مجرّد معرض للكتاب

20 اغسطس 2017

نجاح العطار في جولة افتتاح معرض الكتاب (موقع سانا)

+ الخط -
أشاع معجبون بنظام البراميل المتفجرة في سورية و"صموده" أن انعقاد معرض دمشق (الدولي) للكتاب، قبل أيام، شاهدٌ جديد على انتصار سورية الأسد على المتآمرين عليها، بل راح بعضهم يذيع غبطته بالمعرض، وبمن أقاموه، تشفيّا بنا، نحن الذين انتصرنا للثورة وناسها، لا لشيءٍ إلا لأن ثورةً لم تحدث، وإنما تآمرٌ وإرهابٌ دحرهما النظام الممانع والظافر في دمشق، بحسب هؤلاء. وهذا معرض دمشق للكتاب يدلل، للعام الثاني على التوالي، على هذا النصر المؤزّر، كما معرض دمشق الدولي الذي افتتح الجمعة بعد توقفه منذ 2011. ولأنه ليس من رجاحة العقل أن يُشغل واحدُنا نفسه بالرد على ما يقوله هؤلاء وما لا يقولونه، بشأن معرضٍ للكتاب أو لغيره، في دمشق أو غيرها، فإن الإيجاز هنا، بصدد المسألة كلها، هو إيضاح البديهي، أي أن سلطة إبادةٍ تقوى على شعبها بالرصاص والقذائف وغاز السارين، وتستقدم الإيراني والروسي وغيرهما، لمعاونتها في الفتك، لا يمكن وصف صنيعها انتصارا، ولا اعتبارها غالبا هزم مغلوبا، فالاثنان مغلوبان، وهذا الحطام السوري يؤشّر إلى أن عصابات الإرهاب ذات الرايات السود هي من نواتج هذا النظام الذي يحتفي أولئك به، وبتنظيمه معرضا للكتاب.
النصيحة للفرحين بالمعرض المتحدّث عنه هنا أن يثابروا على قراءة النخبة السورية الواسعة التي لا تتعاطى الأوهام العابرة، وتشخّص الحال أمامها كما هو شديد الوضوح، وفيه أن نظام الأسد، بقوة النيران المهولة التي أحرق فيها البلاد والعباد، منذ أول هتافٍ في درعا ضد تسلّطه قبل ستة أعوام، وبالتهجير والقتل، وبصنوفٍ من العسف التي نشطت فيها جيوشٌ ومليشيات وصواريخ وافدة، يجوز له الآن أن ترفرف راياته أمام قاعات معرضٍ للكتاب، وآخر لغير الكتاب. وإذا أراد كتّاب وإعلاميون ومثقفون، في عمّان ورام الله وبيروت وتونس وغيرها، من أهل التشبيح، المعادين للشعب السوري، والعديمي الضمير والمشاعر أمام دماء معتقلين قتلوا في أقبية النظام الذي يشايعونه ويمحضونه التبجيل، إذا أرادوا أن يبتهجوا بأكثر من مجرّد معرض للكتاب، فإنهم لا بد سيجدون "منجزاتٍ" غير قليلة أحدثها هذا النظام، في العامين الأخيرين مثلا، من قبيل مهرجانٍ للسينما في بعض مدينة حلب، وعروض أزياءٍ في اللاذقية، واستقبال قياداتٍ بعثيةٍ في عاصمة الأمويين إلهام شاهين، وغير ذلك من أسبابٍ تسعف الشّبيحة، المتحدّث عنهم هنا، بالحبور والسرور بانتصار سورية الأسد على الإرهاب... .
أمّا وأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن دور نشرٍ من غير بلد عربي شاركت في الدورة الـ 29 لمعرض دمشق الدولي للكتاب، على غير ما كان الأمر في دورة العام الماضي، فكانت الدور المشاركة، محلية وعربية، 150 فقط. ولكن منظمّه، اتحاد الناشرين السوريين، لم يفلح في استضافة أي كاتبٍ أو مثقف عربي لأي من أنشطة المعرض الموازية، المضجرة بحسب وصف تقرير في صحيفةٍ بيروتية، من قبيل ندوةٍ عن "الحرب على سورية.. السياسي والثقافي". وعلى ما قرأنا، لم يحقق المعرض مبيعات عالية، بالنظر إلى ظروف المواطن السوري وأحواله.. ومزاجه. وباستثناء كاتبيْن سوريين أو ثلاثة شاركوا في توقيع كتبهم، فإن المعرض (الدولي) لم يشهد أي مظاهر احتفاءٍ بالكتاب، وبدا أن مجرّد انتظامه، ولو كيفما اتفق، هو الأهم، ليكون، مع عودة معرض دمشق الدولي، تأكيدا على أن "الحرب انتهت وأن الإرهاب انحسر"، على ما قالت مستشارة الرئيس، بثينة شعبان، بعد أن أفادت نائب الرئيس، نجاح العطار، بأنه لولا تضحيات الجيش السوري لما صار هذا المعرض الذي عدّته من معالم انتصار يقترب. أما عن مسؤولية الحكم البعثي عقودا، وفي الأعوام الست الماضية خصوصا، بشأن مغادرة أعدادٍ مهولةٍ من كتّاب سورية وأدبائها ومفكريها ومثقفيها بلدهم، فذلك لا مطرح له في أفهام شعبان والعطار ومداركهما، وكذا في أعراف المولعين بصمود سورية الأسد.
كان طريفا أن تتسلّل نسخٌ من كتاب "الشيخ الرئيس رجب طيب أردوغان.." إلى أحد رفوف دار نشر مشاركة في المعرض، وأن يقول وزير الثقافة السوري، محمد الأحمد، إن الكتاب دخل إلى المعرض بكيفيةٍ غير شرعية، فيما توضح وزارة الإعلام أنه دخل البلاد في العام 2010. واعتبر غاضبون الحادثة "فاجعة"، فيما هي ظريفةٌ، قد تستثير بعض الضحك ... لا التشفّي كما يفعل أولئك.
دلالات
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.