هل صنعت "نوبل" نجيب محفوظ؟!

هل صنعت "نوبل" نجيب محفوظ؟!

07 سبتمبر 2021

نجيب محفوظ (إبريل 1999/Getty)

+ الخط -

يبدو السؤال كوميدياً لمن يعرف نجيب محفوظ، وزمانه، لكنّه ليس كذلك اليوم. ثمّة جيل يستقي معلوماته من "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" و"تيك توك" وصنّاع محتوى ينتجون "ما يطلبه المهووسون" الأمر الذي وصل، أخيرا، إلى تحوّل إحياء ذكرى "الأستاذ" إلى "خناقة" أشعلها "نصف كاتب" لم يحمله خياله إلى القارئ عبر رواياته "الملطوشة" فقرّر أن يستثمر في عم نجيب، وقال إنه كان كاتبا متواضعا، وركيكا، ومحدودا، وكلّ من عاش في الستينيات والسبعينيات يعرف أنهم كانوا ينظرون إلى محفوظ بوصفه مجرّد كاتب سيناريو، لولا أنه حصل على جائزة نوبل، فهلل له المنبطحون للغرب!
"زمان أغبر"... لكنه زماننا، ولعلها فرصة، نكتب عن نجيب، ومثله لا تنتهي الكتابة عنه. بدايات عم نجيب يعرفها الجميع، أواخر الثلاثينيات ينشر مجموعته القصصية "همس الجنون" (1938)، ثم ثلاثيته الفرعونية "عبث الأقدار" (1939)، رادوبيس (1943)، كفاح طيبة (1944)، وهي الروايات التي استخدم فيها تراثه الفرعوني ليشير به إلى واقعه، ثم "القاهرة الجديدة"، و"خان الخليلي"، و"زقاق المدق"، و"السراب"، و"بداية ونهاية". هنا يلتفت إليه النقاد، ويكتب عنه أنور المعداوي وسيد قطب ويوسف الشاروني، ثم تصدر الثلاثية الشهيرة: "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية" فيتحول نجيب إلى "معلم من المعلمين الكبار في فن الرواية" كما يصفه الناقد الكبير علي الراعي. يتوقف عم نجيب قليلا، ليعاود الظهور على صفحات "الأهرام". يتحمس محمد حسنين هيكل لرواية "أولاد حارتنا" فينشرها على حلقات، وتشتعل الدنيا، تتحوّل بوصلة الاهتمام من النقاد إلى الجماهير. بعدها، يوزّع نجيب، وفق ناشره (مكتبة مصر)، من الرواية الواحدة عشرين ألف نسخة، غير الطبعات المزورة، تنفد الثلاثية مرة كلّ ثلاث سنوات، أرقام التوزيع لمجمل الروايات بالملايين، وهي أرقامٌ غير مسبوقة في الأدب العربي قبل نجيب، شهدتها حقبتا الستينيات والسبعينيات، وانطلق من بعدها نجيب محفوظ ليصبح "كاتب القصة الأول في الشرق العربي". هكذا تقدمه ليلى رستم في برنامج "نجمك المفضل" على التلفزيون العربي، "كاتب مصر الأول في الرواية"، هكذا تصفه، تقارنه بدوستويفسكي، وحين يرفض، ترى في ذلك تواضعا!
قبل "نوبل" يصفه صلاح جاهين في مطلع الستينيات بـ"رجل الساعة" كونه أحد أهم أدباء عصره. قبل "نوبل" تحتفل صحيفة "الأهرام" بعيد ميلاده الخمسين في مقرّها، يسألونه من ندعو؟ فيجيب: أم كلثوم، يتمنى أن يراها ولو مرة وجها لوجه. تأتي أم كلثوم، بجلالة قدرها، إلى مقرّ "الأهرام" لتشارك في عيد ميلاد الكاتب "العادي الذي لم يحظَ بالاهتمام قبل نوبل" وتتحدث عن روايات محفوظ بوصفها أحد أهم أسباب سعادتها. قبل "نوبل" يقف توفيق الحكيم، على منصة "الأهرام" يهنئ محفوظ بعيد ميلاده، ويحمل له هدية، وهو المشهور ببخله، المصرّح به، جادّا وممازحا، قائلا: "إن أدب نجيب محفوظ معجزة لا تتكرّر، لأنه استطاع أن ينتزع مني هدية". يتجاوز تقدير الحكيم مزاحه إلى جدّه حين يفتح محفوظ الهدية، فيجد منحوتا عليها: "إلى عملاق الرواية العربية نجيب محفوظ مع الإعجاب".
قبل "نوبل" (وقبل أولاد حارتنا)، وبعد ترجمة الجزء الأول من الثلاثية (بين القصرين) إلى الفرنسية (ترجمة: فيليب نيغرو) يهيم به فيليب كاردينال على صفحات "ليبراسيون" الفرنسية، ويصفه بـ "صاحب المكانة المركزية في الثقافة العربية"، وبـ"فيلسوف الحياة اليومية". وتصفه "لوبوان" الفرنسية بـ "أهم كاتب عربي نكتشفه حتى الآن" وتتابع مجلة "المقاصد" اللبنانية مبيعات "بين القصرين" في فرنسا، وترصد في عدديها 45 و46 فبراير/ شباط 1986: "إن ألوفا من النسخ بيعت من الرواية، في زمن قياسي". ونشرت "لوموند" الفرنسية مقالا في صفحة كاملة عنوانه "ملك الرواية العربية". وهو ما يرصده غالي شكري، في كتابه الثاني عن نجيب محفوظ المعنون "نجيب محفوظ من الجمّالية إلى نوبل" إذ صدر الأول بعنوان "المنتمي" قبل "نوبل" بربع قرن، ويأتي، بعشرات الشواهد التي تشير إلى أن نجيب محفوظ، باسمه وإبداعه ومكانته، أضاف إلى "نوبل" أكثر بكثير مما أضافت إليه.