هذا المشهد في الإقليم

هذا المشهد في الإقليم

14 ابريل 2024
+ الخط -

أصبح كل شيء في غزّة خارج الخدمة، تحوّلت مستشفياتٌ عديدة إلى خراب. وتحت ركام من الحجارة دُفن تحته مئات من الجرحى والمرضى، لم يتوقّف الصهاينة عن اقتراف عدوانهم الوحشي. صام الغزّويون في رمضان على الفتات. تواصل صيام كثيرين منهم أياما من دون أن يدخل بطونهم شيءٌ باستثناء الماء والتراب المتعفّن وأوراق الشجر.

هل يصحّ وصفُ الذين ارتكبوا كل هذه الجرائم بالجيش؟ لم يترُكوا منزلاً ولا مدرسة ولا مسجداً ولا كنيسة ولا كشكاً إلا وأصابوه بدبابتهم وطائرتهم التي تسلموها من أميركا. هل هذه أخلاق الجيوش؟ وهل ما فعلوه بالأطفال والنساء والشيوخ من قواعد الحرب؟ لهذا قرّروا استهداف الصحافيين. لا يوجد في العالم عسكريون أو خبراء في القانون والعلوم السياسية يعتبرون هذا السلوك مشروعا. يُجمع الكل على أن ما حدث ويحدث شغل عصابات المافيا التي من عادات زعمائهم "من يتحدّاني أقتل أبناءه وأحفاده حتى يستسلم وأتمكّن من قتله". هذا ما حصل لعائلة الزعيم الصابر إسماعيل هنية، الذي لن يستسلم.

رغم الدعم الأميركي المستمرّ وبعض المساندين للبيت الأبيض، فإن العنجهية الإسرائيلية إنتاج ردود فعل عكسية، فكلما طالت الحرب واتّسعت دائرة الانتقام الوحشي وتجلّى الدمار في أبشع صوره، كانت النتيجة مناقضة لما يتوقّعه مرتكبوها. هناك وعي جديد يتّسع تدريجيّاً في العالم بأن الصهيونية أشدّ خطراً وهمجيةً من النازية. الصهيونية تعني، بكل وضوح، تهديداً للقيم الإنسانية بمجملها. وهذا ما جعل السيناتور الأميركي السابق بيرني ساندرز، وهو ذو توجّه تقدّمي، يعلن بكل شجاعة "كل الشياطين صهاينة". ولخّص الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، المأساة في قوله "كانت غزّة قبل الحرب أكبر سجن مفتوح، واليوم باتت أكبر مقبرة في الهواء الطلق، ومقبرة لأهم مبادئ القانون الإنساني".

تتواتر الاجراءات العقابية ضد إسرائيل من أصدقاء الأمس. تتّجه إسبانيا نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وترى هذا ضمن المصلحة الاستراتيجية لأوروبا، فرئيس وزرائها بيدرو سانشيز يقدّر أن أوروبا أصبحت مهيّأة للاعتراف بدولة فلسطين التي يرفض نتنياهو حتى مجرّد ذكر اسمها. وتركيا بعد تردد طويل تعلن "قرارها تقييد صادرات إلى إسرائيل يشمل 54 منتجا، منها الإسمنت وحديد الإنشاءات والفولاذ المسطّح والرخام والسيراميك". ومن شأن هذا أن يؤدّي إلى "زيادة في الأسعار، ما سيؤثر بشكل فوري على تكلفة المعيشة ونشاط الاقتصاد الإسرائيلي بأكمله"، حسب رئيس قطاع الأعمال في إسرائيل دوبي أميتايو. هذا في وقت تُستأنف فيه للأسف المباحثات بين اسرئيل وأندونيسيا من أجل تطبيع قريب رغم الحرب الظالمة ضد غزّة!. وتدرس عدّة دول احتمال اتخاذ قرارٍ بوقف بيع الأسلحة إلى إسرائيل مثل كندا وحتى بريطانيا.

أصبح دخول إيران في الحرب وشيكا. ويندرج في حقّها في الدفاع الشرعي بعد استهداف مقرّ دبلوماسيٍّ لها في دمشق. وبالتالي، منطقة الشرق الأوسط مهدّدة بحرب واسعة، بعد أن أكّدت واشنطن أنها ستدافع عما تسمّيه أمن إسرائيل. وهذا يعني أن تل أبيب تشكّل حالياً تهديداً مباشراً وعاجلا للأمن الدولي. وستشهد الأيام المقبلة تحوّلات كبرى لمسار الحرب المرشّحة لتصبح حرباً إقليمية، وليست فقط عدواناً على مدينة غزّة، فالهجوم الإيراني لن يكون نزهةً عابرة، وسيكون الردّ الإسرائيلي الأميركي قويّا، لكنه لن يُضعف إيران التي استعدّت لمثل هذا اليوم منذ مدة طويلة. وحزبُ الله سيكثّف من هجماته، وربما تقرّر الحكومة الصهيونية اكتساح لبنان. فهل ستتمكّن اسرائيل من مواجهة الجميع كما يدّعي نتنياهو، فالمنطقة مرشّحة لدخول مرحلة جديدة.