مصر لن تحارب في اليمن

مصر لن تحارب في اليمن

10 نوفمبر 2018
+ الخط -
لا يمكن التأكّد من عدد المرّات التي أكد فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي التزامه بـ"أمن الخليج"، منذ استخدم تعبيره "مسافة السكّة" حتى تصريحاته أخيرا، لكن من الواضح أن للمصطلح معانيَ مختلفة بالنسبة للمرسِل والمُرسل إليه.
تفترض السعودية ابتداءً أن حرب اليمن مكوّن أساسي من أمنها، لمنع خطر الحوثيين المدعومين إيرانياً على حدودها الجنوبية، إلا أن ما حدث هو أن مصر أرسلت سفناً إلى مضيق باب المندب، بخلاف ما فعل السودان على سبيل المثال الذي أرسل آلاف الجنود، وتلقى مقابل ذلك مليارات الدولارات، ولم يغيّر من الموقف المصري قصف الحوثيين السعوديةَ بالصواريخ الباليستية التي اكتفى السيسي بإدانتها لفظياً.
وبالمثل، كان الموقف السعودي المتمسّك بإسقاط بشار الأسد مرجعه دوافع أمنية بحتة لمنع النفوذ الإيراني، وهنا حافظت مصر على خطّها المختلف، وكانت ذروة المواجهة حين صوتت مصر، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، للقرارين الفرنسي والروسي ضد الرغبة السعودية، فعوقبت مصر بوقف شحنات الوقود التي كانت تحصل عليها بتسهيلات في السداد (ليست منحة)، وذلك في ذروة الأزمة الاقتصادية، وهو ما دفع مصر إلى التوجه نحو العراق والجزائر، في ظل تبادل للتراشق الإعلامي والإلكتروني.
وفي السياق نفسه، يأتي الموقف المصري من اختطاف الرياض رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، حيث نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية أن الرئيس السيسي صدم بن سلمان بموقفه المتصلب رفضاً لما حدث.
وأخيراً، يدور الحديث حاليا في أوساط مصرية حول عدم نية مصر التفاعل مع فكرة "الناتو العربي"، والذي كان من المفترض أن تعقد قمة عربية - أميركية في يناير/ كانون الثاني المقبل لتدشينه قبل أن تعرقله مأساة جمال خاشقجي. يتطابق ذلك مع ما حدث بعد قمة الرياض في مايو/ أيار 2017، حين أعلن بيانها الختامي عن تشكيل قوة إسلامية لمحاربة الإرهاب، قوامها 34 ألف جندي، مستعدة للتدخل في سورية والعراق، ثم تبخّرت الفكرة تماماً منذ ذلك الوقت.
تتعدّد التفسيرات المحتملة، سواء بسبب رؤية السيسي الشخصية المتمسّكة "بالاستقرار" كما يكرّر، أو بسبب الموقف التاريخي المصري نحو إيران المختلف عن السعودية، أو بسبب العقيدة العسكرية المصرية التي ترفض تشبيهها بالمرتزقة أو جيش بالإيجار (وهو ما قاله السيسي سابقاً أيضاً أن "جيش مصر لمصر فقط")، أو بسبب عقدة تاريخية مصرية من الانغماس في اليمن تحديداً، وهو ما يجعل من المستحيل على أي شخصٍ إقناع القواعد الشعبية والعسكرية بالتورّط في حرب يمن أخرى، أو إجبارها على ذلك.
ويبدو مثال حرب تحرير الكويت النموذج الوحيد الذي يعنيه السيسي بوعوده، وهو سيناريو مختلف لغزو مباشر تتم مجابهته بغطاء دولي واسع، تكون مصر جزءاً منه.
من المهم هنا إدراك تعقيد المواقف السياسية بطبيعتها، فالدعم الخليجي بعد "30 يونيو" في 2013 لم يجعل مصر تابعة بشكل مطلق لدافع الأموال، كما يُصور بعض المعارضين. وفي المقابل، لم تغيّر كل هذه الخلافات من التحالف الاستراتيجي لمحور القاهرة - الرياض - أبوظبي.
ومن اللافت هنا أن هذه الملفات تتفق فيها أغلب قوى المعارضة المصرية مع النظام المصري، إلى حد أن السفير معصوم مرزوق ذكر في التحقيقات أنه معجب بسياسات الرئيس السيسي في بعض الملفات الخارجية، مثل اليمن وسورية وإثيوبيا، على الرغم من أنه مسجون بسبب مواقفه السياسية الحادّة التي بلغت ذروتها في قضية خارجية، تحديداً هي جزيرتا تيران وصنافير، التي صرح بسببها بأن "شرعية نظام السيسي انتهت تماما"، وتوعد المفرّطين في الأرض بالمحاكمة، وبأن مصيرهم "أعواد المشانق".
يثير هذا المشهد مفارقاتٍ محيرة، خصوصا لو تم مد هذه الرؤية إلى ملفاتٍ أخرى، مثل المشروع القومي لعلاج فيرس سي الذي أثبت نجاحاً كبيراً، أو معاش تكافل وكرامة (برنامج الدعم النقدي المشروط)، أو برنامج "شهادة أمان" للتأمين على العمالة غير المنتظمة، وغيرها من الملفات الجزئية، وهو ما يذكّر بمواقف تنظيمات شيوعية أيّدت بعض قرارات جمال عبد الناصر، بينما هي في سجونه، ويطرح أسئلة بشأن معايير المصداقية والموازنات السياسية.