تنمية مقابل سلاح نائم

تنمية مقابل سلاح نائم

07 أكتوبر 2017
+ الخط -
بسحر ساحر انطلق قطار المصالحة الفلسطينية، وأولى بشائره الزيارة التي قامت بها الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله، حيث عقدت أولى جلساتها الوزارية في غزة منذ عامين. وأصبح "أعداء الأمس" في السياسة "إخوة اليوم"، ورفعت صور الرئيس عباس، وعلقت اليافطات المرحبة بممثلي السلطة الفلسطينية، بعد أن أزيلت اليافطات التي كانت تشتم عباس وتتهمه بسرقة حقوق الموظفين والأسرى.
هذا المشهد الذي تناقتله وسائل الإعلام لم يبهر الغزيين، والشباب منهم خصوصا، الذين ضاعت أحلامهم في متاهات الأوضاع الاقتصادية المتردية، والبطالة التي دخلوا في غياهب جبها، وتركوا خلفهم شهادات علقت على الحائط للذكرى، ولم تعد تنفع معها الوعود الكاذبة، والمصالحات الفاشلة، وهذا ما عبّر عنه الشاب الجامعي، إيهاب أبو عرمانة، في جلسة مع رئيس الحكومة، مقاطعا إياه "11 سنة اسكت اسكت بدي احكي...بدنا نعيش".
ولو كانت المصالحة الفلسطينية عناوينها تنموية بحتة، لقبلنا بها جميعا من غير نقاش، ومن حق جميع الغزيين أن ينعموا بكل مواصفات الحياة الكريمة، إلا أنّ من الواضح أنّ هذه المصالحة عنوانها الرئيس هو "الشرعية الفلسطينية"، والمقصود بشكل واضح ما عبّر عنه الرئيس محمود عباس، في مقابلاته الصحفية، نزع سلاح المقاومة، والقبول بالتزامات منظمة التحرير إن أرادت "حماس" الانضمام إليها، والترجمة العملية لهذا الكلام هو الاعتراف الضمني بإسرائيل، وتسليم سلاح المقاومة، والدخول بالعملية السلمية، وإلا فإنّ سيف العقوبات سيبقى مسلّطا على رقاب الغزيين.
وإذا كان واضحا جدا أنّ "حماس" قبلت بحدود ال67 بوثيقتها السياسية الصادرة في مايو/ أيار الماضي، ما فهم منه ضمنيا حسب بعضهم أنّه اعتراف غير مباشر بإسرائيل، فهل ما استجد من فتح أبواب المصالحة مع حركة فتح يمكن أن يترجم بتفاهمات، فما شكل هذه التفاهمات، وعلى أي موضوع بالتحديد؟
النقطتان الملتهبتان في أي اتفاق بين حركتي فتح وحماس هما الموظفون والأجهزة الأمنية، وإن كان المال العربي والدولي سيتكفل بالموظفين، فإن سلاح المقاومة سيبقى مربط الفرس الوحيد. ليس متوقعا أن تسلم حركة حماس سلاحها، لكنه ليس من المستحيل بعد أن تردّت الأوضاع في غزة، ووصلت في تقديرات الأمم المتحدة أن عام 2020 هو عام غزة غير قابلة للحياة، بحيث تصبح فيه المسؤولية مضاعفة على "حماس"، بعد أن حشرت في الزاوية، أن تقدم تنازلات مؤلمة، كما تحدث رئيس قطاع غزة في حركة حماس، يحي السنوار، وبالتالي هل ستنتشر الأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة للسلطة في طول غزة وعرضها، وهل ستحكم قبضتها الأمنية على المعابر؟ وهل ستدعم "حماس" عباس في مفاوضاته مع الإسرائيليين؟ السيناريو المرجح نعم، لكنه لا يكفي، فهل سيجري الحديث عن هدنة طويلة الأمد مع الاحتلال، في مقابل عدم تسليم السلاح، ومنع أي صاروخ يطلق من القطاع على الكيان الإسرائيلي؟
هي معادلة دقيقة، التنمية وفتح المعابر وتوفير الكهرباء وإيجاد الوظائف للشباب، مقابل سلاح نائم، ينعم بالدفء والراحة في مخابئه، مسيطر عليه من قبل السلطة الفلسطينية.
وإن كان الجانب الإسرائيلي يرى في هذه المصالحة اتفاقا ظاهريا، ويشكل مظلة للإرهاب، كما اعتبر اللواء احتياط يعقوب عميدرور في مقاله بصحيفة إسرائيل اليوم، أو مصالحة مزيفة كما اعتبرها نتنياهو، إلا إذا تضمنت الاعتراف بإسرائيل وتسليم السلاح، فإنّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غزة أصبحت عبئا إعلاميا وفضيحة إنسانية بحق الاحتلال الإسرائيلي، ناهيك عن مخاوف التلوث في القطاع التي من الممكن أن تطال الكيان الإسرائيلي. هذا يقتضي بدوره أن يفتح المسؤولون الإسرائيليون المعابر للسلطة الفلسطينية للمرور إلى غزة، كون التنمية في القطاع بحاجة إلى جسم فلسطيني موحد، ولا مانع إن أضيف الى ذلك هدنة طويلة الأمد بضمانات السلطة الفلسطينية.
من الممكن جدا أن يكون ثمن بقاء سلاح المقاومة هي هذه التنازلات، مع منع تطبيق نموذج حزب الله في غزة، كما أوضح عباس، لكنه كيف سيفعل ذلك وحماس ستتقاسم معه الحكم؟
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)