وفي ظلّ انعدام الفرصة الحقيقة لمكافحة الفساد وتراجع الحريات، فيبقى الرهان على تحول الحراك إلى إطار مؤسسي داخل المؤسسات، بما يسمح له بالتعبير عن همومه ومطالبه، الرافضة نهج الحكومات وآراء الطبقة الليبرالية التي فتكت بالبلد وباعت مقدراته، من دون الوقوع في فخ المواجهة مع الأجهزة الأمنية. وبالتالي توفير ذريعة للحكومة، لكي تبرّر قراراتها وسياساتها.
أخيراً، الثابت أن الحراك حقق نصراً، في جلسة الثقة للحكومة التي لم تحصل على وعد رئيس مجلس النواب لها بعبور مطمئن ومريح، ولا بقية رؤوس المجلس معه، وأن المجلس تأثر بصوت الشارع الذي سيرى أنه محق في مطالبه. وفي رؤية الشارع هناك يقين بعجز الطرفين، الحكومة والنواب.

دلالات

F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.