هذا السيسي لم يجد من يحنو عليه
مع رفع الستار إعلانا عن نجاح عملية تبرئة حسني مبارك و أعمدة حكمه، لاحت بوادر استفاقة "الشعب الذي لم يجد من يحنو عليه" فكان لابد من تشغيل ماكينات التفزيع والترويع العملاقة لإعادة "الشعب الغض" إلى حضّانات الخوف والرعب.
ويبدو أن أدوات التفزيع محلية الصنع لم تعد ناجعة وناجزة، فلجأت سلطة الانقلاب إلى استيراد شحنات هائلة من الإجراءات المخيفة أو المثيرة لأعنف موجات القلق، فيشاء السميع العليم أن تعلن سفارات الدول الأكثر حماسا للاستثمار في مشروع التحالف الدولي للحرب على "داعش" عن إغلاق سفاراتها بالقاهرة وتحذير رعاياها، في تتابع زمني مثير دراميا، وكأننا أمام أوركسترا متكامل يعزف موسيقى الرعب.
إن هذه "الحفاوة" الإعلامية الرسمية في مصر بأنباء إغلاق السفارات وتعليق عمل البعثات الدبلوماسية تبدو باعثة على الشك في منطلقات هذه الحمى الدبلوماسية المفاجئة التي انتشرت كالعدوى بين بعثات دول بعينها هي الأكثر انخراطا في "الحرب على الإرهاب"
ولا يمكنك أن تقرأ خطوات الترويع الدبلوماسي بمعزل عن إعلان وزير الخارحية الأميريكية جون كيري عن تطوير في الرؤية الغربية للحرب على الإرهاب، والتي يصرح فيها لأول مرة بما كان مكتوما في فخار المفاوضات السرية قائلا" إن دولا عربية مستعدة للتحالف مع إسرائيل ضد حركة المقاومة "حماس" وتنظيم الدولة "داعش"
تصريحات كيري التي جاءت أمام منتدى سابان التابع لمعهد بروكينجز في واشنطن ذهبت إلى أن عواصم عربية أكدت له جاهزيتها لصنع سلام مع العدو الصهيوني "ولديها القدرة على إيجاد تحالف إقليمي ضد حماس و تنظيم الدولة وحركة أحرار الشام وجماعة بوكو حرام النيجيرية".
ولأن النظام المصري يعمل بقاعدة "كلما انزنقت قل داعش والإرهاب" فأغلب الظن أن هذه الإغلاقات الدبلوماسية تنزل عليه بردا وسلاما، وغطاء يستر فضيحة تسريبات "فبركة" قضايا الرئيس المختطف من ناحية، وذريعة لإحراق براعم الغضب التي نبتت عقب حكم مبارك و أنعشت آمال الاصطفاف الثوري مجددا.. والأهم أنها تدخل الشعب"شعب السيسي" إلى حظائر الخوف بعد أن بدا أن بعضه يتسرب من قبضة الدجل والوهم، في ظل انخفاض نسبي لمنسوب العنصرية المجتمعية التي يتغذى عليها النظام، وتوفر له متطوعين للقتل- لا يبخل عليهم بلقب المواطنين الشرفاء- للتخلص من المعارضين والثوار الحقيقيين.
وفي ظل هذه الحالة من الهيستيريا الأمنية المصنوعة لن يتوقف أحد عند مقصلة القضاء التي تواصل إبداعاتها وأصدرت دفعة جديدة من أحكام الإعدام ضد معارضين، منهم رجال تحتفظ الذاكرة بمشاهد سحلهم وحرقهم في أحداث المقطم على يد قطعان من شعب الجنرال ، وسيدة في كرداسة.
ولعلك تذكر أنهم قبل أن يضعوا عبد الفتاح السيسي في ملابس "الزعيم" ليقف في لحظة الذروة الدامية للانقلاب ويقول"إن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه" كان شعب السيسي المختار يفعل الآتي:
إراقة دم فى محافظة الفيوم، وآخر فى المحلة، واستهداف للمنقبات والملتحين فى الشوارع والمواصلات العامة.. وكما قالت «اليوم السابع» قبل أسبوع من الانقلاب فإن معتصمى وزارة الدفاع استوقفوا أوتوبيس نقل عام للتفتيش عن المنتقبات والملتحين بداخله.
ولو عدت إلى ما قبل ذلك ذلك بثلاثة أشهر "مارس ٢٠١٣"و استدعيت من الذاكرة أحداث المقطم ستجد فظاعات إنسانية ضد الإسلاميين لا يضاهيها في بشاعتها سوى تلك المشاهد المنقولة من قرية "كترمايا" اللبنانية عقب الجريمة المروعة التي ارتكبها شاب مصري وأودت بحياة أربعة أفراد من أسرة لبنانية، لينتقم منه الأهالي بحريمة أكثر بشاعة بقتل القاتل وتعليق جثته على شجرة على قارعة الطريق.
لقد افتتحت جماعة الانقلاب فقرات عرس الدم مبكرا، بعد استدعاء وإنعاش أقبح ما فى الوجود البشرى من نوازع غل وكراهية ورغبات فى الإبادة وسط تصفيق حاد واحتفاء رقيع من شاشات وميكرفونات الحرائق.
وفي هذه اللحظة المشحونة بلوثة الحرب على الإرهاب، يخشى من أن تذهب الأمور في مصر إلى جحيم آخر مصنوع بعناية لمواصلة لعبة الابتزاز داخليا وخارجيا في إطار المشروع الدولي لزراعة زعامة اصطناعية في شخص يجيد أداء شخصية المجروح الذي "لا يجد من يحنو عليه"