إنه الاقتصاد يا غبي

إنه الاقتصاد يا غبي

06 اغسطس 2017
+ الخط -
كل الحقائق تصبح سهلة الفهم بمجرد اكتشافها؛ المهم أن تكتشفها، وهذا يتطلب بحثًا وجهدًا كبيرين. ويتسحب هذا الحكم على كثير مما يجري حولنا اليوم، فما هي قصة الاقتصاد فيما تشهده الساحة العربية من أحداث ساخنة؟
كان السباق الرئاسي بين الرئيس، جورج بوش الأب والشاب المغمور القادم من ولايات الجنوب الفقيرة، بيل كلينتون، يصب في صالح بوش الأب؛ لا سيما وأنّه الرئيس الذي عاد من الشرق الأوسط بعد تأمين مصادر مناسبة من البترول خلال إجلاء القوات العراقية عن الأراضي الكويتية عام 1991 فضلًا عن تداعي الاتحاد السوفيتي أمام الحلم الأميركي؛ بما يشير إلى ارتفاع شعبية بوش، فأصبح إعادة انتخابه فترة رئاسية ثانية من نافلة القول. في مارس/ آذار 1991، جرى استفتاء على أداء بوش الأب، وكان الأميركيون راضين عن أدائه بمعدل 90%، لكن المفاجآت تحدث، وربما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
كان المستشار السياسي، جيمس كارفيل، يقود الحملة الانتخابية للشاب بيل كلينتون، ومع أنّ كلينتون كان أقل حجمًا سياسيًا من بوش الأب؛ إلا أن كارفيل برع في قيادة حملة كلينتون، من خلال اختصار أهداف كلينتون في ثلاث جمل: "التغيُّر مقابل المزيد، إنه الاقتصاد يا غبي، لن ننسى الرعاية الصحية". وعُلِّقت هذه الأهداف في مقر حملة كلينتون في ليتل رووك. ولك أن تتخيّل سحر كلمة الاقتصاد، لا سيما وأنّ بوش الأب أغفل في حملته الكساد الذي يعصف ببعض الولايات؛ فاستفاد كارفيل من وضع الركود الاقتصادي، وغازل به الأميركيين، ووجه الأنظار إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية في الداخل الأميركي؛ ما ترتب عليه تراجع شعبية بوش الأب، وفق استطلاع الرأي في أغسطس/ آب 1992 إلى 64% فقط.
وصل كلينتون إلى سدة الحكم، وتمكّن من البقاء في البيت الأبيض فترتين رئاسيتين متتاليتين بفضل اهتمامه بالاقتصاد، وأصبحت جملة "إنه الاقتصاد يا غبي" من كليشيهات السياسة الأميركية، ودخلت المعجم السياسي الأميركي. ولأن الاقتصاد هو المقياس المهم للشعوب (وإن لم يفهم الرجل البسيط ماهية التضخم والعجز في الميزانية وغيرها من المصطلحات المتخصصة)، فإنّ بعض الحكومات قد تلجأ إلى افتعال أزماتٍ لا وجود لها بالأساس، بهدف إلهاء الشعوب وصرف أنظارها عن المشكلات الاقتصادية التي تمر بها تلك الحكومات. وما يجري الآن على الساحة الخليجية من افتعال أزمة البيت الخليجي يفضح أكثر مما يستر، ما أرادت بعض الحكومات إخفاءه عن الشعوب.
في مقال بعنوان "المملكة العربية السعودية ضد قطر: المواجهة المكسيكية في الصحراء العربية" والمنشور في موقع Seekingalpha.com أكد المحلل السياسي الاقتصادي، ألبرت غولدسون، أنّ الأزمة الخليجية الحالية صناعة سعودية بامتياز لأسباب اقتصادية غير معلنة. وذكر غولدسون أن العربية السعودية تستهدف تدمير قطر باعتبارها أقوى منافسي المملكة في سوق النفط الخليجي؛ وذلك قبل أشهر من طرح أسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب، والمقرر أن يجري خلال العام 2018 على الأكثر. كما أوضح غولدسون التباين بين الأهداف المعلنة للأزمة الخليجية والأهداف غير المعلنة؛ ففي حين أنّ الجميع يسمع، ليل نهار، الأسباب التي دفعت السعودية والإمارات والبحرين لمقاطعة قطر، والتي لا تزيد عن أنها ورقة توت، إلا أنّ الأسباب غير المعلنة لا تُسمع بشكلٍ كافٍ، وهي من منظور غولدسون، الرغبة المحمومة للرياض في التغطية على فشلها السياسي والاقتصادي، خصوصا بعد نتائج حرب اليمن، وشغل الشعب السعودي بشيء آخر يفكر فيه.
ارتدت الأزمة الخليجيةعلى المملكة العربية السعودية بنتيجة عكس ما توقعتها؛ فقد أضرّ النزاع بالفاعلية المؤسسية لدول مجلس التعاون الخليجي، وعزّز من دور ظهور إيران في عقر دار السعوديين أنفسهم، واستمرار حالة الحصار الخليجي لقطر ينجم عنه اضطراب في أسواق الطاقة؛ فتتغير الأسعار بما يضرّ العائدات السعودية. الشعور بأثر إجراءات التقشّف في المملكة وتباطؤ الاقتصاد من شأنه أن يرسم علامات استفهام كثيرة بشأن مصير خطة 2030.
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
محمد الشبراوي (مصر)
محمد الشبراوي (مصر)