جولة تيلرسون.. وتهافت الدبلوماسية الأميركية

جولة تيلرسون.. وتهافت الدبلوماسية الأميركية

20 فبراير 2018

تيلرسون في مطار بيروت (15/2/2018/فرانس برس)

+ الخط -
تتمسّك الدبلوماسية الأميركية بتقاليد سياسية تمارسها بشكل دوري، منها القيام بجولاتٍ تستهدف عواصم تشكل سلسلة سياسية مترابطة بالنسبة للولايات المتحدة، تحاول من خلالها ترسيخ دورها بوصفها شرطياً، يتمتع بأخلاقيات قانونية عالية. تحت هذه المظلة، قضى وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أسبوعَ عمل بدأ الإثنين الماضي واختتم الجمعة، إذ قام بجولة دبلوماسية من القاهرة وصولاً إلى إسطنبول، متأبطاً ملفاتٍ كثيرة مرتبطة بالعواصم التي مر بها، فمن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، إلى مؤتمر إعمار العراق في الكويت، فقضايا اللاجئين السوريين ودعم الأردن، ثم معضلة حزب الله في لبنان، وصولاً إلى عقدة التورط في دعم مليشيا تعتبرها تركيا إرهابية، وحل منغصات التحالف العميق القائم بين تركيا والولايات المتحدة.
تعرف الولايات المتحدة أن كثيرا من سحرها تلاشى، منذ لاحت بوادر فشل الحملات العسكرية في المنطقة، وظهرت خيباتُ جلبِ الديمقراطية إلى العراق. وأفرزت هذه النتائج رئيساً من أصول أفريقية أراد أن يبيض وجهه، فقاد محادثات بيئية على حساب شركة بريتش بتروليوم، بدل أن يقود دبلوماسية لدولةٍ تصنف أنها الأقوى في العالم، فانكفأ الفريق السياسي الضخم، وأحيلت أوراق البحث الدولي وتوصيات معاهد الأبحاث للحفظ في الأرشيف.
أتاح تراجع الهيمنة الأميركية لقوى أخرى أن تنمو في المنطقة على حساب الدور الأميركي، ومنها إيران وروسيا، من دون أن تكون دول المنطقة قادرةً على مواجه هذا التغلغل، بحكم ظروفها الراهنة، فالسعودية مشغولة بغزوة فندق ريتز، ومحاولة جباية مزيد من الأموال على الطريقة المملوكية، ومصر تنظم قصائد الغزل برئيسها القادم على طريقة الأنظمة الشيوعية البائدة، وهنا تعتقد الولايات المتحدة أنها، من خلال جولة مدة أسبوع مضبوطة التوقيت، تنتهي مع بداية عطلة نهاية الأسبوع، قادرة على لملمة العقد الذي انفرط، وتبعثرت حباته.
ثَبَّتَتْ الولايات المتحدة موقفها بشكل نهائي من مسائل المنطقة، فقد اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، وامتصت الصدمة التي تلت هذا الإعلان، واحتلت ربع الجغرافيا السورية، وتحاول صيانة هذا الوجود الواسع بتحالفاتٍ مربكة، فالتعاون مع الكرد بالطريقة التي تبدو حالياً يضر بتحالفها الأكثر استراتيجية مع تركيا، وهي تظهر عداوةً شرسةً لإيران، من دون أن تتخذ خطوة رادعة لها، ويبدو واضحاً كيف استخفّ الرئيس اللبناني، ميشال عون، (المتحالف مع حزب الله) بزيارة تيلرسون، حين تركه ينتظر في قاعة القصر الرئاسي، واحتج بأن الوزير الأميركي جاء مبكراً. ولهذا الموقف دلالة لا تخص لبنان وحزب الله فقط، بل تخص أميركا وإيران أيضاً، وهو إشارة إلى تحدٍّ وإصرار على المواقف تبديه إيران، بعد أن نجحت في ابتلاع صدمة الاحتجاجات الشعبية التي واجهتها الشهر الماضي. كانت المشكلة الأخرى في مؤتمر الكويت الذي حضره تيلرسون، وهي صعوبة الحصول على أموال إعادة إعمار العراق التي وعد بها المؤتمر، نظراً للسمعة السيئة التي تتمتع بها الحكومة العراقية، وملفات الفساد الضخمة، وهي حكومة تتحمل الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من تبعية وجودها، وبهذا الشكل الفاسد تحديدا.
غير مؤكّدٍ أن تيلرسون قادر على زحزحة الجدران السميكة التي تستمر في الارتفاع، فقد تجاوزت الأوضاع في المنطقة الموقف الأميركي الذي رضي بدور بسيط، ووجوده في ربع سورية يعني قبوله بوجود النظام وروسيا وإيران أيضاً في الثلاثة أرباع الباقية، ومن الصعب أن تنجح أي جهودٍ ترمي لطمأنة الجانب التركي، ما دامت المساعدات العسكرية الأميركية تهطل كالمطر على مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بشكل مباشر أو موارب. وقد يضطر الأميركي نفسه للدفاع عن وجوده في الشمال السوري، وهي حالة عسكرية وصل إليها كل وجودٍ أميركي خارج الولايات المتحدة، فلا تلبث قواته أن تُعتبر قوى احتلال، يحاول الجميع إخراجها. لذلك قد تكون أميركا بحاجةٍ حقيقيةٍ إلى سياسة مختلفة، تتجاوز التقاليد الأميركية بالقيام بمثل هذه الجولات.
فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية