هل انتهت حركة 20 فبراير؟

21 فبراير 2018

مغاربة يحيون بالرباط الذكرى السادسة لحركة 20 فبراير (20/2/2017/الأناضول)

+ الخط -
غالبا ما يتكرر السؤال في المغرب عند كل ذكرى حركة 20 فبراير، التي تعد بمثابة النسخة المغربية من الحراك الشعبي الذي عم المنطقة العربية تحت مسمى "الربيع العربي"، حول ما الذي تبقى من ذلك الحراك؟ وقد يبدو الجواب سهلا إلى حد ما، بما أن عملية تشخيصية بسيطة للواقع المغربي تكشف أن لا شيء تقريبا بقي من ذلك الحراك الذي خرج من عمق المجتمع المغربي، وهز أركان الدولة المغربية. ويُحسب للسلطة في المغرب أنها عرفت كيف تتفاعل بذكاء مع ذلك الحراك، والحد من تداعياته بأقل الأضرار، واحتوائه بتنازلاتٍ سرعان ما استعادتها تدريجيا في ظل موجة الجزر الكبيرة التي تلت ذلك المد الشعبي الهائل الذي كاد أن يغرق المنطقة كلها من أقصى شرقها إلى أقصى غربها.
ما لا يجب أن ننساه أن حراك الشارع المغربي، حتى وإن كان تلقائيا، إلا أنه جاء كصدى لحراك أكبر هو "الربيع العربي"، الذي استلهم منه الشارع المغربي شعاراته وديناميته. والتراجع الحاصل اليوم في المغرب هو أيضا انعكاس لموجة الثورات المضادة التي شهدتها أكثر من دولة من دول "الربيع العربي". وفي كل هذه الدول، ما زال الصراع على أشده بين إرادتين، إرادة التغيير التي كانت وراء ثورات الشعوب العربية، وإرادة التوارث المضادة التي تصدت، وما زالت، تتصدى لكل محاولة تغيير. والصراع بين الإرادتين ما زال لم يحسم والدليل هو ما تشهده المنطقة العربية من استمرار حالة الحرب والفوضى في دول عديدة أو عدم الاستقرار الذي تعرفه دول تعبر مراحل انتقالية صعبة، أو فقط استمرار الاحتقان الاجتماعي الذي يتعاظم مخزونه الاحتياطي، مثل بركانٍ لا يمكن التنبؤ بساعة انفجاره.
ما شهدته المنطقة العربية، ومن بينها المغرب، منذ قيام ثورات وحراك الشعوب هي سياسة 
ردود أفعال على ما جرى، وكلها ردود أفعال قمعية، اعتمدت على المقاربة الأمنية، ولم تنتقل بعد إلى مستوى أو مرحلة الفعل القادر على طرح البديل الذي خرجت الشعوب تطالب به.
في المغرب، بعد سبع سنوات على حراك الشارع، تكاد الصورة تشبه، إلى حد كبير، الوضع الذي سبق انطلاق شرارته، وضع اجتماعي صعب، وفوارق طبقية كبيرة، وتراجع واضح على مستوى الحقوق والحريات، وعودة تدريجية إلى منطق التحكم والسلطوية. إنه الوضع نفسه، إن لم يكن أسوأ من ذلك الذي كان قائما قبل سبع سنوات، ودفع بالناس إلى الخروج إلى الشارع للتظاهر والاحتجاج.
وإذا كانت 20 فبراير كحركة احتجاجية قد انتهت في الزمان، لأنه لا يمكن لحركة احتجاجية قوية أن تستمر مدة زمنية طويلة، لكنها كفكرة ما زالت مستمرة، وستظل كذلك، فكرة رفض وصاية الدولة على المجتمع، وفكرة التحرّر من هاجس الخوف الذي حكمت به أنظمة مستبدة شعوبها سنوات طويلة، وفكرة إعادة الاعتبار للإرادة الشعبية التي تم اختزالها سنوات طويلة في شخص الزعيم، أو مؤسسات فاقدة لكل مصداقية.
ولعل أهم ما أنجزته هذه الحركة أنها حرّرت العقول من الخوف، وأيقظت وعي الناس بحقوقهم، ونبهتهم إلى أهمية التضامن عند المطالبة بتحقيق تلك الحقوق، وعلمتهم كيف ينسقون ويخططون ويقودون احتجاجاتهم. وفي كل موجات الحراك الاجتماعي التي شهدها المغرب طوال الفترة الماضية، وكان جديدها "حراك الريف" و"حراك جرادة" وقبلهما "حراك العطش"، كانت روح حركة 20 فبراير حاضرة، سواء بشعاراتها التي كان يردّدها المحتجون، أو بنفسها التنظيمي، أو بفكرها الإبداعي، أو بنسبة الوعي الذي أصبح يؤطر مطالبها.
وبالنسبة للشباب المغربي الذي قاد حركة 20 فبراير، وكان في عمق ديناميتها فقد حرّرته هذه 
الحركة من الأيديولوجيات القديمة في مقابل تنامي وعيه السياسي بحقوقه المدنية والسياسية، من قبيل الحرية والكرامة والمساواة واحترام الحياة الخاصة والحق في المشاركة والاختيار، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، والحق في التعبير والتظاهر والاحتجاج. وهو ما أفرز في المغرب مجتمعا شابا واعيا سياسيا. وفي المقابل، فاقدا للثقة في السياسة والسياسيين.
ما يعرفه المغرب اليوم من تراجع ملموس في الحقوق والحريات، ومن تنامي حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتعمق الشعور بالظلم و"الحكرة" لدى شرائح كبيرة من المجتمع، واستشراء للفساد، وتنامي الحركات الاجتماعية الواعية سياسيا والمنظمة تلقائيا، وإقرار السلطة بفشل نموذجها التنموي، وفي الوقت نفسه، اعتمادها على مقاربة أمنية صارمة في التعاطي مع مطالب الشارع.. كلها عوامل تستدعي حضور فكر حركة 20 فبراير وروحها الإبداعية التي ساهمت قبل سبع سنوات في "تنفيس" حالة الاحتقان الصامت التي كان يعيشها آنذاك المغرب مجتمعا ودولة، وأوجدت دينامية جديدة جعلت العالم ينظر إلى المغرب كنموذج استثنائي وسط خارطة الاستبداد العربي.
لقد أدت سياسات عدم الإنصات لنبض الشارع إلى زجّ دول عديدة في متاهات الحروب المدمرة والفوضى العارمة وعدم الاستقرار، والأنظمة التي تعتقد أنها لا تزال قادرة على تخطي كل أزماتها، باعتمادها على المقاربة الأمنية فقط ستجد نفسها مرة أخرى أمام بركان الغضب الشعبي، لكنه هذه المرة سيكون أكثر وعيا وتنظيما، وبمطالب سقفها السماء.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).