هل تغير موقف روسيا من غارات إسرائيل على سورية؟

هل تغير الموقف الروسي من الغارات الإسرائيلية على سورية؟

29 اغسطس 2021
+ الخط -

تكرّرت، في الآونة الأخيرة، الإعلانات الروسية عن تصدّي الدفاعات الجوية لنظام الأسد لغارات المقاتلات الإسرائيلية على مواقع في سورية، وعلى لسان وزارة الدفاع الروسية، وتضمينها إشاراتٍ غير مسبوقة عن "الاعتداءات المتواصلة على السيادة السورية" مع تعمد ذكر أنواع الصواريخ روسية الصنع التي تصدّت للمقاتلات الإسرائيلية، وإسقاط جميع صواريخها باستخدام منظومات صواريخ "بانتسير" و"بوك إم 2"، حسب الزعم الروسي. 
والملاحظ أن الطرف الإسرائيلي، على المستويين، السياسي والعسكري، لم تصدر عنه أي ردود فعل على البيانات الروسية، على الرغم من تكهنات وتقارير تفيد بأن روسيا بدأت تميل إلى تغيير قواعد اللعبة، وأنها ضاقت ذرعاً بالتصرفات الإسرائيلية، التي لم تعد تلتزم بإخطار موسكو مسبقاً بغاراتها وهجماتها على مواقع تابعة لإيران ومليشياتها في سورية، فيما يكرّر الساسة الإسرائيليون أن تفاهماتهم مع روسيا سارية ولم تتغير، وأنهم يحترمون قواعد اللعبة معها والخطوط الحمر بالنسبة إليها، والمتمثلة بعدم المسّ بنظام الأسد، وعدم استهداف قواته، وعدم تدخل إسرائيل لصالح الفصائل المناهضة له.

أي تغير في موقف روسيا من الغارات الإسرائيلية يجب أن يستند إلى متغيراتٍ جديدة تطاول العلاقة بين موسكو وتل أبيب

وعلى الرغم من تأكيدات العسكريين الروس المتكرّرة أن الأجواء السورية مؤمّنة تحت سيطرة قواتهم ومنظوماتهم الصاروخية، وأن من الصعب جداً اختراقها، إلا أن المقاتلات الإسرائيلية شنت مئات الغارات الجوية على مواقع تابعة لإيران ومليشياتها الطائفية في مختلف أنحاء سورية، وفق تفاهمات وصفقات تمت بين الساسة والعسكريين الروس والإسرائيليين. وبناء عليها، اتبع القادة العسكريون آلية الخط الساخن المباشر بين مقرّ القوات الروسية في قاعدة حميميم في سورية وغرفة العمليات العسكرية في تل أبيب، ولم يحدُث أي احتكاك عسكري مباشر بينهما، منذ التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب نظام الأسد في نهاية سبتمبر/ أيلول 2015. وبالتالي، فإنّ أي تغير في موقف روسيا من الغارات الإسرائيلية يجب أن يستند إلى متغيراتٍ جديدة تطاول العلاقة بين موسكو وتل أبيب، والأهداف الروسية من الدور الإسرائيلي في سورية الذي كان يلقى قبولاً لدى ساسة موسكو الذين كانوا يستثمرون فيه، كونه يطاول التموضع الإيراني في سورية لصالح تقوية النفوذ الروسي، وإظهاره الأقوى والأشد تأثيراً على مختلف المستويات في الملف السوري.
ليس بعيداً عن الساسة الروس اتخاذ خطوات تكتيكية مع إسرائيل، بخصوص الوضع في سورية، والإيحاء بأن التفاهم معها قد تقادم، ويحتاج إعادة النظر، لاعتبارات عدة، أمنية وسياسية واقتصادية، خصوصا مع مجيء حكومة إسرائيلية جديدة بزعامة نفتالي بينت، الذي لا تربطه بموسكو علاقة مميزة، مثل علاقة سلفه بنيامين نتنياهو، خصوصا علاقته الشخصية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي توجت بخدمات متبادلة وصفقات عدة. وبالتالي، تريد موسكو أن ترسل إلى إسرائيل رسالة أن ما كان مسموحاً به خلال عهد نتنياهو لم يعد كذلك، الأمر الذي يعدّ اختباراً لمدى قوة القيادة الإسرائيلية الجديدة.

روسيا تريد أن تستثمر ما صرفته عسكرياً في سورية على المستوى الاقتصادي، ولا يتحقق ذلك إلا بترويج أن العمليات العسكرية انتهت في سورية

ومعروف أن الروس، ولأسباب اقتصادية وعسكرية، يريدون ترويج أسلحتهم التي يستخدمونها في سورية، وقد تفاخر قادتهم العسكريون بفاعلية تجربتها ونجاحها ضد الفصائل السورية المعارضة، حيث تحدث وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في أكثر من مناسبة، أن الجيش الروسي جرّب أكثر من 320 نوع سلاح مختلف خلال عملياته في سورية. كما أن الروس لم يتوقفوا عن القيام بحملاتٍ دعائيةٍ كبيرةٍ، من أجل يثبتوا للعالم أن أسلحتهم تعمل جيدا وقادرة على اعتراض المقاتلات والصواريخ الإسرائيلية، ذلك أن مبيعاتها مصدر دخل كبير للاقتصاد الروسي الذي يعاني من أزمات عدة. وبالتالي، تمثل غارات إسرائيل المتكرّرة على مواقع في سورية، في وجود منظومات الصواريخ الروسية، إحراجاً للدعاية الروسية. وهذا يفسّر تركيز بيانات وزارة الدفاع الروسية على أن منظومات الدفاعات الجوية روسية الصنع، وحتى المتقادم منها، قادرة على التصدّي لأحدث المقاتلات الإسرائيلية أميركية الصنع. يضاف إلى ذلك أن الغارات الإسرائيلية استهدفت، في الآونة الأخيرة، مواقع في سورية فيها عسكريون روس، مثل معامل الدفاع في حلب ومركز البحوث العلمية في دمشق، الأمر الذي يحمل مخاطر على حياتهم، رغم أن الروس كان يخلونها قبل وقوع الغارات الإسرائيلية. 
ولعلّ الأهم من ذلك أن روسيا تريد أن تستثمر ما صرفته عسكرياً في سورية على المستوى الاقتصادي، ولا يتحقق ذلك إلا بترويج أن العمليات العسكرية انتهت في سورية، وأن سورية باتت بلداً مستقراً، وأن الوقت قد حان لإعادة اللاجئين وإعادة الإعمار، فيما يشي استمرار الغارات الإسرائيلية بأنّ الأوضاع عكس ذلك على المستويين، العسكري والأمني. 
وعلى الرغم من الإشارات والدعوات الروسية المتكرّرة إلى إسرائيل، من أجل وضع قواعد جديدة للتعامل مع الوضع العسكري في سورية، والتنسيق معها أكثر، إلا أنه ليست هناك أي استجابة إسرائيلية، إذ ما زالت وسائل الإعلام الإسرائيلية تنقل عن جهات أمنية وعسكرية تأكيداتٍ على عدم تغير الموقف الروسي من الغارات، وهو ما يتم تأكيده في رسائل مباشرة وأخرى غير مباشرة بين الطرفين، وهذا يزيد من الإحراجات والمآزق الروسية في سورية، ويضعها أمام التزاماتها الإقليمية والدولية، فالأوضاع متفجّرة في الشمال السوري، بشرقه وغربه. والوضع في الجنوب ليس أفضل حالاً في ظل فشل التسوية التي رعتها روسيا مع الفصائل في الجنوب، حيث يصرّ نظام الأسد، ومعه إيران ومليشياتها، على ضرب تلك التسوية، كما أن إسرائيل لن توقف غاراتها على مواقع إيران ومليشياتها في سورية، لأنها تعتبر التموضع الإيراني فيها خطاً أحمر، بوصفه يشكل تهديداً لأمنها. وبالتالي، من الصعب على روسيا أن تغير موقفها من الغارات الإسرائيلية في سورية، خصوصا أن الرئيس بوتين أعلن، في أكثر من مناسبة، عن التزامه بحماية أمن إسرائيل.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".