نازحون سوريون في جونية
"النازحون السوريون في حديقة عامة بنص دين جونية .. جونية السياحة والجمال والرُقي، شوفوا كيف حوَّلوها.. أين البلدية.. أين رئيس اتحاد بلديات كسروان جوان حبيش؟ الفيديو والصور تتكلّم .. نعم لترحيلهم وبأسرع وقت". هذه العبارات/ الترّهات، التي نشرت في تغريدة مرفقة بصور وفيديو صادرة عن مواطنة لبنانية رأت مجموعة من السوريين في إحدى الحدائق في مدينة جونية (20 كيلومتراً شمال بيروت)، فاعتبرت أنه يجب إيقافهم وترحيلهم.
قد يبدو الحادث في لبنان مملاً لكثرة ما تكرّر منذ بدء نزوح السوريين إلى لبنان عقب الثورة السورية هرباً من بطش النظام السوري بالمدنيين. أكثر من عقد ولا تزال هذه العبارات تتردّد. وحتى ما أقدمت عليه بلدية الدكوانة، في الأيام الأخيرة، بإجبار سوريين مقيمين في نطاقها على توقيع تعهد بالعودة إلى سورية بعد مداهمة منازلهم وإيقافهم تعسّفياً في مخفر البلدة، بحسب ما نشر المركز اللبناني لحقوق الإنسان، ليس مفاجئاً. إنه مزيد من العنصرية فقط.
لكن اللافت، تحديداً، في "المناشدة" التي أطلقت عبر موقع تويتر، أنها خصصت لكل من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، صهر رئيس الجهورية ميشال عون، ومستشاره أنطوان قسطنطين، فقد رأت فيهما الملجأ في مواجهة "الخطر الداهم" الذي يلحق بجونية وطابعها و"نقائها" بسبب.. سوريين في حديقة.
وهذا ليس تفصيلاً هامشياً. أصحاب هذه الأفكار هم أسرى خطابٍ تحريضيٍّ ضد اللاجئ السوري، بغض النظر عن تسميته النازح من قِبل الدولة اللبنانية التي لا تعترف باللاجئين على أراضيها. وقد تعرّض اللاجئون السوريون على مدى عقد لخطاب تحريضي مكثف. ألصقت بهم جميع التهم، صوّروا أنهم سبب كل الأزمات والتردّي في الخدمات. يزيدون استهلاك الكهرباء، الطحين، الماء، هم سبب الأزمة المالية، حرمان لبنان من أموال المساعدات لأنها تخصّص لهم، هم وراء تفاقم أزمة النفايات، البطالة، وغيرها من تهم كثيرة.
عُدّت عليهم ربطات الخبر التي يشترونها وزجاجات زيت الطهي وحتى الطحين. تعرّضوا لأسوأ أنواع التمييز، مُنِعوا من التجول في مناطق وأوقات محددة. وعملياً، ضُغط عليهم بكل الأشكال المتاحة للعودة إلى سورية، حتى باستخدام حيلة العودة الطوعية والحديث عن مناطق آمنة.
وعلى الرغم من محاولات التصدّي لكل هذا التحريض بالأرقام التي تفيد بأن الدولة اللبنانية لم تتكلف على اللاجئين السوريين، حتى الأطفال وتعليمهم، بفضل المساعدات التي كانت تتدفق، إلا أن النتيجة لم تكن يوماً مرضية. كان الخطاب الشعبوي أعلى وأسرع وصولاً. مُنح أصحابه الشاشات والصحف والمواقع الإلكترونية. والأخطر أن منظّري هذا الخطاب يرسمون السياسات ويطبقونها. حتى إن وزير الخارجية اللبنانية، عبد الله بوحبيب، لا يوفر فرصة للتصويب على اللاجئين بوصفهم "عبئاً" على الدولة اللبنانية، وذهب إلى حد مطالبة المنظمات الدولية بالتوقف عن الدفع لهم. ولم يتردّد في القول لمنصة "ميغافون" اللبنانية إن "اللاجئ إن صرف المال في لبنان يشتري بصلاً وبطاطا وإن كثّرت بندورة"!
يبدو الخلاص من هذه الدوّامة صعباً طالما لم يطرأ تغيير على خطاب الدولة اللبنانية ومقاربتها موضوع اللاجئين السوريين. تغرق السلطات في تجاهل متعمّد لحقيقة أن النظام نفسه لا يزال قائماً في سورية، وسجونه مليئة بالمعتقلين وسجلاته تفيض بالمخفيين قسراً، وأن السوري الذي يفضّل العيش في خيمة، وتحمّل كل هذا التحريض والانتهاكات في حقه، لا يأمن على نفسه وأولاده إذا ما أجبر على العودة، لأنه يخشى أن يتحوّلوا إلى سجناء أو مخفيين أو ضحايا مجزرة جماعية لن يتردّد النظام في ارتكابها وإخفائها لو إلى حين.