مهنةٌ ما من طاغيةٍ إلا وعمل بها

09 نوفمبر 2023
+ الخط -

"ما بعثَ اللهُ نبيًا إلا ورعى الغنم".. حديث شهير، أما حديث "ما من طاغية إلا وعمل في الكي" فليس حديثا، هو قول مُفترى، نظرية سياسية أنسبها إلى نفسي الخاطئة المُذنبة، وسأحاول في هذا المقال البرهان عليها. الكيّ آخر الدواء لكن الطغاة يبدأون به.

أستعين بأمثلةٍ من الحياة وشؤونها ووقائعها في تقريب الأمثلة السياسية الدولية لأسرتي أو أصحابي، وقد سئلتُ عن سبب عجز العالم الحرّ عن ردع إسرائيل أو وعظها أو نصحها، بل أن رئيس أميركا، بايدن نفسه، يظهر عاجزا عن نصح نتنياهو، ويصرّح بذلك أحيانا لمن حوله، حتى أن شرطته غضّت النظر عن اقتحام اليهود المعارضين للحرب مقرّ مجلس الشيوخ الأميركي والاعتكاف فيه ساعات، فكيف يمكن فهم استثناء إسرائيل من القانون الدولي والأعراف الإنسانية؟

فأقول: هل تعرفون الغلام الفاسد لولو، ابن جارنا الشاويش حسين، الذي أنجبه على سبع بنات، فيهزّون رؤوسهم، فهم يعرفونه، ويعرفون دلاله وفجوره وفساده، النعمة التي عاش فيها، وحبّ أمه وأبيه له، الذكر الوحيد للعائلة المولود بمعجزة، الذي نما وترعرع كل فتر بنذر، محصّنا بالعزائم والتمائم، مدلّلا من أمه وخالاته وأخواته، الأخ المعجزة، الولد الذي سيحمل اسم أبيه ويرث اسمه وثروته، وتعرفون كيف يستقبل ضيوف أبيه، وإن تحية الاستقبال هي البصاق في وجوه الضيوف، أما تحية الوداع فهي إبراز سوأته لهم، من قبل أو من دبر، فيضحك الأب فخورا بوقاحة ولده، الذي يسطو على أطعمة زملائه في الحارة، ويؤذي معلّميه، مكلوءا بحماية أبيه وصيانته. وقد نصح الأقارب والصحب والمعلمون الأب والأم بإحسان تربية الولد وحسن رعايته، فالوقت ينفد، وقد يصعُب إصلاحه، لكن الأب لم يستبن الرشد حتى في ضحى الغد، فهو ولده الوحيد، المحبوب. هكذا هي إسرائيل الولد الوحيد للعالم الحرّ للدول الغربية، الناجي من المحرقة، ابن الرب الذي حلّ محلّ المسيح في الصهيونية المسيحية فبات مقدّسا أكثر منه، يمكن شتم المسيح عليه السلام أو السخرية منه في الأفلام الغربية والروايات والقصص، أما انتقاد شعب الربّ المختار فعداء للسامية!

حسنا، فما هو "كي الوعي"؟ هو مصطلح ثأري، ويعني سحق العدوّ بالقوة والإجراءات الظالمة، وإعادة الحياة إلى العصر الحجري، حتى يتحسّر العدوّ على العودة إلى ما كان عليه قبل بداية الحرب. وهي ليست بدعا من القول أو الفعل، فقد كوى النمرود إبراهيم، عليه السلام، بالحرق، وأجّج له نارا عظيمة، فنجا بمعجزةٍ معروفة. وكانت جريمته أنه حطّم الأصنام وعلق الفأس في رقبة كبيرهم، وكوى فرعون وعي قوم موسى، بسبب رؤيا رآها ففزع منها، فعزم على استئصال ذكورهم، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.

ويمكن ذكر أمثلة معاصرة لكيّ الوعي، فقد كوت أميركا وعي اليابانيين في الحرب العالمية الثانية بقنبلتين، لهما اسمان طريفان، مثل الولد الصغير والرجل البدين. وكوى حافظ الأسد وعي السوريين في حماة. وكوى ابنه بشّار وعي الشعب السوري عملا بنصيحة أمه وخاله، وكوى معمر القذّافي وعي الليبيين بمجزرة سجن أبو سليم. لقد عمل الطغاة جميعا في مهنة مكوجي الوعي، وهي عادةٌ مصحوبةٌ بالغسيل، فالرئيس المكوجي يغسل سمعته في إعلامه، فهو رئيس ولد في قرية بعيدة، مثل الأنبياء، حفظ القرآن تحت شجرة وقام بثورة اسمها الثامن من آذار/ مارس المجيدة في سورية واسمها الثلاثين من يونيو/ حزيران في مصر، وهكذا ديدن الساسة المكوجية.

نشهد جميعا عملية كيّ الوعي العربي والعالمي، وكيف يحرق "جيش الكيّ الإسرائيلي" الأطفال والنساء والرجال، ويحرق المؤسّسات الدولية والمشافي والكنائس والمساجد، وكيف يجري الأطباء العمليات الجراحية في مشاف على الأرض من غير ضوء أو مخدّر بل ويُجرونها تحت القصف. يحاول مثقفون خواجات وفنانون خواجات كيّ الوعي، برواية الطرائف أو الرقص في المهرجانات، لكن الحاصل أن جيش كيّ الوعي يحرق روايته التي عاش بها 75 سنة، فهذه أمة عصيّة على الكيّ والحرق، وأن صيحة ألم الكيّ توقظ العالم من سباته، وقد حرق كذبته التي عاش بها ثلاثة أرباع القرن، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.

أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر