هل قلت قمة عربية؟

هل قلت قمة عربية؟

17 مايو 2024

الصورة التذكارية للمشاركين في القمّة العربية في المنامة (16/5/2024 الأناضول)

+ الخط -

باتت أخبار القمم العربية تمرّ مرور الكرام في الإعلامين، العربي والغربي، حتى إن غالبية المواطنين العرب لم يعودوا مهتمين بمتابعة أخبار القمم، عادية كانت أو طارئة، وهم مدركون أن نتائجها لن تحيد عن أيٍّ من سابقاتها، وأن أي قرار سيتخذ فيها لن يتخطّى حدود الأوراق التي كتبت عليها.

هذا حال القمة العربية الثالثة والثلاثين التي عقدت في البحرين أمس، وفوجئ كثيرون بحصولها، فعلى عكس القمم السابقة، والتي رغم أنها غالباً ما تنتهي إلى لا شيء، فإنها كانت تحظى باهتمام إخباري، سواء في ما يخصّ إرسال الدعوات، أو من سيحضر ومن سيغيب، وتحليل ذلك وقياسه على حجم التوترات البينية العربية، إلا أن هذا لم يواكب قمّة البحرين، رغم حساسية الفترة التي تمر بها المنطقة العربية، وخصوصاً في ظل العدوان المستمرّ على قطاع غزّة.

انطلاقاً من قطاع غزّة، ربما يمكن أن نحلل انعدام الاهتمام حالياً بالقمم العربية. إذ سبق أن اجتمعت الدول العربية، ومعها الإسلامية، في الرياض في الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أي بعد نحو أكثر من شهر على بدء العدوان على قطاع غزّة، واتخذت قراراً "حاسماً" بكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، وإدخال المساعدات المتكدّسة في سيناء. غير أن هذا القرار، وبعد مرور ستة أشهر على اتخاذه، لا يزال حبيس القاعة التي صدر منها، فيما الأمور في قطاع غزّة تزداد تعقيداً على مرأى ومسمع الزعماء المجتمعين في البحرين، والمختلفين على قضية فلسطين ودعمها.

وبعيداً عن قطاع غزّة والعجز عن التدخل لإغاثته، ما الدور الذي لعبته الدول العربية المؤثرة في الأزمات العربية الكثيرة؟ فإذا استعرضنا الأوضاع في 22 دولة، هم أعضاء جامعة الدول العربية، فإن عدد الدول المستقرّة أقل بكثير من التي تعيش حروباً وانتكاسات سياسية واقتصادية، وهي أوضاع مستمرّة لأعوام، ولم ينجح "التضامن العربي" في حلها، بل ربما كان جزءاً من تعقيدها.

يمكن أن نأخذ الوضع في السودان مثالاً، فالحرب المستعرة هناك بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، والانتهاكات الكثيرة التي تحصل من الطرفين ضد الشعب السوداني، غير بعيدة عن الانقسام العربي، فمن المعلوم أن دولاً عربية متدخّلة وفاعلة في إذكاء الفتنة المحلية وتدعم هذا الطرف وذاك. وهو أمرٌ مستمر، ولن توقفه اجتماعات القمة، هذا في حال حضر في النقاش وجرى تحميل هذه الدولة أو تلك مسؤولية استمرار الحرب السودانية وتصاعدها.

ليبيا أيضاً، وانقسامها بين شرق وغرب، غير بعيدة أيضاً في جزء منها عن الانقسام العربي أو الخلافات التي انعكست على الحرب الأهلية التي كانت دائرة في البلاد، والتي لم تنته مفاعيلها حتى اليوم، في ظل استمرار الانفصال الجغرافي، والذي قد يوصل إلى تقسيم ليبيا إلى جزأين أو ثلاثة. فمن المعروف أن هناك دولاً عربية تدعم معسكر الشرق، وأخرى مصطفة خلف معسكر الغرب، وهو خلاف أيضاً لن يحضر في اجتماع القمّة.

اليمن نموذج ثالث في وجود ثلاث سلطات في البلاد، فبعيداً عن التدخّل الإيراني ودعمه سلطة الحوثي في الشمال، يأتي الوضع في الجنوب ليكشف عن وجود خلاف عربي حول هوية "الشرعية اليمنية" بين طرف يدعم الانفصاليين الراغبين في العودة إلى اليمن المقسّم، وآخرين داعمين للسلطة التي شكلها الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو أيضاً خلاف لا أفق لحله، ولا نقاش مفتوحاً حوله، ليبقى الوضع على ما هو عليه.

كثيرة الأمثلة التي يمكن سردها حول تدهور الأوضاع في عدة دول عربية بسبب تدخلات عربية أخرى، خصوصاً في مرحلة ما بعد الربيع العربي، والذي أزعج بعض الأنظمة العربية التي تدخّلت لتخريبه. واقع الخلافات والتباينات العربية أكبر من أن تحله قمة تجمع من يحضر من الزعماء لساعات قليلة، قبل أن تنفضّ إلى بيان مستنسخ من قمم سابقة لم ينفذ منه شيء.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".