أزمة الخليج وفجورعربي

18 يونيو 2017
+ الخط -
مخجل أن نضع أزمة الخليج موضع مقارنة، مع ما يجري من تنافس ألماني فرنسي، للحفاظ على دول أوروبا، ففي وقت تسعى فيه الدول الأوروبية إلى لملمة أوراقها وترتيبها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نجد مجلس التعاون الخليجي يعلن خروج الرصاصة الأخيرة من بيته الداخلي، ليس على إيران التي تتربص لهم، بل على دولة عربية شقيقة.
حدث ذلك بشكل خُيّل لنا أنه مفاجئ، لكنه أمر مُدبر ومدروس على عجل. ما حدث أشبه بكارثة عربية مُخجلة، بل هو إعلان ظهور الفجور العربي في وقت لا يتناسب مع الزمان والمكان المناسبين لما يمر على المنطقة كلها، من كوارث تُهدّد العالمين العربي والغربي. أظهرت الدول العربية غسيلها إلى العلن، وتم نشره بلا خجل، وفُتحت ملفاتٌ كان التكُلم بشأنها ممنوعا، كل هذا جرى والمنطقة تسبح بالدماء منذ أكثر من ست سنوات من فعل طغاة العصر ومجرميه.
تم ترويج حصار قطر وقرار قطع العلاقات بتمهيد إعلامي من قنواتٍ كنّا نحسبها أنّها تحترم أخلاق المهنة، تسابقت قناتا العربية وسكاي نيوز على تنفيذ مهمةٍ لا تُحمد عواقبها على تاريخهم المهني. وبشكل دراماتيكي متسارع، تسارعت الدول الشقيقة لتشكيل طوق حصار محاولين استنساخ حصار غزة لتحقيق غرضٍ بعيد المنال، وعن طريق الباطل يريدون إخضاع دولةٍ تكالبوا عليها بلا رحمة أو هوادة، متناسين قوانين الجوار، وضاربين المنظومة الأخلاقية عرض الحائط، فهو الفجور بعينه على دولةٍ عربيةٍ في وقت ضائع، يستنزف من رصيد الأمة العربية التي تعاني الأمرين، من تكالب الفرس على الرقعة العربية وقضمها اليمن والعراق والبحرين وسورية ولبنان، كل هذا الفجور ظهر عقب انتهاء زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، السعودية، وكأنه أوقد شرارة الفتنة بين العرب، فجعل بأسهم فيما بينهم، ليعود الأخير بمليارات إلى واشنطن تاركاً خلفه مصيدته التي أوقع العرب بها أنفسهم، غير متطلعين إلى عواقب المستقبل.
ولكن، ما الذي جرى ولماذا كل هذا الفجور الإعلامي الذي سيقود، بشكل أو بآخر، إلى تدخل إيران أكثر بشؤون الدول الداخلية، فما إن قرّرت الدول استمرار التصعيد، حتى ظهرت إيران كأنها دولة راعية للسلام، وعرضت فتح الأبواب أمام قطر، كما أنّ روسيا وقفت، بشكل مباشر، إلى جانب قطر، وهذا فهم منطقي لدول الاستبداد، مثل روسيا وإيران، أن يستغلوا كلّ هفوة عربيةٍ من شأنها أن تعزّز مواقفهم في منطقة الشرق الأوسط، وإحراز نقاط تقدم على حليفتهم أميركا.
يمكن فهم ما يجري جرّاء تشكل محور الإمارات والسعودية ومصر ومن لحقهم بتأييد قرار العزلة والمقاطعة، فجميعهم غير راضين على الدور القطري في دعم الثورات العربية، وهذه الدول نفسها من استثمر بثورات الربيع العربي، وضخت المليارات لصنع الثورات المضادة.
يوم بدأ التجييش، ظهر الكلام أنّ قطر تدعم الإخوان المسلمين، وأنها دولة راعية شخصيات إرهابية، أظهروا تلك الملامح عن طريق فبركات واختراق لوكالة القناة القطرية الرسمية، لأجل نسب تصريحات لأمير قطر وصب الزيت على النار للوصول لمرحلة الحصار.
المطلوب أن تكون قطر دولة منزوعة السيادة، كل هذه الخرافات تسقط أمام الهدف الحقيقي لهذا المخطط العربي الغربي، مفادُه بأنّ قطر رفضت الاعتراف بالانقلابات العسكرية، ورفضت أن تكون دولة منزوعة السيادة، وهي تعاقب اليوم لأنها لم تقف في صف الثورات المضادة، ضد الربيع العربي.
إذاً، ما يجري محاولة لتركيع قطر، ووضعها تحت الوصاية، وهذا من شأنه أن يحزّ بأنفسنا ونحن نرى فضائح الإمارات بدعمهم خليفة حفتر في ليبيا وتورطهم في انقلاب عبد الفتاح السيسي ودعمهم له، واحتضانهم نجل علي عبد الله صالح ودعمهم الحوثيين، وفتح قنوات ومطارات كرمى لعيون الأسد في سورية، واستضافتهم أبناء مخلوف وشاليش.
إذاً حريُ بنا أن نسأل لماذا يتم التغاضي على بلاوي الإمارات، لتتركز بعدها كل الجهود على محاصرة قطر، الجواب لأن هذه الدول لا تريد نجاح ثورات الربيع العربي، فهي تؤمن بحكم العسكر الذي يقوّض حرية الشعوب، ويجعلها أداة مطواعة للسلطة وخدماً وجنداً لها.
يبدو ما حدث كأنه من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. تعاملت قطر مع الأزمة بدبلوماسية وموضوعية، وهي إلى اليوم تحاول أن تفرض نفسها لاعبا دوليا لا يستهان بها. وعلى الرغم من كل ما جري، مؤكد أن هذا الزلزال سينعكس على كامل المنطقة العربية، وسيزيد من الشرخ الحاصل لها، وهو ما ستدفع ثمنه دول عربية أخرى، إذا لم تستح من أفعالها المهينة، خصوصاُ أنّها أصبحت تعاقب شعوبها على كل من يتعاطف مع قطر! إنه فجور عربي بلا حياء.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)