حتى اللحد يتقزز

حتى اللحد يتقزز

23 سبتمبر 2015

انطوان لحد بين أيهود باراك وشاؤول موفاز (1فبراير/2000/Getty)

+ الخط -
لا أحد يعرف مصيره على الإطلاق؛ ولا حكمة في ذلك قط. وعملاء إسرائيل في لبنان ما كانوا ليتخيلوا مصائرهم السود، وإلا ما تجرأوا على ما أقدموا عليه. وليست مستغربة ألبتة النهايات التي انتهى إليها هؤلاء العملاء؛ فها هم إما في اللحد، أو في السجن، أو يعيشون في بلاد بعيدة، مكلّلين بالعار الذي صنعته أيديهم. هكذا مات سعد حداد متسربلاً بأمراضه، غير أن ابنته البكر دولّي ما فتئت تتباهى باعتناقها اليهودية، وبأن ابنتها انضمت إلى سلاح الجو الإسرائيلي، ولعلها لن تتردد، يوماً ما، في قصف بلدها الأول لبنان. وها هو أنطوان لحد يموت فلا يجد في كفر قطرا، بلدته الأصلية، لحداً يستر جثته. ومن غرائب التسميات عائلة "لحد". فاللحد في اللغة هو القبر أو الدفن أو الإثم أو الانحراف أو الكفر أو الاعوجاج. وفي لبنان أديب معروف اسمه لحد خاطر، وعائلة مشهورة هي آل لحود، ومنها الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحّود.
مهما يكن الأمر، فإن ما عُرف عن أنطوان لحد، الشمعوني الهوى، أنه حين وُلد لم يفرح به أحد، وحين مات لم يحزن عليه أحد. وارتبط اسمه، لا بالعمالة لإسرائيل فحسب، بل بأكثر القذارات والدناءات التي مارستها المليشيات اللبنانية، في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، كالتعذيب. ومثلما ارتبط اسم سعد حداد بمجزرة صبرا وشاتيلا، فإن اسم أنطوان لحد ارتبط بالعمالة المكشوفة التي لا تعرف حداً للإذعان والنذالة والقتل والتهريب والسرقة والاتجار بالمخدرات. وكان مخايل نصار، ابن أخته، هو الطراز الأكثر انحطاطاً للمركنتلية الفينيقية في صورتها المليشوية. فهو كان عضواً في "القوات اللبنانية"، وتشارك مع إيلي حبيقة في أعمالٍ مشبوهة كثيرة، ثم انتقل إلى الشريط اللبناني المحتل إبّان سيطرة خاله أنطوان لحد عليه، وعمل تحت رعايته في شتى الممنوعات، وجمع ثروة كبيرة جداً قبل أن يهاجر إلى البرازيل، هارباً من أعدائه. لكن المافيات اللبنانية لاحقته إلى سان باولو، وقتلته مع زوجته ماري ميماسي، في 7/ 3/ 2003. وهكذا بات في اللحد كثيرون مجللون بالذل، أمثال إيلي حبيقة وعقل هاشم وأحمد الحلاق، والضابط سمير الأشقر الذي قتل بغدر وخسّة 13 عسكرياً سورياً كانوا نياماً قبالة ثكنة الفياضية سنة 1978، وفرّ كالجبناء إلى قرية بيت شباب، حيث قتل كما يستحق أمثاله. لكن بعضهم عاش ليسمع اللعنات، وهي تنهال عليه، ويرى الهزء والاحتقار في عيون الناس.
بقي من العملاء البارزين إتيان صقر (أبو أرز) الذي بدأت علاقته بإسرائيل في سنة 1977، مع وصول الليكود إلى الحكم. ويمتاز هذا الشخص الذي يشبه اسمه الاسم اليهودي إيتان بالوقاحة والعهر السياسي، فقد أيّد مجزرة صبرا وشاتيلا في مؤتمر صحافي عقده في القدس المحتلة في 2 /12 /1982، ودافع عن مجزرة تل الزعتر التي ارتكبها أمثاله في 12 /8/ 1976، وكان يردد، بلا خجل، أن "إسرائيل حليفتنا" و "لن يبقى فلسطيني على أرض لبنان" و"سورية هي العدو التاريخي للبنان"، وغير ذلك من الهذيانات العنصرية. وعندما تغيرت الأحوال في لبنان بعد الحرب على العراق في سنة 1991، فرّ إتيان صقر إلى الشريط الحدودي المحتل الذي كان يسيطر عليه الإسرائيليون ووكيلهم أنطوان لحد، ثم انتقل إلى إسرائيل بعد التحرير سنة 2000. أما سجله العدلي فمملوء بالأحكام المخزية: السجن سبع سنوات بتهمة التخابر مع إسرائيل (1994)، والإعدام بتهمة تأليف شبكة استخبارات في لبنان لمصلحة إسرائيل (2002).
مثلما لم يجد أنطوان لحد مكاناً في بلده الأصلي ليوارى في ثراه، لن يجد إتيان صقر بالتأكيد متراً مربعاً واحداً ليُهال الركام عليه. وحتى ذلك الحين، ها هو يتأكل في إسرائيل مثل علبة سردين صدئة على رمال شاطئ مهجور.