عض أصابع بين الصين وتايوان

عض أصابع بين الصين وتايوان

23 يناير 2016

تساي ونائبها بعد فوزهما في انتخابات تايوان الرئاسية (16يناير/2016/Getty)

+ الخط -
لم تستطع بكين تورية غضبها من نتائج انتخابات الرئاسة في تايوان التي أفضت، قبل أيام، إلى فوز زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي، تساي إينغ وين، الرافضة للتقارب مع الصين والداعية لتكريس الاستقلال عنها، على مرشح حزب الكومنتانغ القومي الذي أسس هذه الدولة الجزيرة في 1949، واتبع، في السنوات الأخيرة، سياسة التقارب الاقتصادي مع الصين، إذ عمدت بكين إلى إطلاق مناورات عسكرية قبالة سواحل تايوان، بعيد إعلان نتائج الانتخابات، وكأنها تقول للحاكمين الجدد إن الصين جادة في استعادة الجزيرة، وضمها إلى الوطن الأم، بالقوة إن لزم الأمر.
لكن، من الصعب الحكم على حقيقة التوجه الصيني حيال هذا التغيّر السياسي المهم في تايبيه، إذ يبدو كل شيء وارداً هذه الأيام: استعمال القوة حقاً، فضلاً عن التهديد بها، في وجود رئيس قوي في بكين، يفاخر بالقوة العسكرية ويسعى إلى تعظيمها، وعدم استعمالها، لأن في الأمر مغامرة كبرى بكل ما أنجزته الصين من تقدم اقتصادي، ذلك أن تايوان تتلقى دعماً ورعاية سياسية وعسكرية من الولايات المتحدة.
تبدأ قصة الصين وتايوان في 1949، حين فرّ الرئيس الصيني، آنذاك، تشانغ كاي تشيك، زعيم حزب الكومنتانغ، إلى جزيرة تايوان، بعد نجاح الشيوعيين، بقيادة ماو تسي تونغ، في السيطرة على السلطة. هناك، أسس تشانغ دولته التي سميّت "الصين الوطنية"، محتفظاً باعتراف العالم به رئيساً شرعياً للصين، بما في ذلك احتفاظه بالمقعد الدائم في مجلس الأمن المخصص للصين.
مع تطورات الحرب الباردة في العالم، تقاربت الولايات المتحدة مع الصين الشعبية في مواجهة الاتحاد السوفييتي، ابتداءً من زيارة وزير الخارجية الأميركي، هنري كيسنجر، السريّة إلى بكين في يوليو/تموز من 1971، وأسفر ذلك عن اعتراف أميركا، ومعظم دول العالم، بالصين الشعبية، وإقامة علاقات دبلوماسية معها، اعتباراً من أواخر سبعينيات القرن العشرين، في مقابل سحب الاعتراف من الصين الوطنية، تلبية لشرط صيني، يحول دون إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول التي تقيم علاقات مع تايوان، وكذلك سحب مقعد مجلس الأمن منها، ومنحه للنظام الشيوعي في بكين.
لكن الولايات المتحدة ظلت، على الرغم من سحب اعترافها بنظام تايوان في 1978، تدعمها سياسياً وتبيعها الأسلحة، وتوظفها أداة للضغط على الصين في السياسة الدولية. أما الصين التي رفعت شعار "دولة واحدة ونظامان" في سياستها لاستعادة هونج كونغ، (أي نظام رأسمالي وآخر اشتراكي)، فقد استعملت الشعار نفسه لإعادة تايوان إلى الوطن الأم، بل يُعتقد أن الشعار صيغ أساساً من أجل تايوان. لكن، ولمّا كانت مسألة تايوان أكثر تعقيداً من مسألة هونغ كونغ، خصوصاً لأن الولايات المتحدة ظلت تدعم التوجهات الانفصالية في تايوان، كي تبقيها ورقة ضغط ضد الصين، فقد اتجهت الحكومة الصينية لممارسة سياسة محاصرة تايوان دولياً، والترحيب، في الوقت نفسه، بإقامة علاقات اقتصادية معها، بما في ذلك جذب استثماراتها إلى الصين التي بلغت، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نحو 40 مليار دولار، بغرض ربط اقتصاد تايوان بالاقتصاد الصيني، ومن ثم إنشاء جماعات داخل تايوان، موالية للصين. وقد قال الزعيم الصيني الراحل، دينغ شياو بنغ، يوماً: "توحيد الوطن الأم هو طموح الأمة قاطبة، وإذا لم يُنجز في مائة عام، فسيكون في ألف عام"، وفي ذلك دلالة على إصرار الصين على استعادة الجزيرة.
الآن، تبدو الأمور في غاية التعقيد للطرفين. فاقتصاد تايوان بات معتمداً على الاقتصاد الصيني بشكل كبير، وتبدو أية مغامرة تايوانية في هذا المجال بمثابة انتحار حقيقي للدولة. أما الصين فليست في طور الدخول في صراعات عسكرية، ولا حتى سياسية، مع القوى الكبرى في العالم، ولا تحتمل الدخول في مغامرةٍ تفضي إلى تدمير ما تم بناؤه في أربعين سنة منذ اتباع سياسة الإصلاح والانفتاح في 1978، خصوصاً أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية المأمولة في الصين لم تنجز بعد.
الراجح أن أحداثاً ساخنة لن تقع بشكل مباشر، وستواصل بكين الضغط على تايبيه من بوابة الاقتصاد، لإعادتها إلى الوطن الأم، وهي البوابة نفسها التي قالت رئيسة تايوان الجديدة في حملتها الانتخابية إنها تريد الخروج منها للتحرّر من نفوذ الصين. إنها على الأغلب لعبة عض الأصابع التي تهدّد بالقوة العسكرية، ولا تستعملها.

دلالات

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.